لهذا يبدو هذا الاستحقاق أقرب إلى الاستفتاء على الرئيس منه إلى اختيار أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، إذ بنتيجته تتحدد وضعية رئاسة ترامب في المتبقي منها وحظوظه في معركة تجديد رئاسته في 2020، أي أن نهجه على المحك: إمّا أن يقوى على الاستمرار مع كل ما يثيره من الجدل وإما أن يجري كبحه.
في العادة، تجري هذه المنافسة الانتخابية بين حزب الرئيس والحزب الآخر. وهذه المرة تجري بين ترامب والحزب الديمقراطي.الرئيس يدير ويقود معركة الحزب الجمهوري، دخل على خط الحملة الانتخابية وكأنه مرشح فيها، الاحتفاظ بالكونغرس إلى جانبه يهمه أكثر مما يهم الجمهوريين، من جهة لحمايته من التحقيقات الروسية ومن جهة أخرى لخدمة خطه وتوجهاته التي أثارت الكثير من الإرباك والإشكالات. أولويات تصبح مهددة إذا انتقلت الأغلبية إلى الحزب الديمقراطي.
من هنا، نزل ترامب إلى المعركة بكل ثقل موقعه، وقد نجح إلى حد بعيد في استنفار قاعدته وتأمين التفافها حول المرشحين الجمهوريين المهتز وضعهم الانتخابي، ساعده في ذلك كسب معركة تعيين القاضي المحافظ بريت كافانو في المحكمة العليا.
لكن زخم حملة ترامب تراجع بعد موجة الطرود الملغومة ومجزرة بيتسبرغ. وتبقى حالة الازدهار الاقتصادي الباهر أقوى أوراقه ولو أن تراكماتها سابقة لولايته. مع ذلك رصيده مضطرب، ففي حين أن 68 إلى 72 في المائة من الأميركيين راضون عن الأوضاع، إلا أن رأسماله الانتخابي لا يتجاوز 45 من الشعبية. خطابه الفئوي والقومي الضيق أثار مخاوف قطاعات واسعة، خاصة من المستقلين. مناخ أفاد خصومه الديمقراطيون وبما عزز وضعهم لاستعادة الأكثرية على الأقل في مجلس النواب، حسب مختلف التقديرات والاستطلاعات.
تاريخياً، معظم انتخابات الكونغرس التي تجري في منتصف ولاية الرئيس تأتي بنتائج ضد حزبه. حصل العكس مرتين فقط، منذ الحرب العالمية الثانية. وليس من المتوقع أن تكون هذه الانتخابات المرة الثالثة، تؤشر إلى ذلك النسبة العالية للتصويت المبكر الذي حصل حتى الآن والذي يقوم به الديمقراطيون عادة وبما ينبئ بإقبال كبير على الاقتراع في صفوفهم لترجيح كفة مرشحيهم.
الفارق في هذه الانتخابات التي استخدمت فيها كل الأسلحة الكاسرة ومنها سلاح التخويف من الآخر؛ أنها تجري في جوّ من العنف السياسي، أو "الإرهاب السياسي" كما يسميه بعضهم، سواء في الخطاب أو في الممارسة على الأرض، 56 بالمائة من الأميركيين يحملون مسؤولية هذا المناخ للرئيس ترامب، ومع أن خصومه غير مقصرين أحياناً، إلا أن النزوع لاستعدائهم والإشارة إليهم بلغة التحريض المبطن، خلق جواً يشجع على الاستباحة. الأمر الذي أثار مخاوف كثيرة من الانزلاق إلى حالة من الانفلات المتزايد، فليس عادياً أن يسود الحديث هذه الأيام عن "الخوف على الديمقراطية في أميركا"، أو عن خطر الجنوح إلى "الفاشية"، كما تحذر وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت في كتابها الجديد، أو من الوقوع في "أزمة دستورية"، إذا ما استفحل الشطط.
هذه تحديات باقية إلى ما بعد الاستحقاق الانتخابي، وقد تزداد تعقيداً، خاصة أن الوضع السياسي قادم على تغييرات قريبة، ليس فقط في الكونغرس، بل في الإدارة. وزير العدل جيف سيشنز في طريقه إلى المغادرة، وكذلك وزير الدفاع جيمس ماتيس وفق ما يتردد وبصوت عالٍ. وتقرير المحقق روبرت مولر صار على همّة الصدور حسب سائر التكهنات، مع ما قد يواكبه من تداعيات وتصدعات.
المفارقة أن أميركا التي تنعم هذه الأيام بفورة اقتصادية غامرة، تعاني في الوقت ذاته من كساد سياسي فاضح، معادلة غير اعتيادية في ظل رئاسة غير اعتيادية.