انتخابات الكنيست.. تآكل مكانة نتنياهو وتضاعف قوّة اليمين
حلّ الكنيست الإسرائيلي نفسه، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري. وحدّد موعدًا لانتخابات الكنيست المقبلة في 17 مارس/آذار 2015. تعالج هذه الورقة الأسباب التي قادت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى إجراء انتخابات مبكرة للكنيست، على الرغم من أنّه لم يمض على تشكيله الحكومة أكثر من 20 شهرًا. وتقف الورقة على التغييرات التي تشهدها الخريطة الحزبية الإسرائيلية، وميزان القوى بين الأحزاب المتنافسة في الانتخابات، وتسلّط الضوء على أجندة الانتخابات، وفرص نتنياهو لتشكيل حكومة جديدة، مرةً أخرى، بعد ظهور نتائج انتخابات الكنيست المقبلة.
دوافع دعوة نتنياهو للانتخابات
يعتمد نظام الانتخابات في إسرائيل على طريقة التمثيل النسبي الخالص؛ بحيث تشكّل الدولة كلّها دائرة انتخابية واحدة، ويحصل أيّ حزب تمكَّن من اجتياز نسبة الحسم، على تمثيل في الكنيست، بحسب نسبة الأصوات التي نالَها من مجموع أصوات المقترعين. وكانت نسبة الحسم في انتخابات الكنيست لعقود طويلة منخفضة، مقارنةً بغالبية برلمانات العالم؛ إذ ظلّت، حتى عشية انتخابات الكنيست لسنة 1992 تمثّل 1% من مجموع أصوات المقترعين، ورفعها الكنيست إلى 1.5% عشية تلك الانتخابات. ثمّ رفعها، قبيل انتخابات 2006، إلى 2%، ورفعها، مرةً أخرى، في عام 2013 لتصبح 3.25%.
وإضافةً إلى عوامل أخرى، ترتبط بخلفية تأسيس المشروع الصهيوني في فلسطين، قاد النظام الانتخابي إلى كثرة الأحزاب في إسرائيل، وإلى عدم حصول أيّ حزب فيها، منذ تأسيسها وحتى اليوم، على أغلبية برلمانية مطلقة. لذلك، كانت جميع الحكومات، منذ نشوء هذه الدولة، ائتلافية تتكوّن من عدة أحزاب.
قاد نتنياهو ائتلافًا حكوميًّا صعبًا مكوَّنًا من خمسة أحزاب، تتنافس فيما بينها، ولكلٍّ منها أجندة مختلفة. وشهدت العلاقات بين رئيس الحكومة، نتنياهو، ورؤساء الأحزاب التي يتشكّل منها الائتلاف الحكومي توترًا شديدًا في نصف السنة الأخير. وفي السابع من يوليو/تموز 2014، أعلن أفيغدور ليبرمان، عشية الحرب الإسرائيلية على غزة، عن تفكيك تحالف حزبه "إسرائيل بيتنا" مع حزب "الليكود"، والذي كان قد أُبرم عشية انتخابات الكنيست لعام 2013. وفي أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة، توتّرت علاقات نتنياهو كثيرًا مع كلٍّ من ليبرمان ونفتالي بنيت رئيس حزب "البيت اليهودي"؛ بسبب نقدهما العلني اللاذع لنتنياهو في أثناء الحرب. وبعد انتهاء الحرب على غزة، توتّرت العلاقات كثيرًا بين نتنياهو وكلٍّ من وزير المالية ورئيس حزب "يوجد مستقبل"، يائير لبيد، ووزيرة القضاء ورئيسة حزب "الحركة"، تسيبي ليفني؛ على خلفية قضايا متعلقة بإقرار موازنة الدولة في الكنيست، وزيادة ميزانية الجيش، وبمقترح وزير المالية لبيد إلغاء ضريبة القيمة المضافة على شراء الشقق السكنية، وتذبذب موقف نتنياهو من هذا المقترح، والخلاف بشأن مقترحات عدّة قوانين مقدمة للكنيست، لا سيّما "قانون القومية"، وكذلك نقد يائير لبيد وتسيبي ليفني نتنياهو، بسبب توتّر علاقات إسرائيل مع الإدارة الأميركية، وبسبب الجمود في العملية السياسية مع الفلسطينيين.
احتدّت التناقضات في المواقف بشأن القرارات في القضايا الخلافية في الأسابيع الأخيرة. ووصل التوتّر في العلاقات بين نتنياهو من ناحية، ولبيد وليفني من ناحية أخرى، درجة لم يعد نتنياهو قادرًا على احتوائها، لا سيّما في ضوء مواجهته معارضة يمينية متطرفة في داخل حزبه تتحدّاه علَنيًّا. ويبدو أنّه أدرك أنّه لم يعد قادرًا على الحفاظ على ائتلافه الحكومي؛ فعقد اجتماعًا مع يائير لبيد في الفاتح من ديسمبر/كانون الأول الجاري، بعد شهرٍ من المقاطعة والتوتر وتراشق الهجمات العلنية بينهما، أنذره فيه بأنّ عليه التخلّي عن مواقفه في قضايا الخلاف الأساسية بينهما، إذ كان يرغب في بقاء الائتلاف الحكومي، وعدم إجراء انتخابات مبكرة. وفي اليوم التالي، وفي ضوء رفض لبيد الانصياع لهذا الإنذار، واستمراره هو وتسيبي ليفني في توجيه النقد اللاذع لسياسات نتنياهو، أقالهما نتنياهو من الحكومة، ما قاد إلى خروج حزبيهما من الائتلاف الحكومي. وعلى إثر ذلك، حلّ الكنيست نفسه في الثامن من الشهر الجاري، وحدّد موعدًا لانتخابات الكنيست المقبلة في 17 مارس/آذار 2015.
حكومة متطرفة وفاشلة
في أوّل مؤتمر صحافي له، بعد الإعلان عن حلّ الائتلاف الحكومي، والتوجّه إلى انتخابات جديدة، اعترف رئيس الحكومة، نتنياهو، بأنّ حكومته فشلت في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ولا سيّما في تخفيض غلاء المعيشة. وفي محاولةٍ منه للتنصّل من مسؤوليته، اتّهم نتنياهو وزير المالية يائير لبيد بأنّه المسؤول عن هذا الوضع، وتجاهل أنّ لبيد تبنّى السياسة الاقتصادية نفسها ونفّذها، وهي السياسة التي ما انفكّ نتنياهو ينادي بها، والتي تعتمد أساسًا على الاقتصاد الحرّ وعدم تدخّل الدولة في الاقتصاد إلّا في الحدّ الأدنى.
وإلى جانب فشل سياسة حكومة نتنياهو في المجالَين الاقتصادي والاجتماعي اللذَين يرجّح أن يحتلّا مكانة مهمّة في أجندة الانتخابات المقبلة، سجّلت حكومة نتنياهو فشلًا في مختلف المجالات الأخرى وفقًا لما ذهب إليه الكثير من المحللين الإسرائيليين؛ فقد تبنّى نتنياهو سياسة عدوانية ضدّ الشعب الفلسطيني، وأوقف العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية، ولم يلتزم بتنفيذ الاتفاقات معها، وسارع في تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، والقدس الشرقية المحتلة، بوتيرةٍ مرتفعة وغير مسبوقة، وقام بمحاولات جدّية لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، وبادر اليمين الفاشي في داخل حزبَي الليكود والبيت اليهودي بتقديم مشاريع قوانين في الكنيست تهدف إلى فرض السيادة اليهودية على المسجد الأقصى وتقاسمه زمانيًّا ومكانيًّا تمهيدًا لتهويده. علاوةً على ذلك، شنّت حكومة نتنياهو حربًا عدوانية على قطاع غزة لم تحرز إنجازًا ملموسًا فيها، على الرغم من المجازر وجرائم الحرب التي ارتكبتها بحقّ المدنيين الفلسطينيين، ما أساء إلى علاقاتها مع الدول في العالم، لا سيّما مع أوروبا وأميركا، وألحق أذًى بمكانتها واسمها عالمياً.
تحديات انتخابية تواجه نتنياهو
يواجه نتنياهو جملةً من المشكلات والتحديات التي قد تهدّد فرص نجاحه في تشكيل الحكومة المقبلة، وذلك على الرغم من استمرار عملية توجّه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين واليمين المتطرّف منذ أكثر من عقدين.
ومن أبرز هذه المشاكل التي تواجهه في الشهور المقبلة أثناء الحملة الانتخابية، استمرار توتّر العلاقات بينه وبين الإدارة الأميركية، واستمرار الجمود السياسي في العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية من ناحية وازدياد الحركة في أوروبا سواء على صعيد البرلمانات أو الحكومات من ناحية أخرى، للاعتراف بدولة فلسطين، ما ينبئ بازدياد التوتر في علاقات أوروبا مع إسرائيل وازدياد فرص فرض عقوبات أوروبية جدّية على الاستيطان الإسرائيلي في المناطق المحتلة. ومن المتوقّع أيضًا أن تبرز تفاعلات التوجّه الفلسطيني والعربي إلى مجلس الأمن ونتائجه، لاستصدار قرار يحدّد إزالة الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية خلال عامين، قد تزيد من الضغط الدولي على إسرائيل وعزلتها. ويرجّح أيضًا أن يؤثّر تراجع الاقتصاد الإسرائيلي واستمرار ارتفاع غلاء المعيشة في حظوظ نتنياهو في تشكيل حكومة جديدة.
وإلى جانب ذلك، يواجه نتنياهو معارضة متزايدة من داخل حزب الليكود الذي تغيّرت تركيبته كثيرًا جرّاء ازدياد أعداد غلاة المتطرفين اليمينيين العلمانيين والمتدينين الفاشيين وغلاة المتطرفين المستوطنين في صفوفه. وقد بات غلاة المتطرفين والفاشيين يتمتعون بالنفوذ الأوسع في داخل الليكود، وذلك بسبب تنظيمهم وكثرة عددهم أيضًا. وأدّى هذا الوضع إلى فقدان الليكود سمته اليمينية "الليبرالية" وخروج قادة هذا التيار من قيادته. أضف إلى ذلك استقالة وزيرَين مهمَّين من حزب الليكود، كانا يتمتعان بشعبية عالية داخله، بسبب خلافهما مع نتنياهو على خلفية محاولته تحجيمهما ووضع العراقيل أمامهما لئلّا يشكّل أيّ منهما خطرًا على استمرار قيادته الليكود؛ فقد استقال قبل عامين الوزير موشيه كحلون من الليكود بسبب خلافاته مع نتنياهو، وهو يعمل على تشكيل حزب ليشارك في انتخابات الكنيست المقبلة. وقبل أسابيع، استقال الوزير جدعون ساعر وأعلن عن اعتزاله الحياة السياسية موقّتًا، بسبب خلافاته مع نتنياهو. وأعلنت أيضًا الوزيرة القيادية في حزب الليكود قرارها عدم مشاركتها في انتخابات الكنيست، واعتزالها الحياة السياسية، وذلك في ضوء انعدام فرصها في الفوز بمقعد مضمون في قائمة الليكود.
موازين القوى والتحالفات
ازداد توجّه المجتمع الإسرائيلي في العقود الماضية نحو معسكر أحزاب اليمين واليمين المتطرف، والذي يطلق عليه "المعسكر القومي". وتُظهر جميع استطلاعات الرأي العام التي أُجريت في الأسابيع الأخيرة استمرار عملية توجّه المجتمع الإسرائيلي نحو أحزاب اليمين واليمين المتطرف التي تفوّقت بصورة واضحة على معسكر اليسار - الوسط. ويضمّ معسكر اليمين واليمين المتطرف حزب الليكود، وتتوقّع استطلاعات الرأي العام أن تتضاعف قوّته الحالية في الكنيست من 18 مقعدًا إلى21- 23 مقعدًا؛ وحزب "البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بنيت القومي الديني الفاشي، وتتوقّع استطلاعات الرأي العام أن تتضاعف قوّته من 12 مقعدًا في الكنيست الحالي إلى 16-18 مقعدًا؛ وحزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة ليبرمان العلماني الفاشي، وتتوقّع استطلاعات الرأي أن يحافظ على قوّته ويحصل على 10 -13 مقعدًا.
وتتوقّع استطلاعات الرأي العام أن يتراجع عدد المقاعد التي سيحصل عليها الحزبان الدينيان التقليديان، "شاس" و"يهدوت هاتوراه" من 18 مقعدًا إلى 15 مقعدًا. ويُحسب هذان الحزبان بصورة عامّة على معسكر الأحزاب اليمينية. وهما يفضّلان عادةً الانخراط في حكومة يقودها الليكود من دون استثناء إمكانية المشاركة في حكومة يقودها حزب العمل. ويشهد حزب شاس صراعًا حادًّا بين رئيسه أريه درعي ورئيس الحزب السابق إيلي يشاي، وبات من شبه المؤكّد أن ينفصل إيلي يشاي عن حزبه، ما سيقود على الأغلب إلى تراجع عدد المقاعد التي سيحصل عليها في الانتخابات المقبلة. وتتوقّع استطلاعات الرأي العام أن يزيد عدد مقاعد "حزب ميرتس" في الكنيست بمقعدٍ واحد، لتصبح 6 مقاعد. أمّا حزب "يوجد مستقبل" بقيادة يائير لبيد، فتتوقّع استطلاعات الرأي العام أن ينخفض عدد المقاعد التي سيحصل عليها من 19 مقعدًا إلى 9-12 مقعدًا. وأمّا التحالف الذي أُبرم في الأيام الأخيرة بين حزب العمل (له في الكنيست الحالي 15 مقعدًا) وحزب "الحركة" الذي تقوده تسيبي ليفني (له 4 مقاعد في الكنيست الحالي)، فتتوقّع استطلاعات الرأي العام حصوله على 22-23 مقعدًا.
وتتوقّع استطلاعات الرأي العام أن يحصل حزب "كلنا" الذي أسّسه الوزير السابق موشيه كحلون ويقوده، على 9-12 مقعدًا؛ وذلك على الرغم من أنّ كحلون لم يصغْ بعد برنامجه الانتخابي ولم يشكّل قائمته الانتخابية. وكان كحلون قد اكتسب شعبية واسعة في داخل حزب الليكود وخارجه إثْر إنجازاته عندما كان وزيرًا للرفاه الاجتماعي والاتصالات، لا سيّما جرّاء الإصلاحات التي قام بها، والتي قادت إلى تخفيض تسعيرة الاتصالات الهاتفية بصورة كبيرة جدًّا. وقد وضع موشيه كحلون نفسه في مركز الخريطة الحزبية الإسرائيلية على الرغم من ماضيه في الليكود. كما تتمحور أجندته الانتخابية على المواضيع الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدّمتها تخفيض غلاء المعيشة المرتفع جدًّا في إسرائيل، وتخفيض ثمن الشقق السكنية. ومن المتوقّع أن ينضمّ إلى حزب كحلون الذي يمثّل "الحصان الأسود" في انتخابات الكنيست المقبلة، نخبةٌ من الخبراء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية.
وفي ضوء رفع نسبة الحسم إلى 3.25%، شرعت الأحزاب العربية في إجراء مشاورات فيما بينها لتشكيل قائمة انتخابية مشتركة تشمل "حزب التجمع الوطني الديمقراطي" (له 3 مقاعد في الكنيست الحالي) و"القائمة العربية الموحدة" المشكّلة من "الحركة الإسلامية الجنوبية" و"الحركة العربية للتغيير" و"الحزب الديمقراطي العربي" (ولها سويّة 4 مقاعد في الكنيست الحالي) و"الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" (حداش) التي شكّلها الحزب الشيوعي الإسرائيلي عشية انتخابات الكنيست لعام 1977 (ولها 4 مقاعد في الكنيست الحالي). وقد أعلن كلّ من حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" و"القائمة العربية الموحدة" عن موافقتهما على تشكيل قائمة انتخابية مشتركة واحدة للأحزاب العربية لخوض انتخابات الكنيست المقبلة. في حين أرجأت "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" قرارها بهذا الشأن إلى ما بعد عقد المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي الإسرائيلي، والذي من المقرّر عقْده في الأسبوع المقبل، وسيجري فيه حسم موقفه النظري أوّلًا بخصوص قبوله المشاركة في قائمة عربية مشتركة أو رفضها، لتخوض الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة الانتخابات بمفردها أو ضمن تحالفٍ آخر.
عوامل مؤثّرة في نتائج الانتخابات
من السابق لأوانه توقّع نتائج انتخابات الكنيست المقبلة، لا سيّما أنّ الأحزاب السياسية لم تشكّل قوائمها الانتخابية بعد، ولم تفرغ من تشكيل تحالفاتها، ولم تباشر تنظيم حملاتها الانتخابية. وتتفاعل عوامل كثيرة تؤثّر بصورة عامّة في سلوك الناخب في إسرائيل في انتخابات الكنيست، وفي مقدّمتها العوامل الأيديولوجية والإثنية والطبقية والدينية، وتشكيلة القائمة الانتخابية ومن يترأسها وأجندتها وبرنامجها الانتخابي، وإنجازاتها في الائتلاف الحكومي أو إخفاقاتها. ويعتمد نجاح الأحزاب أيضًا على مدى قدرتها في جلب جمهورها ومؤيّديها وقطاعها إلى صناديق الاقتراع؛ فهناك قطاعات في داخل إسرائيل تتميّز بمشاركتها المرتفعة جدًّا في الانتخابات، مثل قطاع الحرديم والمتدينين اليهود الذي تصل نسبة التصويت فيه إلى أكثر من 95 في المائة، وقطاع المستوطنين الذي تفوق نسبة التصويت فيه 85 في المائة، في حين تصل نسبة التصويت في قطاع الاشكناز في المدن إلى أقلّ من 70 في المائة. أمّا نسبة التصويت في صفوف الفلسطينيين، فتُعدّ متدنّية؛ إذ تصل إلى 55 في المائة فقط.
إلى جانب ذلك، تؤثّر الأجندة العامة للانتخابات في سلوك الناخب الإسرائيلي. ومن المتوقّع أن تحتلّ القضايا الاقتصادية والاجتماعية مكانةً مهمة في الانتخابات المقبلة في ضوء استمرار ارتفاع غلاء المعيشة الفاحش، لا سيّما في المواد الأساسية والشقق السكنية. ومن المتوقّع أيضًا أن تفرض القضية الفلسطينية نفسها على الناخب الإسرائيلي بسبب الغليان في المناطق الفلسطينية المحتلة، والذي يدلّ بوضوح على عدم إمكانية استمرار الوضع الراهن الذي يُتوقّع فيه الانفجار في أيّ لحظة، وبسبب تفاعلات القضية الفلسطينية على المستوى الدولي وانعكاس الخطوات الفلسطينية المقبلة على مواقف كلٍّ من أوروبا وأميركا والمجتمع الدولي، وتأثير ذلك كلّه في علاقاتها مع إسرائيل.
خاتمة
يدرك نتنياهو أنّ إمكانية تشكيله الحكومة المقبلة لا تعتمد فقط على فوز معسكر الأحزاب اليمينية في الانتخابات المقبلة؛ فهذا أمر بات شبه مفروغ منه، ومن المتوقّع أن يصل مجموع المقاعد التي ستحصل عليها أحزاب الليكود والبيت اليهودي وإسرائيل بيتنا وشاس ويهدوت هاتوراه وحزب موشيه كحلون، إلى أكثر من 70 مقعدًا في الكنيست. لكن المشكلة التي يواجهها نتنياهو تتمثّل بإمكانية أن يرفض كلٌّ من ليبرمان وموشيه كحلون اللذَين ينسّقان مواقفهما، الدخول في ائتلاف حكومي معه. وتتوقّع استطلاعات الرأي العام حصولهما سويّةً على 20 - 22 مقعدًا في الكنيست. ويشكّل هذان الحزبان بذلك "بيضة القبان" في أيّ مفاوضات لتشكيل أيّ ائتلاف حكومي.
لقد اتّفق نتنياهو مع رئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بنيت على أن يدعمه الحزب (البيت اليهودي) في تشكيل الحكومة المقبلة. واتفق نتنياهو أيضًا مع قادة حزبَي "شاس" و"يهدوت هاتوراه" على أن يدعماه من حيث المبدأ في تشكيل الحكومة المقبلة. بيد أنّ مجموع المقاعد التي قد تحصل عليها أحزاب الليكود والبيت اليهودي وشاس ويهدوت هاتوراه، لن تتعدّى 50 -52 مقعدًا. ومن المتوقّع أن يؤثّر في موقف ليبرمان وكحلون جملةٌ من العوامل؛ أهمّها حجم تمثيل حزبيهما في البرلمان في مقابل تمثيل حزب الليكود وتحالف حزب العمل مع حزب تسيبي ليفني والمكاسب التي سيحصلان عليها، بما في ذلك التناوب على رئاسة الحكومة.
على أيّ حال، من المستبعد أن تتقدّم أيّ حكومة إسرائيلية مقبلة بالعملية السياسية مع الفلسطينيين؛ وذلك بسبب قوّة الأحزاب اليمينية وسطوتها في تشكيلة أيّ حكومة؛ فقبول فكرة إنهاء الاحتلال والاستيطان وإقامة دولة فلسطينية في المناطق المحتلة، يتطلّب أن توجد أسباب لذلك، منها أن يدفع المجتمع الإسرائيلي ثمن الاحتلال، سواء أكان ذلك بالنضال أم على شكل فرض عقوبات دولية جدّية على إسرائيل، وغيرها. وهذه غير متاحة في ديناميكية الانتخابات الحالية بحدّ ذاتها.