01 أكتوبر 2014
انتخابات العسس والعسكر بين الرقابة والربابة
لم يكن أكثر المتشائمين في مصر، من مؤيدي الفريق السابق، والمشير اللاحق، والرئيس عبد الفتاح السيسي، يتوقع هذه اللامبالاة الشعبية بالانتخابات الرئاسية، والتي تجسّدت في الانخفاض المتدني في نسبة التصويت "الفعلية"، في أول اختبار عملي، عبر صناديق الاقتراع لبدعة التفويض وحشود الثلاثين مليوناً في 30 يونيو/ حزيران، والتي ثبت، بالدليل الدامغ، الآن، أنها كانت حشوداً "تلفزيونية"!
لم يفاجأ المتابع للشأن المصري بدقة بالإقبال الضعيف حد الهزال، فقبل أسبوع فقط من إجرائها، ووفقاً لمركز "بصيرة"، القريب من حكومة الانقلاب، وهو شاهد من أهلها، رصد أن: 48% هي نسبة المصريين الذين لا يعرفون تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية، و18% يعرفونه خطأ، أي أن مَن لم يعلموا ولم يهتموا 66% مقابل 34% فقط علموا بها، وكان هذا مؤشر مبكر على عزوف غالبية المصريين عن الانتخابات التي شاع جماهيرياً وصفها بالمسرحية الهزلية للهاشتاج والكومبارس!
انعكس هذا التجاهل، وعدم الاكتراث الشعبي، على ضعف نسبة التصويت التي شهد بها القاصي والداني، من مراسلين صحافيين وتلفزيونيين ومراقبين محليين ودوليين، ما اضطر لجنة الانتخابات لمدها إلى يوم ثالث، أملاً في تلقّي إمدادات تصويتية أخرى، لأن نسبة التصويت كانت هي التحدي للنظام الإنقلابي، ليزعم من ارتفاعها المأمول اكتسابه شرعية شعبية، تجبُّ شرعية الرئيس المختطف، محمد مرسي، حيث تجاوزت النسبة في الجولة الثانية لانتخابات يونيو 2012 حاجز الـ50%، والتي تنافس في جولتها الأولى 12 مرشحاً، كان نصفهم من الأوزان الثقيلة، المرشحة بقوة للوصول إلى جولتها الثانية.
ولكن، ما كل ما يتمنى الانقلاب يدركه، فقد تنادى الانقلاب، في أبواقه الإعلامية والسياسية، وأهاب بالمصريين النزول إلى لجان التصويت، وقدم لهم تسهيلات غير مسبوقة، عبر مجانية وسائل المواصلات العامة. وبلغ به الفزع والارتباك من انخفاض نسبة التصويت أن أعلن في نهاية يومه الأول، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، أن اليوم الثاني إجازة رسمية مقابل أجر، وإرسال رسائل نصية عبر الهواتف المحمولة للتحذير من غرامة مالية على المتخلّفين.
وكان لافتاً التدخل الصريح للجيش، في الحثّ على التصويت، عبر تصريح قائد الجيش الثالث، اللواء أسامة عسكر، وتوجيهه، مع محافظ السويس، الشكر للمواطنين للمشاركة في الانتخابات، فضلاً عن إقحام دور العبادة في الشأن السياسي بالنداء، عبر ميكروفونات المساجد والكنائس للمصريين، أن لبّوا نداء ربكم بالتصويت!
وبدا هذا الفزع واضحاً فاضحاً على وجوه مكفهرّة، وألسنةٍ حدادٍ لإعلاميين وصحافيين داعمين للانقلاب، أهانوا الشعب لعقابه السلبي لهم، بعدم التصويت، فإبراهيم عيسى وصفه بأنه "شعب جاهل ومش متربي"، وحياة الدرديري بكت على الهواء، ومصطفى بكري وصف المقاطعين بـ"الخونة" و"داعمي الإرهاب"، وصحيفة "المصري اليوم" تصدّر صفحتها الأولى عنوان: كل هؤلاء خانوك يا سيسي، وكتبت: في قاموس الانتخابات، المقاطعة توأم الخيانة. بيد أنها، وفي تناقض صارخ، أضافت: "بلغت الصدمة مداها لكل المراقبين والمتابعين، مع عزوف الملايين عن المشاركة، إما لفقدان الثقة في قيمة أصواتهم، أو لقناعتهم بأن النتيجة محسومة مسبقاً، ولا طائل من مشقة الاصطفاف في الطوابير، وتلطيخ الإصبع بالحبر الفسفوري"، وفي اليوم التالي، صدرت الصحيفة بالعنوان الرئيسي لها: الدولة تبحث عن صوت!
وعلى الرغم من هذا الاعتراف العلني بضعف التصويت، وعلى الرغم من تسهيلات ونداءات واستغاثات كانت أقرب إلى التوسّل والتسوّل، والاستعاضة عن التصويت بجلب عشرات النساء والرجال أمام لجان ذات حضور إعلامي للبقاء طوال اليوم في حالة رقص احتفالي، للإيهام بالإقبال الجماهيري، وبدلاً من أن ترصد وسائل الاعلام العالمية أبرز مقاطع فيديو لازدحام اللجان بالتصويت، رصدت عدساتها أفضل ثمانية مقاطع للرقص أمامها!
وعلى الرغم من اعترافات تقارير المراسلين المؤيدين للانقلاب، وعناوين الصحف وبكائيات الفضائيات المشار إليها، وعلى الرغم من تقارير لجان ومنظمات المراقبة والمتابعة المحلية والدولية، والتي أجمعت على الضعف الشديد في التصويت، بما لا يتجاوز، في أحسن الحالات، 20%، إلا أن أبواق الانقلاب الإعلامية، وبعدما انفضّ مولد السيسي الانتخابي، لجأت إلى العزف على "الربابة"، وهي آلة موسيقية مصرية قديمة، ذات وتر واحد، وكانت توجيهات مايسترو الشؤون المعنوية بتجاهل عبارات المقاطعة وضعف التصويت التي رددتها منذ ساعات فقط، ولم يجف حبرها في الصحف، أو صداها في الفضائيات بعد، ليردد الكورال الإعلامي نغمة واحدة، تشيد بالإقبال الجماهيري الذي قفز بنسبة التصويت إلى أكثر من الضعف، لتتجاوز47%!
وحتى وفقاً لهذه المزاعم التي تكذبها الوقائع، فإن هذه النتيجة تعد إخفاقاً للسيسي، لأنها تقلّ، أيضاً، عن نسبة التصويت في الانتخابات التي فاز بها الرئيس محمد مرسي، والتي تجاوزت 50%، وتقل بما يقترب من النصف عمّا توقعه السيسي أن نسبة التصويت ستبلغ 80%، فإذا بالنتيجة تخذله، على الرغم من كم وتنوّع التجاوزات التي أكدتها تقارير الرقابة، وعبّر عنها انسحاب مندوبي حملة المرشح الوحيد المنافس، حمدين صباحي، من جميع اللجان على مستوى الجمهورية؛ ووفقاً لبيان أصدره، بسبب "عدم ضمان أمن وسلامة المندوبين، وما تعرضوا له من اعتداء وقبض، وإحالة بعضهم إلى النيابة العسكرية، وأن الانتخابات خالية من المضمون الديموقراطي، وتفتقر الحد الأدنى من ضمانات حرية تعبير المصريين عن رأيهم وإرادتهم، وربما عملية تعود بالدولة إلى 24 يناير 2011".
ومع تأييد "الرقابة" بيان صباحي، الذي حلّ ثالثاً في انتخابات ثنائية، بعد الأصوات الباطلة، إلا إنه رفض هذا المدد، وفضّل عزف "الربابة" مع العازفين، وأعلن قبول النتيجة.
لم يفاجأ المتابع للشأن المصري بدقة بالإقبال الضعيف حد الهزال، فقبل أسبوع فقط من إجرائها، ووفقاً لمركز "بصيرة"، القريب من حكومة الانقلاب، وهو شاهد من أهلها، رصد أن: 48% هي نسبة المصريين الذين لا يعرفون تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية، و18% يعرفونه خطأ، أي أن مَن لم يعلموا ولم يهتموا 66% مقابل 34% فقط علموا بها، وكان هذا مؤشر مبكر على عزوف غالبية المصريين عن الانتخابات التي شاع جماهيرياً وصفها بالمسرحية الهزلية للهاشتاج والكومبارس!
انعكس هذا التجاهل، وعدم الاكتراث الشعبي، على ضعف نسبة التصويت التي شهد بها القاصي والداني، من مراسلين صحافيين وتلفزيونيين ومراقبين محليين ودوليين، ما اضطر لجنة الانتخابات لمدها إلى يوم ثالث، أملاً في تلقّي إمدادات تصويتية أخرى، لأن نسبة التصويت كانت هي التحدي للنظام الإنقلابي، ليزعم من ارتفاعها المأمول اكتسابه شرعية شعبية، تجبُّ شرعية الرئيس المختطف، محمد مرسي، حيث تجاوزت النسبة في الجولة الثانية لانتخابات يونيو 2012 حاجز الـ50%، والتي تنافس في جولتها الأولى 12 مرشحاً، كان نصفهم من الأوزان الثقيلة، المرشحة بقوة للوصول إلى جولتها الثانية.
ولكن، ما كل ما يتمنى الانقلاب يدركه، فقد تنادى الانقلاب، في أبواقه الإعلامية والسياسية، وأهاب بالمصريين النزول إلى لجان التصويت، وقدم لهم تسهيلات غير مسبوقة، عبر مجانية وسائل المواصلات العامة. وبلغ به الفزع والارتباك من انخفاض نسبة التصويت أن أعلن في نهاية يومه الأول، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، أن اليوم الثاني إجازة رسمية مقابل أجر، وإرسال رسائل نصية عبر الهواتف المحمولة للتحذير من غرامة مالية على المتخلّفين.
وكان لافتاً التدخل الصريح للجيش، في الحثّ على التصويت، عبر تصريح قائد الجيش الثالث، اللواء أسامة عسكر، وتوجيهه، مع محافظ السويس، الشكر للمواطنين للمشاركة في الانتخابات، فضلاً عن إقحام دور العبادة في الشأن السياسي بالنداء، عبر ميكروفونات المساجد والكنائس للمصريين، أن لبّوا نداء ربكم بالتصويت!
وبدا هذا الفزع واضحاً فاضحاً على وجوه مكفهرّة، وألسنةٍ حدادٍ لإعلاميين وصحافيين داعمين للانقلاب، أهانوا الشعب لعقابه السلبي لهم، بعدم التصويت، فإبراهيم عيسى وصفه بأنه "شعب جاهل ومش متربي"، وحياة الدرديري بكت على الهواء، ومصطفى بكري وصف المقاطعين بـ"الخونة" و"داعمي الإرهاب"، وصحيفة "المصري اليوم" تصدّر صفحتها الأولى عنوان: كل هؤلاء خانوك يا سيسي، وكتبت: في قاموس الانتخابات، المقاطعة توأم الخيانة. بيد أنها، وفي تناقض صارخ، أضافت: "بلغت الصدمة مداها لكل المراقبين والمتابعين، مع عزوف الملايين عن المشاركة، إما لفقدان الثقة في قيمة أصواتهم، أو لقناعتهم بأن النتيجة محسومة مسبقاً، ولا طائل من مشقة الاصطفاف في الطوابير، وتلطيخ الإصبع بالحبر الفسفوري"، وفي اليوم التالي، صدرت الصحيفة بالعنوان الرئيسي لها: الدولة تبحث عن صوت!
وعلى الرغم من هذا الاعتراف العلني بضعف التصويت، وعلى الرغم من تسهيلات ونداءات واستغاثات كانت أقرب إلى التوسّل والتسوّل، والاستعاضة عن التصويت بجلب عشرات النساء والرجال أمام لجان ذات حضور إعلامي للبقاء طوال اليوم في حالة رقص احتفالي، للإيهام بالإقبال الجماهيري، وبدلاً من أن ترصد وسائل الاعلام العالمية أبرز مقاطع فيديو لازدحام اللجان بالتصويت، رصدت عدساتها أفضل ثمانية مقاطع للرقص أمامها!
وعلى الرغم من اعترافات تقارير المراسلين المؤيدين للانقلاب، وعناوين الصحف وبكائيات الفضائيات المشار إليها، وعلى الرغم من تقارير لجان ومنظمات المراقبة والمتابعة المحلية والدولية، والتي أجمعت على الضعف الشديد في التصويت، بما لا يتجاوز، في أحسن الحالات، 20%، إلا أن أبواق الانقلاب الإعلامية، وبعدما انفضّ مولد السيسي الانتخابي، لجأت إلى العزف على "الربابة"، وهي آلة موسيقية مصرية قديمة، ذات وتر واحد، وكانت توجيهات مايسترو الشؤون المعنوية بتجاهل عبارات المقاطعة وضعف التصويت التي رددتها منذ ساعات فقط، ولم يجف حبرها في الصحف، أو صداها في الفضائيات بعد، ليردد الكورال الإعلامي نغمة واحدة، تشيد بالإقبال الجماهيري الذي قفز بنسبة التصويت إلى أكثر من الضعف، لتتجاوز47%!
وحتى وفقاً لهذه المزاعم التي تكذبها الوقائع، فإن هذه النتيجة تعد إخفاقاً للسيسي، لأنها تقلّ، أيضاً، عن نسبة التصويت في الانتخابات التي فاز بها الرئيس محمد مرسي، والتي تجاوزت 50%، وتقل بما يقترب من النصف عمّا توقعه السيسي أن نسبة التصويت ستبلغ 80%، فإذا بالنتيجة تخذله، على الرغم من كم وتنوّع التجاوزات التي أكدتها تقارير الرقابة، وعبّر عنها انسحاب مندوبي حملة المرشح الوحيد المنافس، حمدين صباحي، من جميع اللجان على مستوى الجمهورية؛ ووفقاً لبيان أصدره، بسبب "عدم ضمان أمن وسلامة المندوبين، وما تعرضوا له من اعتداء وقبض، وإحالة بعضهم إلى النيابة العسكرية، وأن الانتخابات خالية من المضمون الديموقراطي، وتفتقر الحد الأدنى من ضمانات حرية تعبير المصريين عن رأيهم وإرادتهم، وربما عملية تعود بالدولة إلى 24 يناير 2011".
ومع تأييد "الرقابة" بيان صباحي، الذي حلّ ثالثاً في انتخابات ثنائية، بعد الأصوات الباطلة، إلا إنه رفض هذا المدد، وفضّل عزف "الربابة" مع العازفين، وأعلن قبول النتيجة.