الحزب اليميني اكتشف بالفعل صعوبة توحيد الأشلاء، بعدما فعل فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأنصاره ما فعلوا، حيث انضمّ كثيرون من ناخبي هذا الحزب إلى الأغلبية الحكومية، فيما قرر كثيرون، ومنهم قيادات مهمة، الانزواءَ بعيداً عن قيادة الحزب. كل متمترس في منطقته الانتخابية، كما هو شأن كزافيي بيتران، في شمال فرنسا، وفاليري بيكريس، في باريس الكبرى، وكريستيان إيستروزي، في مدينة نيس، وغيرهم كثير.
كذلك فإن اليمين الفرنسي، أيضاً، ومن خلال كل أطيافه، في وضعية صعبة، أي في وضعية العاجز عن الوصول إلى السلطة. إذ إن غرض كل حزب سياسي حقيقي هو الوصول إلى السلطة وتنفيذ وعوده وبرامجه. فعلى الرغم من تحقيق حزب "التجمع الوطني"، اليميني المتطرف، إنجازاً كبيراً في الانتخابات الأوروبية، إلا أنه يدرك أنه لن يستطيع الوصول إلى السلطة، لوحده، وهو الدرس الذي استفادة به الحزب من تجربة حليفه الإيطالي، ماتيو سالفيني، الذي وصل إلى السلطة عبر تحالفات مع مكونات سياسية أخرى.
محاولات لتوحيد اليمين المتعدد
كثيرون من المنحدرين من اليمين يفكرون ليلَ نهار في توحيد اليمين المشتت، وعلى رأسهم المستشار السابق للرئيس نيكولا ساركوزي، هنري غينو، الذي غادر حزب "الجمهوريون"، إضافة إلى ظهور جمعيات وتجمعات عديدة تريد تحقيق الهدف ذاته، رؤية اليمين يتربع على حكم فرنسا، ومن بينها "جرأة وجذور"، التي تستلهم أفكارها من حفيدة جان-ماري لوبان، ماريون ماريشال لوبان. وثمة أيضاً السياسي جان فرديريك بواسون، رئيس الحزب "المسيحي الديمقراطي"، الذي يعبر، في كثير من المواقف، عن أفكار قريبة من مارين لوبان و"التجمع الوطني".
ولم يكن صدفة أن تخرج ماريون لوبان من صمتها السياسي، الذي التزمت به خلال بعض الوقت، لتعلن أن حزب خالتها، مارين لوبان، "لن يصل إلى السلطة لوحده"، وبالتالي فيجب "إنجاز تحالف عريض بين مختلف أطياف اليمين".
وثمة أيضاً السياسي نيكولا دوبون إينيان، الذي تفضحه رغبته في أن يصبح، يوماً، رئيساً للجمهورية، باعتراف اليميني الآخر، وعمدة مدينة بيزيي، روبير مينار.
وتأتي هذه الدعوات في الوقت ذاته الذي أعلن فيه أهم منظّري اليمين الفرنسي المحافظ، ومستشار الرئيس نيكولا ساركوزي السابق، باتريك بويسون، عن "مبادرة" سياسية تجمعه مع صديقه الصحافي اليميني في صحيفة "لوفيغارو"، إيريك زمور.
ولكن هذه الدعوات إلى توحيد مكونات اليمين الفرنسي تصطدم بالخلافات بين اليمين الليبرالي واليمين المعادي لليبرالية، وهو ليس بالأمر الهيّن.
فرئيس مجلس الشيوخ، والقيادي في "الجمهوريون"، جيرار لارشي، الذي يقوم بمحاولات لإعادة توحيد حزب "الجمهوريون"، عَبْرَ فرض رئيس فريق الحزب في مجلس النواب، كريستيان جاكوب، رئيساً للحزب، يرفض أي انفتاح على اليمين المتطرف، ويأمل في استعادة التحالف مع يمين الوسط الليبرالي، الذي يمثله حزب "اتحاد الديمقراطيين المستقلين". على الرغم من علمه، أن حزب "الجمهوريون"، حتى في حال تعافيه، لن يصل إلى السلطة لوحده، وهو ما يجعل كثيرين من رفاقه، من بينهم كريستيان ستروزي وفرانسوا كوبي وكثيراً من عمدات مدن فرنسية ومنها مارسيليا، لا يخجلون من رؤية بعض نقاط تفاهم مع الأغلبية الرئاسية الحالية.
إيريك زمور رئيساً لفرنسا؟
لم يُخفِ الصحافي إيريك زمور، أبداً، ورغم أصوله اليهودية، أفكاره اليمينية المتطرفة، فهو كان مناصراً لتوجهات نيكولا ساركوزي حين أطلق أثناء ولايته نقاشات مؤلمة حول الهوية الوطنية، ثم دعّم عمدة مدينة بيزيي، روبير مينار، في خرجاته العنصرية والإسلاموفوبية، ثم هَبّ لنصرة اليمين المتطرف، ولا يزال يساهم، قدر استطاعته، في عملية نزع الشيطنة عن هذا الحزب اليميني المتطرف، رغبَتَهُ وحلمه في رؤية كل أطياف اليمين متصالحة ومتفقة على قاسَم مشترك، الهجرة والإسلام، إذ كما يصرح لصحيفة "لوفيغارو"، في 24 يونيو/ حزيران، فإنّ "الموضوع الرئيس في أوروبا هو الهجرة والإسلام".
وليس سرّاً أن حزب "التجمع الوطني"، وباعتراف مارين لوبان، عرض عليه أن يكون في المراتب الأولى على قائمته للانتخابات الأوروبية، وهو ما يعني ضمان أن يكون حاضراً في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، وهو ما اعتذر عنه الصحافي.
ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فعمدة مدينة بيزيي، ورئيس "مراسلون بلا حدود" الأسبق، روبير مينار، اقترحه قائداً لوحدة اليمين الفرنسي. وهو ما يعني أن يكون مُرشَّحاً لهذا اليمين، في حال توافُق أطيافه، لرئاسيات 2022، وهو ما رفضه أيضاً، إيريك زمور.
ولا شك في أن إيريك زمور يدرك أن الأمر ليس سهلاً، وهو ما يبرره، في تصريحه لصحيفة "لوفيغارو"، بأن الرئيس ماكرون عقبَةٌ في وجه التئام اليمين، لأن الرئيس ليس من اليسار: "إن ماكرون يُعقِّد الأمور. إذْ كان من الأسهل توحيد اليمين حين كان ثمة في الجهة المقابلة مُرشَّحٌ يقدم نفسه بأنه من اليسار".
ويقترح زمور من أجل إنجاح وحدة اليمين "توحيد فرنسا-الأطراف، مع قسم من بورجوازيي الحواضر" في مواجهة مشروع ماكرون "توحيد البورجوازية والمهاجرين".
ويعترف زمور، بشيء من الأسى، بأنه إذا كان يتلقى دعوات عديدة لتزعم وحدة اليمين، فلأنّه "لا يوجد أحدٌ لتنفيذ هذا المشروع"، إذ حتى ماريون لوبان، وهو مُقرَّبٌ منها، لا يراها قادرة على النجاح في توحيد اليمين، لأنّ "خطّها السياسي الليبرالي والأوروبي والمحافِظ، ليس كافياً، إضافة إلى عائق اسمها، لوبان"، وهو الموقف ذاته من خالتها، مارين لوبان، "لأنها تحمل اسم لوبان، إضافة إلى أنها كشفت عن حدودها أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة".