على الرغم من أن القضايا الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الهجرة، تحتل مكانة مهمة في البرامج الانتخابية للقوى السياسية الإسبانية المختلفة المتنافسة في الانتخابات البرلمانية المبكرة، اليوم الأحد، تظل وحدة إسبانيا، خصوصاً إقليم كتالونيا، في المقدمة، إلى جانب دعوة قوى سياسية إلى التخلص من مواد دستورية من عصر ما بعد الفاشية (التي انتهت نظرياً بموت الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو 1975) والتي بقيت تأثيراتها ماثلة حتى بعد تبنّي دستور 1978. وعلى خلفية تقدّم اليمين القومي والشعبوي المتشدد، وبالأخص حزب "فوكس"، الذي حقق نتيجة مهمة نهاية 2018 في الانتخابات المحلية في الأندلس، تظهر قضية الانفصال كإحدى أهم المسائل الوطنية، والتي تصفها وسائل الإعلام المحلية بأنها المسبب الرئيس لـ"الانقسام العميق" في البلد.
فطرْح اليمين القومي يذهب نحو اعتبار مواد الدستور التي تمنح حكماً ذاتياً للأقاليم "معيقة لمستقبل إسبانيا". وعليه، يود هؤلاء، ومعهم حزب "المواطنين"، المعارض للانفصاليين، انتهاج مزيد من التشدد الدستوري، لمنع أي انقسام قومي. واستطاع هذا المعسكر المعارض للانفصال الكتالوني أن يحصد المزيد من الشعبية في الشارع، حسبما أظهرت نتائج المناظرات التلفزيونية قبيل التصويت، وهو ما واكبته أيضاً صحيفة "إل باييس" بشكل شبه يومي.
وكانت "مسألة كتالونيا" وصلت إلى حد تخوين رئيس الوزراء اليساري، بيدرو سانشيز، في تظاهرات في مدريد، نهاية 2018. ولم تخفت لهجة الاتهام اليميني لليسار، والحزب الاشتراكي، بأنه "يعرّض وحدة إسبانيا للخطر". وحتى مساء الإثنين الماضي، استخدم زعيم حزب "المواطنين"، ألبرت ريفيرا، صورة لسانشيز تجمعه بالسياسي الانفصالي كيم تورّا، متهماً إياه بتقديم "وعود بالعفو عن السياسيين الانفصاليين"، الذين يواجهون القضاء، و"بمنحهم حق تقرير المصير، مقابل دعمهم له في صيف العام الماضي 2018، في مواجهة رئيس الوزراء السابق المحافظ ماريانو راخوي"، وفقاً لـ"إل باييس".
الأمر نفسه فعله زعيم حزب "الشعب" المحافظ، بابلو كاسادو، في مهاجمة اليسار، وتحديداً سانشيز، متهماً إياه بتلقّي وعود من قادة الانفصال الكتالونيين المعتقلين اليوم لدعمه، مقابل منحهم حق تقرير المصير، والاشتراكيين بانتهاج "سياسة متراخية" مع الانفصاليين في برشلونة.
وتعتبر هذه الاتهامات ذات تأثير كبير في الشارع المعارض للانفصال والمؤيد للمحافظين واليمين القومي المتشدد، خصوصاً باستخدام كاسادو، في هجومه على اليسار ويسار الوسط الإسباني، جملة شهيرة في إسبانيا تقول إن "إسبانيا لا تسير بشكل جيد" لتعاكس الجملة التي اشتهر برفعها المحافظون أثناء فترة حكمهم وهي "إسبانيا تسير بشكل جيد".
ويبدو أن هذا الغليان القومي دفع بيدرو سانشيز إلى الظهور كمتشدد، للرد على الاتهامات الموجهة في المناظرات التلفزيونية بشأن كتالونيا، بالقول إنه "لن يكون هناك استفتاء ولا استقلال (للإقليم الكتالوني)". وطالب الأحزاب الانفصالية الكتالونية بـ"العودة إلى النظام الأساسي والدستور الإسباني".
فتح التراشق السياسي والإعلامي وزيادة حالة الاستقطاب في البلد، النقاش حول ضرورة مراجعة مواد الدستور. ويعتبر المتشددون أن مواد دستور 1978 حول الحكم الذاتي للأقاليم أدت إلى الحالة المتشنجة في كتالونيا، والمطالبة بالانفصال. وكانت المحكمة الدستورية اعتبرت استفتاء خريف 2017 "مخالفاً للدستور"، وهو ما عزز مطالب مراجعة دستور المرحلة التالية لانتهاء حقبة فرانكو عام 1975.
وعلى الرغم من أن معسكر المحافظين، خصوصا ماريانو راخوي، ظل يعبّر عن رأيه بأن مطلب الانفصال قضية دستورية، وليست سياسية، ما أتاح له، قبل حجب الثقة عنه في صيف 2018، اعتقال الانفصاليين، فإن قوى سياسية، خصوصاً في اليسار ويسار الوسط، والقوى القومية في كتالونيا، تراها مسألة سياسية، ويصفون اعتقال 12 من قادة الحركة بـ"الاعتقالات السياسية". ويعارض بعض القوميين الإسبان أي مسّ بدستور 1978، وبالأخص مركزية حكم مدريد، بل إن الشعبويين، أمثال حزب "فوكس"، يرون في فترة فرانكو "فترة استقرار سياسي".
في مقابل هذا التمسك بالدستور، اعتبر الباحث في الشأن الإسباني، في جامعة آرهوس الدنماركية، هانس هانسن، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "دستور 1978 جاء في فترة لم يكن فيها الجيش بعيداً عن التأثير في الحياة السياسية، بل اعتبر نفسه حامياً للنظام ومستعداً للتدخل، في حال ذهبت الأمور نحو انقسام إسبانيا الموحدة".
بدورها، اعتبرت القوى اليمينية المتشددة والمحافظة أن ذهاب "الاشتراكي" وسانشيز شخصياً لتقديم وعود للكتالونيين بتشكيل "لجنة لمراجعة إمكانيات إصلاح الدستور" بمثابة مسّ لما يرونه "مقدسات وحدة المملكة الإسبانية". وعلى الرغم من المخاطرة التي أقدم عليها سانشيز، إلا أن ذلك لم يرضِ المتشددين القوميين في برشلونة، فدفعوا نحو انتخابات مبكرة، وهو ما وُصف سياسياً بمثابة "إطلاق نار ذاتي على القدمين"، فيما يرى آخرون أن القوميين الكتالونيين، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، يراهنون على "مواجهة في الشارع".