13 أكتوبر 2024
اليمن.. تحالفات صغيرة لصراع قادم
شهدت تحالفات أطراف الحرب اليمنية، في الآونة الأخيرة، تحولات سياسية قد تفضي إلى تفكك بعض التحالفات، أو إلى تخليق تحالفاتٍ سياسيةٍ أصغر، في إطار التحالف الواحد؛ بقدر ما تبدو هذه التحولات مرهونةً بالتناقضات البينية بين القوى السياسية داخل إطار التحالف الواحد، إلا أن شدة التنافسية بين هذه القوى أثر، كما يبدو، على تموضعاتها، إضافة إلى حرصها على أن تكون ممثلةً في هرم السلطة اليمنية في مرحلة ما بعد الحرب، فضلاً عن ارتباط هذه التحولات بأجندات القوى المتدخلة في اليمن، وتفضيلاتها السياسية للقوى اليمنية المحلية الموالية لها.
أسفرت التطورات السياسية أخيراً عن مؤشراتٍ على تفكك تحالف سلطة الانقلاب، في حين بدت التحولات السياسية في إطار تحالف السلطة الشرعية أكثر وضوحاً، فالانقسامات الحادة بين القوى السياسية المنضوية في تحالف الشرعية لم تنضجها التناقضات بين أطرافها، وإنما أنضجتها استقطابات القوى المتدخلة في اليمن، وهو ما أدى إلى تفريخ تحالفات سياسية صغيرة في إطار الشرعية.
منذ تأسيسه، في العام 2001، على يد الأمين المساعد للحزب الاشتراكي اليمني، جار الله
عمر، مثل اللقاء المشترك حاملا سياسياً للمعارضة اليمنية لنظام علي عبدالله صالح حينها، وكذلك حاملاً للمشروع الوطني اليمني، وعلى الرغم من التناقضات بين الأحزاب اليسارية والقومية من جهة، وبينها وبين الأحزاب الدينية من جهة أخرى، مثل حزب الإصلاح المنضوي في "اللقاء المشترك"، وتطورها إلى صراعات بين القواعد الشعبية لهذه الأحزاب في أثناء الثورة والمرحلة الانتقالية، إلا أن اللقاء المشترك حافظ على مظهر الانسجام حتى مع هيمنة حزب الإصلاح على القرار السياسي للمشترك، ولم يكن لواحدية القرار السياسي التي انحصرت على مستوى القيادات العليا في المشترك تأثير حقيقي على الخيارات السياسية التي انتهجها حينها.
لم يدخل "اللقاء المشترك" الحرب موحداً، بمقتضى أدبيات تحالفهما السياسي، إذ تعدّدت الأصوات السياسية المتباينة داخل منظومته، وهو ما كشف عن تآكل بنيته السياسية وتضعضه، حيث تموضع كل حزب سياسي مع سلطة الانقلاب أو مع السلطة الشرعية. على الرغم من أن الأحزاب الكبيرة، كالاشتراكي والناصري والإصلاح، انحازت إلى السلطة الشرعية، إلا أن انحيازها لم يكن في إطار "اللقاء المشترك"، وإنما وفقاً لمصالحها مع دول التحالف العربي، وتحديداً السعودية والإمارات. في المرحلة الأخيرة من انهياره، ظهر "اللقاء المشترك" متشرذماً، ومثلت حدة التنافس والتجاذب بين حزبي الإصلاح والتنظيم الناصري أحد ملامح هذه المرحلة، اذ نقلا صراعاتهما السياسية إلى داخل "المشترك" الذي تحول إلى إطار شكلي، في حين ظل الحزب الاشتراكي، مؤسس المشترك، متفرجاً على الصراعات داخل مظلة "المشترك"، مفضلا أن تأتي الرصاصة القاتلة من الآخرين، وليس منه، إكراما للمسيرة النضالية الوطنية للرفيق الشهيد جار الله عمر.
تحول "اللقاء المشترك" من إطار سياسي للدفاع عن السلطة الشرعية إلى ضحية لصراع الأجندات الإماراتية السعودية، ودفعت تداعيات الأزمة الخليجية بالتنافس الإصلاحي - الناصري إلى مستوىً أعلى من أي صراع سياسي في اليمن، فيما عطّل حزب الإصلاح "اللقاء المشترك"، وصادره لصالح أجنداتها السياسية، اضطلع التنظيم الناصري بهمّة تقويض "المشترك". بدأت الإرهاصات الأولى لتفكيك "اللقاء المشترك" بدعوة التنظيم الناصري لتشكيل تحالف سياسي من القوى السياسية اليمنية المدافعة عن السلطة الشرعية في مدينة تعز، أعلنت القيادة السياسية للتنظيم الناصري تشكيل تحالفٍ سياسيٍّ من القوى المدنية، وظهر ذلك التحالف موجهاً لإزاحة حزب الإصلاح من التمثيل السياسي المدني في المدينة، أكثر منه لترتيب الأوضاع السياسية والأمنية في المدينة. في المقابل، شكلت سياسة الهيمنة والاستئثار التي يصر حزب الإصلاح على الاستمرار في انتهاجها العامل الرئيسي لتفكك "اللقاء المشترك"، وربما تحول أطرافه إلى الصراع بينها. كما أن فشل التحالف في مدينة تعز التي تتمتع بخصوصية احتفاظ "اللقاء المشترك" بهويته السياسية طوال المرحلة الانتقالية وبداية الحرب، كان رسالة سياسية أن المدينة المحاصرة والمنهكة من صراعات القوى السياسية لم تعد متحمسةً لتحالفاتٍ لن تؤدي إلا إلى جولةٍ من الصراع في المستقبل.
لم يمنع الفشل الذريع لاستمرارية تحالف اللقاء المشترك التنظيم الناصري من محاولة التهيئة
لتخليق تحالف سياسي آخر، ففي يوليو/ تموز الماضي، ومن العاصمة المصرية، جرى تسريب بيان مقتضب عن وضع الترتيبات النهائية لإعلان ائتلاف سياسي يمني، واستثنى البيان حزب الإصلاح من الأحزاب الموقعة على البيان، على الرغم من انسجام الحزبين في مرحلة الثورة والمرحلة الانتقالية على مستوى القيادات والقواعد الشعبية، وهو ما يشير بجلاء إلى أن هذا التنافس مرتبط بالأجندات الإقليمية، بما فيها الصراع على احتكار التمثيل السياسي في إطار مدينة تعز أولاً، وأخذ التنافس الإصلاحي- الناصري وجهةً أكثر صداميةً بعمل كليهما على إزاحة الآخر، حيث أعلن، أخيراً، في تعز، تشكيل ائتلاف سياسي لإسناد الشرعية، وفيما حدّدت مضامين هذا الائتلاف دعم القوى السياسية لتحرير المدينة، وتطبيع الأوضاع ، إلا أن اللافت أن حزب الاصلاح فوّت على الناصري فرصة ثمينة، عبر انخراطه في هذه الائتلاف، فضلا على أن مضامين الائتلاف لا تختلف عن سياسة "اللقاء المشترك" في ظل الحرب، ما يجعل من تأسيس هذا الائتلاف لا يرتبط بضرورة سياسية، وإنما لتكريس تحالفاتٍ سياسية أصغر على أنقاض "اللقاء المشترك".
مع إعلان التنظيم الناصري، في نهاية أغسطس/ آب الماضي، انسحابه من "اللقاء المشترك" في مدينة تعز، اتضحت صورة التحالفات السياسية الجديدة التي بدأت بتفكيك "اللقاء المشترك"، مع الأخذ بالاعتبار المبرّرات التي أوردها بيان الناصري، وفي مقدمتها تغوّل حزب الإصلاح، إلا أن تآكل "اللقاء المشترك" بانسحاب الناصري لا يغير من حقيقة أن هذا التحالف كان مرحلياً، وكأي تحالف مرحلي، اختزل في مرحلة تاريخية وسياسية معينة، وكانت له أخطاؤه الكارثية، فيما لم تعمل الأحزاب المنضوية فيه على تجديده وتقييم تجربته، فإن من الطبيعي أن تطلق عليه رصاصة الرحمة، لكن الأحزاب التي فقدت مشروعيتها الوطنية، بتنكرها لمصالح اليمنيين المسحوقين، والتي رهنت خيار تشكيل تحالفاتها وخروجها منه بمصالحها، وغيّبت قواعدها الحزبية من المشاركة في هذا الخيار الاستراتيجي، لا يمكن أن تبني تحالفاتٍ سياسيةً يمنيةً وطنيةً في هذه المرحلة. وعلى الأغلب، فإنها ستتسابق لتحقيق خيارات الدول المتدخلة في اليمن ومصالحها، ولو على حساب اليمنيين ومصالحهم الوطنية.
أسفرت التطورات السياسية أخيراً عن مؤشراتٍ على تفكك تحالف سلطة الانقلاب، في حين بدت التحولات السياسية في إطار تحالف السلطة الشرعية أكثر وضوحاً، فالانقسامات الحادة بين القوى السياسية المنضوية في تحالف الشرعية لم تنضجها التناقضات بين أطرافها، وإنما أنضجتها استقطابات القوى المتدخلة في اليمن، وهو ما أدى إلى تفريخ تحالفات سياسية صغيرة في إطار الشرعية.
منذ تأسيسه، في العام 2001، على يد الأمين المساعد للحزب الاشتراكي اليمني، جار الله
لم يدخل "اللقاء المشترك" الحرب موحداً، بمقتضى أدبيات تحالفهما السياسي، إذ تعدّدت الأصوات السياسية المتباينة داخل منظومته، وهو ما كشف عن تآكل بنيته السياسية وتضعضه، حيث تموضع كل حزب سياسي مع سلطة الانقلاب أو مع السلطة الشرعية. على الرغم من أن الأحزاب الكبيرة، كالاشتراكي والناصري والإصلاح، انحازت إلى السلطة الشرعية، إلا أن انحيازها لم يكن في إطار "اللقاء المشترك"، وإنما وفقاً لمصالحها مع دول التحالف العربي، وتحديداً السعودية والإمارات. في المرحلة الأخيرة من انهياره، ظهر "اللقاء المشترك" متشرذماً، ومثلت حدة التنافس والتجاذب بين حزبي الإصلاح والتنظيم الناصري أحد ملامح هذه المرحلة، اذ نقلا صراعاتهما السياسية إلى داخل "المشترك" الذي تحول إلى إطار شكلي، في حين ظل الحزب الاشتراكي، مؤسس المشترك، متفرجاً على الصراعات داخل مظلة "المشترك"، مفضلا أن تأتي الرصاصة القاتلة من الآخرين، وليس منه، إكراما للمسيرة النضالية الوطنية للرفيق الشهيد جار الله عمر.
تحول "اللقاء المشترك" من إطار سياسي للدفاع عن السلطة الشرعية إلى ضحية لصراع الأجندات الإماراتية السعودية، ودفعت تداعيات الأزمة الخليجية بالتنافس الإصلاحي - الناصري إلى مستوىً أعلى من أي صراع سياسي في اليمن، فيما عطّل حزب الإصلاح "اللقاء المشترك"، وصادره لصالح أجنداتها السياسية، اضطلع التنظيم الناصري بهمّة تقويض "المشترك". بدأت الإرهاصات الأولى لتفكيك "اللقاء المشترك" بدعوة التنظيم الناصري لتشكيل تحالف سياسي من القوى السياسية اليمنية المدافعة عن السلطة الشرعية في مدينة تعز، أعلنت القيادة السياسية للتنظيم الناصري تشكيل تحالفٍ سياسيٍّ من القوى المدنية، وظهر ذلك التحالف موجهاً لإزاحة حزب الإصلاح من التمثيل السياسي المدني في المدينة، أكثر منه لترتيب الأوضاع السياسية والأمنية في المدينة. في المقابل، شكلت سياسة الهيمنة والاستئثار التي يصر حزب الإصلاح على الاستمرار في انتهاجها العامل الرئيسي لتفكك "اللقاء المشترك"، وربما تحول أطرافه إلى الصراع بينها. كما أن فشل التحالف في مدينة تعز التي تتمتع بخصوصية احتفاظ "اللقاء المشترك" بهويته السياسية طوال المرحلة الانتقالية وبداية الحرب، كان رسالة سياسية أن المدينة المحاصرة والمنهكة من صراعات القوى السياسية لم تعد متحمسةً لتحالفاتٍ لن تؤدي إلا إلى جولةٍ من الصراع في المستقبل.
لم يمنع الفشل الذريع لاستمرارية تحالف اللقاء المشترك التنظيم الناصري من محاولة التهيئة
مع إعلان التنظيم الناصري، في نهاية أغسطس/ آب الماضي، انسحابه من "اللقاء المشترك" في مدينة تعز، اتضحت صورة التحالفات السياسية الجديدة التي بدأت بتفكيك "اللقاء المشترك"، مع الأخذ بالاعتبار المبرّرات التي أوردها بيان الناصري، وفي مقدمتها تغوّل حزب الإصلاح، إلا أن تآكل "اللقاء المشترك" بانسحاب الناصري لا يغير من حقيقة أن هذا التحالف كان مرحلياً، وكأي تحالف مرحلي، اختزل في مرحلة تاريخية وسياسية معينة، وكانت له أخطاؤه الكارثية، فيما لم تعمل الأحزاب المنضوية فيه على تجديده وتقييم تجربته، فإن من الطبيعي أن تطلق عليه رصاصة الرحمة، لكن الأحزاب التي فقدت مشروعيتها الوطنية، بتنكرها لمصالح اليمنيين المسحوقين، والتي رهنت خيار تشكيل تحالفاتها وخروجها منه بمصالحها، وغيّبت قواعدها الحزبية من المشاركة في هذا الخيار الاستراتيجي، لا يمكن أن تبني تحالفاتٍ سياسيةً يمنيةً وطنيةً في هذه المرحلة. وعلى الأغلب، فإنها ستتسابق لتحقيق خيارات الدول المتدخلة في اليمن ومصالحها، ولو على حساب اليمنيين ومصالحهم الوطنية.