06 نوفمبر 2024
اليمن في مؤتمر "الآخذون"
تطرح نتائج مؤتمرات المانحين إشكالات عديدة، منها نسبة الأموال الفعلية من الأموال المعلن عنها في هذه المؤتمرات التي قد تستفيد منها الشعوب المنكوبة، إضافة إلى طغيان الجانب السياسي على الجانب الإنساني في هذه المؤتمرات، وفي مقدمتها الأجندات السياسية للدول المانحة. في هذا السياق، تأتي نتائج مؤتمر المانحين الذي عقدته الأمم المتحدة في جنيف، مطلع أبريل/ نيسان الحالي، في سياق تعهد المانحين بتقديم نحو ملياري دولار للاستجابة للأزمة الإنسانية في اليمن، إلا أن المؤتمر أغفل الأسباب الحقيقية في استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية، ووصولها إلى حافة المجاعة، والتي يشكل استمرار الحرب سببها الرئيس، فيما حول رعاة المؤتمر العربية السعودية، قائدة التحالف العسكري في اليمن، والإمارات، الدولة الثانية فيه، أكبر المنتهكين الإقليميين بحق اليمنيين إلى مانحين، ذوي أيد بيضاء.
ترتبط دلالة أموال المانحين بتجرّدها من أي أجندات سياسية في اليمن، وليس وفقاً لضخامة هذه الأموال، وحتى مع عدم استفادة اليمنيين من هذه الأموال، وذهاب معظمها في تشغيل مكاتب الأمم المتحدة، بما فيها رواتب موظفيها الدوليين وسفرياتهم، فإنه لا يمكن بأي حال فصل هذه الأموال عن الأجندة السياسية للمانحين في اليمن، خصوصا مدى تورّطهم في الحرب، بما في ذلك دعمهم أطراف الصراع اليمنية والإقليمية، وهو ما يعني مسؤوليتهم المباشرة في معاناة اليمنيين. عدا ألمانيا التي لم يرتبط دعمها الإنساني اليمن، وكذلك مقاربتها للحرب بأي أجندة سياسية، فإن تبرعات الدول الكبرى، كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، يأتي في سياق التغطية على تورطهم في الحرب في اليمن، وذلك بإمداد السعودية والإمارات بالصواريخ التي تقتل المدنيين اليمنيين.
احتلت السعودية والإمارات، الدولتان المتدخلتان في اليمن، أعلى قائمة المتبرعين في مؤتمر جنيف، إذ تعهدتا بدفع نصف مليار دولار لكل منهما، وفي حين تبرز الأجندة السياسية من
تبرّعهما، إذ لا يمكن إغفال حقيقة أنهما طرفان رئيسيان في الحرب التي يعاني منها اليمنيون، وبالتالي فإن تبرّعهما يهدف، في المحصلة، إلى تحسين صورتهما أمام المجتمع الدولي، حيث أتت التبرعات السعودية على خلفية انتقاد الإعلام الأميركي والأوروبي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لكلفة حربه على حياة اليمنيين، إلا أنه وبعيداً عن التفتيش في النوايا السعودية والإماراتية، فتبرعهما بالأموال يتناقض كليا مع سياستهما الاقتصادية في اليمن، والتي ضاعفت، أكثر من أي شيء آخر، معاناة اليمنيين، فإضافة إلى كلفة الحصار الذي فرضته السعودية على الموانئ اليمنية، وأدت إلى ارتفاع أسعار البضائع التي تصل إلى اليمنيين، فقد أسهمت سياستهما حيال اليمن في تدهور الوضع الاقتصادي، وخصوصا انهيار العملة اليمنية، إذ ماطلت السعودية في تنفيذ وعودها أمام المجتمع الدولي بدعم العملة اليمنية، ولم تمنح الوديعة للبنك المركزي في مدينة عدن إلا متأخراً، فيما أعاقت الإمارات، باستمرار، وصول السيولة المالية إلى عدن، فضلاً عن تعطيلها تطوير الموانئ اليمنية، واستغلال معظمها لخدمة مصالحها الاقتصادية.
لا تجد السعودية والإمارات غضاضة في قتل اليمنيين، ليس فقط جرّاء الغارات، وإنما بمسؤوليتهم المباشرة في مفاقمة الأوضاع الإنسانية في اليمن، لكن الكارثة هنا هو حرصهما على تغليف حربهم في اليمن بطابع إنساني، فضلاً عن تسويق حجم فاتورتهما الإنسانية في اليمن، عبر تعمّدهما ضم كلفة تمويلهما العسكري للشرعية في حال السعودية، وللقوى الجنوبية في حالة الإمارات إلى الجانب الإنساني، إذ صرح أخيرا المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة، عبدالله ربيعة، أن إجمالي ما تبرعت به السعودية لليمن منذ بدء الحرب يقارب عشرة مليارات دولار، فيما بلغ إجمالي المساعدات الإنسانية الإماراتية لليمن ثلاثة مليارات وخمسمائة مليون دولار، بحسب ما صرح الوكيل المساعد للشؤون الإستراتيجية في وزارة الدفاع الإماراتية، اللواء فلاح القحطاني.
منذ تدخلها العسكري في اليمن، حرصت السعودية على تقديم نفسها أمام المجتمع الدولي أنها توازن الجانبين، العسكري الذي يتمثل بدعمها السلطة الشرعية، والإنساني الذي يتمثل بتقديم المساعدات الإغاثية لليمنيين. وجاء تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة مباشرة بعد انطلاق عملية عاصفة الحزم العسكرية لإبراز الجانب الإنساني لها في مقابل التغطية على تدخلاتها العسكرية والسياسية في البلدان العربية والإسلامية. وقد تولى المركز إدارة الشق الإغاثي السعودي في اليمن، واعتمد في توزيع الإغاثة بشكل مباشر على توزيع السلال الإغاثية للأهالي في بعض المدن، أو على وسطاء محليين، كالحكومة الشرعية ممثلة باللجنة الإغاثية العليا، والمنظمات التابعة لها، وكذلك على توقيع عقود مع المنظمات الدولية في اليمن، مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف.
وتحولت آلية توزيع الإغاثة في اليمن طيلة الحرب إلى إحدى بؤر الفساد الكبرى، إذ مثل غياب الشفافية أحد أوجه الفساد التي تعتمد عليها الجهات المعنية بالإغاثة، فضلاً عن غياب رقابة مجتمعية أو منظمات محايدة تعني بالرقابة الموضوعية لتوزيع الجهات العاملة في الجانب الإنساني للمساعدات الإغاثية، ومدى وصولها لليمنيين المتضررين من الحرب، وفيما رشحت منذ بدء الحرب صفقات فساد في الجانب الإغاثي لمركز الملك سلمان، تورط فيها وزراء في الحكومة الشرعية ومنظمات تابعة لهم، إضافة إلى توزيع بعض المواد الغذائية الفاسدة، كالقمح، للأهالي، وفيما تركز العمل الإغاثي السعودي في اليمن بتوزيع سلال غذائية وليس تقديم مشاريع تخدم المتضررين بالحرب، إذ اعتمد مركز الملك سلمان، في طريقة إدارته الإغاثة في اليمن، على غياب آلية واضحة وشفافة، وكذلك فساد الحكومة الشرعية، إضافة إلى غياب المصداقية في التقارير الصادرة من مركز سلمان بشأن الجانب الإغاثي في اليمن، والتي غلبت عليها البروباغندا الإعلامية أكثر من الجانب المهني، أو حتى الإنساني، كادعائها بأنها قدمت لليمن 70% من المساعدات الدولية، وأن ستة وعشرين مليون يمني استفاد منها.
أسوة بالسعودية، حاولت الإمارات إبراز جانبها الإنساني في اليمن بشتى الطرق. وفي حين
أدار الهلال الأحمر الإماراتي الجانب الإغاثي الإماراتي في اليمن، إلا أن الغرض السياسي كان المحرّك لأدائه، لكسب ولاء الجنوبيين، إذ انحصرت أعماله الإغاثية في بعض المناطق الجنوبية، ولم يدخل أي مدينة يمنية في الشمال، كما تركز نشاطه في أثناء تحرير مدينة عدن، ولم يقم بعدها بأعمال إنسانية إلا في فترات متباعدة، وتزامنا مع العمليات العسكرية للإمارات في الساحل الغربي، وبالطبع في مناطق الجنوب. ولم توجه هذه المساعدات إلى تأهيل المستشفيات أو المرافق التي تضررت في الحرب. وعدا بالطبع، عن جهود الهلال الأحمر الإماراتي اللافتة في طلاء بعض شوارع مدينة عدن وبعض المدارس بالعلم الإماراتي، لم تسهم هذه المساعدات في تخفيف معاناة الأهالي.
ربما لا يفهم معظم اليمنيين كثيراً في لعبة الأرقام الضخمة التي تديرها الأمم المتحدة على حسابهم. وبالطبع يجهلون الآلية التي يتم بها توزيع الأموال التي تُجمع بين حين وآخر تحت لافتة بؤسهم الإنساني، إلا أنهم يدركون جيداً، من واقع حياتهم اليومية، أنه مهما بدت نيات المانحين طيبة، فإنها ليست أبداً مثل نوايا من يقتلهم ويدّعي تضميد جراحهم، وأن هذه الأموال تذهب لا تصل إليهم، وإن وصل فتاتها فإنه لن يغير ولو حتى قليلاً من بؤس معيشتهم.
ترتبط دلالة أموال المانحين بتجرّدها من أي أجندات سياسية في اليمن، وليس وفقاً لضخامة هذه الأموال، وحتى مع عدم استفادة اليمنيين من هذه الأموال، وذهاب معظمها في تشغيل مكاتب الأمم المتحدة، بما فيها رواتب موظفيها الدوليين وسفرياتهم، فإنه لا يمكن بأي حال فصل هذه الأموال عن الأجندة السياسية للمانحين في اليمن، خصوصا مدى تورّطهم في الحرب، بما في ذلك دعمهم أطراف الصراع اليمنية والإقليمية، وهو ما يعني مسؤوليتهم المباشرة في معاناة اليمنيين. عدا ألمانيا التي لم يرتبط دعمها الإنساني اليمن، وكذلك مقاربتها للحرب بأي أجندة سياسية، فإن تبرعات الدول الكبرى، كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، يأتي في سياق التغطية على تورطهم في الحرب في اليمن، وذلك بإمداد السعودية والإمارات بالصواريخ التي تقتل المدنيين اليمنيين.
احتلت السعودية والإمارات، الدولتان المتدخلتان في اليمن، أعلى قائمة المتبرعين في مؤتمر جنيف، إذ تعهدتا بدفع نصف مليار دولار لكل منهما، وفي حين تبرز الأجندة السياسية من
لا تجد السعودية والإمارات غضاضة في قتل اليمنيين، ليس فقط جرّاء الغارات، وإنما بمسؤوليتهم المباشرة في مفاقمة الأوضاع الإنسانية في اليمن، لكن الكارثة هنا هو حرصهما على تغليف حربهم في اليمن بطابع إنساني، فضلاً عن تسويق حجم فاتورتهما الإنسانية في اليمن، عبر تعمّدهما ضم كلفة تمويلهما العسكري للشرعية في حال السعودية، وللقوى الجنوبية في حالة الإمارات إلى الجانب الإنساني، إذ صرح أخيرا المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة، عبدالله ربيعة، أن إجمالي ما تبرعت به السعودية لليمن منذ بدء الحرب يقارب عشرة مليارات دولار، فيما بلغ إجمالي المساعدات الإنسانية الإماراتية لليمن ثلاثة مليارات وخمسمائة مليون دولار، بحسب ما صرح الوكيل المساعد للشؤون الإستراتيجية في وزارة الدفاع الإماراتية، اللواء فلاح القحطاني.
منذ تدخلها العسكري في اليمن، حرصت السعودية على تقديم نفسها أمام المجتمع الدولي أنها توازن الجانبين، العسكري الذي يتمثل بدعمها السلطة الشرعية، والإنساني الذي يتمثل بتقديم المساعدات الإغاثية لليمنيين. وجاء تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة مباشرة بعد انطلاق عملية عاصفة الحزم العسكرية لإبراز الجانب الإنساني لها في مقابل التغطية على تدخلاتها العسكرية والسياسية في البلدان العربية والإسلامية. وقد تولى المركز إدارة الشق الإغاثي السعودي في اليمن، واعتمد في توزيع الإغاثة بشكل مباشر على توزيع السلال الإغاثية للأهالي في بعض المدن، أو على وسطاء محليين، كالحكومة الشرعية ممثلة باللجنة الإغاثية العليا، والمنظمات التابعة لها، وكذلك على توقيع عقود مع المنظمات الدولية في اليمن، مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف.
وتحولت آلية توزيع الإغاثة في اليمن طيلة الحرب إلى إحدى بؤر الفساد الكبرى، إذ مثل غياب الشفافية أحد أوجه الفساد التي تعتمد عليها الجهات المعنية بالإغاثة، فضلاً عن غياب رقابة مجتمعية أو منظمات محايدة تعني بالرقابة الموضوعية لتوزيع الجهات العاملة في الجانب الإنساني للمساعدات الإغاثية، ومدى وصولها لليمنيين المتضررين من الحرب، وفيما رشحت منذ بدء الحرب صفقات فساد في الجانب الإغاثي لمركز الملك سلمان، تورط فيها وزراء في الحكومة الشرعية ومنظمات تابعة لهم، إضافة إلى توزيع بعض المواد الغذائية الفاسدة، كالقمح، للأهالي، وفيما تركز العمل الإغاثي السعودي في اليمن بتوزيع سلال غذائية وليس تقديم مشاريع تخدم المتضررين بالحرب، إذ اعتمد مركز الملك سلمان، في طريقة إدارته الإغاثة في اليمن، على غياب آلية واضحة وشفافة، وكذلك فساد الحكومة الشرعية، إضافة إلى غياب المصداقية في التقارير الصادرة من مركز سلمان بشأن الجانب الإغاثي في اليمن، والتي غلبت عليها البروباغندا الإعلامية أكثر من الجانب المهني، أو حتى الإنساني، كادعائها بأنها قدمت لليمن 70% من المساعدات الدولية، وأن ستة وعشرين مليون يمني استفاد منها.
أسوة بالسعودية، حاولت الإمارات إبراز جانبها الإنساني في اليمن بشتى الطرق. وفي حين
ربما لا يفهم معظم اليمنيين كثيراً في لعبة الأرقام الضخمة التي تديرها الأمم المتحدة على حسابهم. وبالطبع يجهلون الآلية التي يتم بها توزيع الأموال التي تُجمع بين حين وآخر تحت لافتة بؤسهم الإنساني، إلا أنهم يدركون جيداً، من واقع حياتهم اليومية، أنه مهما بدت نيات المانحين طيبة، فإنها ليست أبداً مثل نوايا من يقتلهم ويدّعي تضميد جراحهم، وأن هذه الأموال تذهب لا تصل إليهم، وإن وصل فتاتها فإنه لن يغير ولو حتى قليلاً من بؤس معيشتهم.