اليمن: حواجز تعترض التغريدات

12 مايو 2016
(في صنعاء، تصوير: جوناثان ساروك)
+ الخط -

بدت وسائل التواصل الاجتماعي مجرّد أداة افتراضية تسهّل التعرّف إلى الناس، وربّما تكون طريقاً إلى المعرفة أحياناً؛ لكنها في اليمن باتت طريقاً إلى المُعتقل، في ظل سياسة القمع التي تمارسها مليشيا الحوثي، على كافة المستويات.

منذ الأيام الأولى لإسقاط جماعة الحوثي لصنعاء، شهد الواقع الصحافي والإعلامي حملة ملاحقة ضد الصحافيين والكتّاب والناشطين. وبقوة السلاح، أغلقوا الصحف والمؤسسات الإعلامية بمختلف أشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية، خصوصاً الحزبية، ونفذّوا اعتقالات واسعة لكثير من العاملين فيها، بما في ذلك المواقع الإخبارية، التي هي الأخرى تعرضت إلى الحجب.

لم تكتفِ مليشيا الحوثي بهذا وحسب، بل وسّعت من حملة الملاحقة والتضييق، لتشمل أخيراً وسائل التواصل الاجتماعي، والسعي نحو فرض رقابة عليها وعلى ما يجري تداوله فيها، من خلال مراقبة المنشورات بطرق مختلفة، مثل تفتيش لأجهزة الهواتف النقّالة لمن يمرّ على أحد حواجزهم في إحدى وسائل النقل العامة. هكذا، قد تحتجز المليشيا أي شخص يتم العثور في جهازه المحمول على صور أو منشورات معارِضة لها.

في حديثٍ إلى "جيل العربي الجديد"، يقول موسى سعيد، الذي يعمل سائق باص: "هناك أكثر من 40 نقطة تفتيش للحوثيين تنتشر في طريق تعز – صنعاء، وخلال هذه النقاط يخضع الركاب إلى التفتيش، خصوصاً هواتفهم المحمولة".

يضيف: "يشمل التفتيش عادة جهات الاتصال، والفيسبوك، والصور ومقاطع الفيديو. وقد سبق أن احتجزت جماعة الحوثي العشرات من الركاب بعد الاطلاع على حساباتهم في هواتفهم النقالة".

ويشير موسى: "أحياناً، أغادر من صنعاء بـ16 راكباً وأصل إلى تعز بـ12 راكباً، أو عشرة. العدد المفقود من الركاب هم ممن خضعوا للتفتيش وكان مصيرهم الاحتجاز لدى مليشيا الحوثي".

يروي لنا أحد أبناء تعز، سامي أحمد، ما حدث معه: "احتجزني الحوثيون في "نقيل يسلح" – شرق صنعاء – أثناء وصولي من تعز على متن باص نقل، وتركوني في السجن لمدة عشرين يوماً، وذلك على ذمة أنهم وجدوا في هاتفي صورا للمقاومة الشعبية".

المتتبّع لقصص شبّان ألقت عليهم المليشيات القبض، سيجد أن الطريق الرابط بين صنعاء وتعز هو أكثر الأماكن التي تنتشر فيه جماعة الحوثي، وتفرض فيه رقابه على العابرين.

يقول محمد البطاح، لـ"جيل العربي الجديد": "كنا متجهين من صنعاء إلى تعز على متن سيارتنا الخاصة، ورغم معرفتنا المسبقة باستمرار المواجهات فيها، وصعوبة الوضع الأمني هناك، لكننا كنا مضطرين إلى السفر لظروف مرضية. وعند وصولنا إلى مدخل المدينة، استوقفتنا نقطة أمنية تابعة لجماعة الحوثي، وبلهجة مهذبة قال أحدهم: من أين جئتم؟ قلنا له من صنعاء. قال ألا تعلمون أنكم ستدخلون الجبهة؟ فقلنا له نحن نقصد منطقة العسكري، والوضع الأمني هناك مستقر نوعاً ما كما أخبرنا بعض أصدقائنا هناك".

كان هذا الحوار تمهيداً للقيام بإجراء يصفه البطاح بأنه "تعسّفي، خارج النظام والقانون، ألا وهو تفتيش أجهزتنا الشخصية، فأخذوها منا، وبعد تفتيشها احتجزت أنا ورفيقي في السفر بسبب عثورهم على صورة لقائد المقاومة الشعبية في تعز، الشيخ حمود المخلافي، فيما زميلي احتجز بسبب عثور المليشيا على مقاطع فيديو في جهازه، وهو يقوم بحمل سلاحه الشخصي أثناء قيامه بالصيد".

بعد الاحتجاز، يشرح البطاح بعض التفاصيل: "الجندي الذي احتجزنا أجرى اتصالاً هاتفياً بأحد أفراد الجماعة هناك كما اتضح لنا، وقال له: لقد احتجزنا شخصين يحملون صوراً لـ"الدواعش"، وأسلحة ورشاشات". ظل البطاح ورفيقه رهينة الاحتجاز لمدة يومين، وبعد وساطة واتصالات، أُفرج عنهما.

الخطوط الرابطة بين الجوف ومأرب وصنعاء هي الأخرى خطوط توترات ومواجهات بين مليشيا الحوثي والمقاومة الشعبية مسنودة بالجيش الوطني، وفيها يمارس الحوثيون مثل هذه الإجراءات.

يقول حسن الحضرمي، أحد القادمين من جنوب البلاد إلى صنعاء: "لقد اضطررت قبل مجيئي إلى صنعاء، للقيام بإجراء إعادة ضبط المصنع لهاتفي، وحذف كل الحسابات وجهات الاتصال، وذلك بعد أن اتصل بي صديق، وقال إن جماعة الحوثي تفتّش الموبايلات. وهذا ما وجدناه فعلاً أثناء الرحلة التي حولتها المليشيا بإجراءاتها إلى رحلة شاقة ومتعبة، استغرقت 13 ساعة بدلاً من سبع ساعات بسبب التفتيش".

بعض الركاب الذين لم يحالفهم الحظ بمعرفة ذلك مسبقاً، وفقاً للحضرمي، "جرى إخضاعهم للتفتيش، والضرب، والاحتجاز بسبب منشورات معارضة لجماعة الحوثي في حساباتهم الشخصية".

لم تكن الباصات ووسائل التواصل الاجتماعي وحدها التي تمارس عليها مليشيا الحوثي هذه الإجراءات التعسفية، بل تمتد أيضاً إلى بعض مقاهي الإنترنت.

يقول مفيد الغيلاني: "لقد تعرضت لمضايقات من قبل جماعة الحوثي عدة مرات في مقاهي الإنترنت، ولوحقت إلى مقر عملي، وذلك بعد اكتشافهم أني كتبت منشورات مناهضة لهم في صفحتي على الفيسبوك".

كل هذه الإجراءات التي تقوم بها المليشيا الحوثية في اليمن تتم خارج النظام والقانون، وحتى الآن لا يوجد في اليمن أي قانون يتعلق بالنشر الإلكتروني. يقول الصحافي محمد سعيد الشرعبي، لـ"جيل العربي الجديد": "ليس هناك قانون ينظم النشر الإلكتروني في اليمن، ولكن الصحافيين والحقوقيين عملوا على تعزيز حريات النشر الإخباري الإلكتروني، ولم تستطع أجهزة السلطة السابقة والانقلابية منع ذلك، باستثناء حجب كافة المواقع الإخبارية".

ويتابع الشرعبي: "أما التدوين الإلكتروني في مواقع التواصل الاجتماعي، فيرتبط بنشاط ودور ومواقف المدونين أنفسهم، ولا سلطة لأحد عليهم سوى سلطة الضمير. ولكن مليشيات الانقلاب لا تعترف بحرية الرأي والتعبير، وتعاقب كل المخالفين لها، ويتعرض المدونون للاعتداء والسجن والمطاردة من قبلهم على خلفية نشاطهم في مواقع التواصل الاجتماعي".

المساهمون