حظي ملف الدعم بحصة الأسد في خطابات المرشحين الخمسة لسباق الرئاسيات في الجزائر، إذ اقترحوا تغيير سياسته من الدعم العام للأسعار والخدمات إلى الموجه مباشرة لجيوب الطبقة المتوسطة والفقراء.
غير أن الغموض لا يزال يلف هذا الاقتراح، لأن المرشحين لم يقدموا خريطة واضحة لهذه الخطوة المهمة والتي تمس ملايين المواطنين.
وأجمع المرشحون الخمسة على أن طريقة الدعم الحالية غير عادلة، إذ تذهب نسبة كبيرة من المبالغ المخصصة لهذا البند لغير المستحقين.
ويقترح المرشحان، علي بن فليس وعز الدين ميهوبي، تعديل نظام الدعم، بعد إطلاق حوار وطني مع الخبراء والنقابات العمالية، للوصول إلى نموذج دعم عادل. أما عبد المجيد تبون، فيحمل برنامجه الانتخابي فتح حسابات بريدية للعائلات المعوزة تصب فيها مبالغ شهرية، وهو نفس الاقتراح الذي تقدم به عبد القادر بن قرينة. ولكن عبد العزيز بلعيد فيقترح مزاوجة بين الدعم العام والموجه في المرحلة الأولى، حتى لا يتضرر عمال الطبقة الوسطى، ثم تدريجيا يتم تحرير الأسعار مع المرور نحو الدعم الموجه.
غير أن كشف المرشحين الخمسة للخطوط العريضة لنظرتهم حيال تصحيح نظام الدعم، من دون الخوض في التفاصيل، جعل خبراء اقتصاد يتخوفون من تكرار سيناريوهات السنوات الماضية، إذ عجزت الحكومات السابقة في عهد بوتفليقة عن فتح هذا الملف، تحت ضغط الشارع.
وفي السياق، يرى الخبير في مجال الاقتصاد النقدي، عبد الرحمان عية، أن "ما قاله المرشحون حول ملف الدعم، يبقى خطابا سياسيا حماسيا جاء في سياق حملة انتخابية، استعمل فيه المتسابقون كلاما وجملا مثل "إننا نعرف معاناتكم" و"يجب تغيير هذا الدعم الذي يستفيد منه الأغنياء" من دون تقديم تفاصيل.
وأضاف: نحن نتفهم أنه لا يمكن شرح الأمور التقنية للمواطن في تجمّع شعبي، لكن حتى في البرامج المنشورة في مواقع المرشحين لا نجد التفاصيل والآليات الكفيلة بتحديد من يستحق الدعم ومن لا يستحقه، وبالتالي نحن أمام استنساخ حرفي لخطاب الحكومات السابقة في عهد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، التي تعهدت وتحدثت في العديد من المرات عن تعديل سياسة الدعم، لكن لم تخط أي خطوة إلى ذلك.
وأضاف الخبير الجزائري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تغيير ملف الدعم يحتاج لعاملين: الأول هو الإحصائيات الدقيقة، وهذا يتطلب جهدا ووقتا كبيرين. أما العامل الثاني فهو التعاطي مع هذا الملف ببعده الاقتصادي والاجتماعي وعدم إدخاله في الحسابات السياسية التي جعلت الجزائر تخسر المليارات من الدولارات سنويا".
وحسب بيانات رسمية، كلفت فاتورة الدعم الخزينة الجزائرية أكثر من 150 مليار دولار منذ 2010، وشهدت الفاتورة ارتفاعاً كبيراً من 13 مليار دولار سنة 2013، إلى 20 مليار دولار سنة 2014، ثم انخفضت إلى 16 مليار دولار في السنة الحالية، ويرتقب أن ترتفع مجدّداً إلى 17 مليار دولار سنة 2020.
وسيكون الرئيس القادم أمام امتحان صعب، وهو الإبقاء على ميزانية الدعم في مستويات مرتفعة، حتى إطلاق ورشة التنقل من الدعم العام إلى الموجه، وذلك بموازاة شح الموارد المالية للبلاد.
ويتساءل المستشار الحكومي السابق، عبد الرحمان مبتول، في حديث مع "العربي الجديد"، عن "الأموال التي سيخصصها المرشحون لتمويل عملية الانتقال من الدعم العام للموجه، فالعملية تحتاج إلى مبالغ محدّدة، وهم لم يقدموا أي دراسة في هذا المجال".
وأضاف مبتول أن "ملف الدعم يحتاج إلى تهيئة المواطن للتغيير، فالمواطن اعتاد على الأسعار المدعمة، كيف ستقنعه أن ما سيتم صبه في جيبه سيغطي كافة احتياجاته؟".