وليس حزب شريف وحده القلق بشأن نتائج الانتخابات، بل إن حزب "الشعب" الباكستاني أيضاً أعرب عن قلقه الشديد. وقال القيادي في الحزب، رضا رباني، إنه "في هذه الأجواء من الشد والجذب، والمليئة بالأحكام القضائية في حق السياسيين لأجل تهميشهم، لن نتوقع انتخابات نزيهة". وبذلك يصبح حزبان من ثلاثة أحزاب رئيسية في البلاد، متوجسين من عمليات تزوير في الانتخابات.
أبرز الأحزاب المشاركة
يبلغ عدد مقاعد الجمعية الوطنية أو البرلمان المركزي في باكستان 342 مقعداً، منها 60 مخصصة للنساء، وعشرة مقاعد للأقليات. بينما يصل عدد الناخبين، وفق القائمة التي أعلنت عنها لجنة الانتخابات، إلى 105.95 ملايين ناخب. أما الجماعات السياسية المسجلة لدى الحكومة فيصل عددها إلى 20، غير أن لجنة الانتخابات سمحت لـ107 جماعات وأحزاب سياسية بالمشاركة في الانتخابات الحالية. معظم تلك الأحزاب لا وزن لها في الساحة السياسية ولا يعرفها عامة الباكستانيين، وبعضها دائماً ما تشكّل دور المكمّل للأحزاب الرئيسية في تشكيل الحكومة المركزية والإقليمية، كما هو شأن الأحزاب الدينية والقومية، إذ إنها تكون مجرد داعمة للأحزاب الرئيسية.
أما الأحزاب الرئيسية فهي ثلاثة: حزب "الرابطة الإسلامية" الذي يقوده حالياً شهباز شريف بعد أن أصدرت المحكمة قراراً بعدم أهلية نواز شريف لممارسة العمل السياسي ومن ثم تنحيه من منصب رئاسة الحزب، ولهذا الحزب نفوذ كبير في إقليم البنجاب، أكبر الأقاليم الباكستانية، وفي إقليمي خيبربختونخوا وبلوشستان. ثاني الأحزاب الكبيرة هي "الشعب" الباكستاني، الذي يقوده بيلاوال بوتو، نجل رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو. هذا الحزب له نفوذ قوي في إقليم السند وفي إقليم خيبربختونخوا ولكنه يعاني الآن من انشقاق قياديين منه، ما أدى لتراجع نفوذه. ويتهم الحزب الاستخبارات بالوقوف وراء الأزمة التي يواجهها، كما قال القيادي فيه رضا رباني.
أما ثالث الأحزاب الكبيرة، فهو "حركة الإنصاف" بقيادة عمران خان، ويُعرف في البلاد بحزب الاعتصامات، كونه نظّم معظم الاعتصامات ضد حكومة نواز شريف، وكان "الرابطة الإسلامية" يتهمه بأنه يقوم بذلك بإشارة من الجيش والاستخبارات العسكرية. عمران خان هو نجم لعبة كريكت سابقاً، ومعظم أنصاره من طبقة الشباب ومن النساء. له نفوذ كبير في معظم الأقاليم الباكستانية وفي العاصمة إسلام آباد. لم يصل حزب خان ولا مرة إلى سدة الحكم ولا إلى إدارة المعارضة في البرلمان. لكنه هذه المرة يتوقع أن ينجح في تشكيل الحكومة، وهو ما أشار إليه المتحدث باسمه فؤاد شودري، أكثر من مرة خلال مؤتمرات صحافية، قائلاً "إننا سنشكل الحكومة في المستقبل، وعمران خان سيكون مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء".
كذلك تبرز بعض الأحزاب الدينية على الساحة، أهمها "الجماعة الإسلامية"، ولها جمهورها الخاص، وهي رائدة الفكر الإخواني في البلاد، ودائماً ما تحصل على مقاعد في البرلمان، لكنها تشارك أحياناً في الحكومة، فيما تختار المعارضة في أحيان أخرى. كانت جزءاً مهماً من حكومة إقليم خيبربختونخوا لمرات عديدة، ولها نفوذ كبير هناك. أما الجماعة الدينية الثانية فهي جمعية "علماء الإسلام"، ومعظم أتباعها من أصحاب الفكر الديوبندي في الهند. أما أبرز التحالفات القائمة، فهو تحالف الأحزاب الدينية المسمى بـ"مجلس العمل الموحد"، وهو يجمع "الجماعة الإسلامية" و"جمعية علماء الإسلام" وستة أحزاب دينية صغيرة. ويتوقع أن يحصل التحالف على بعض المقاعد في شمال غرب باكستان، حيث تقطن القبائل البشتونية.
منافسة شرسة
على الرغم مما حدث لنواز شريف وحزبه من الأحكام القضائية والانشقاقات وحرمان قياديين فيه من المشاركة في الانتخابات، إلا أن استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت إلى أنه ما زال أقوى حزب في الساحة السياسية الباكستانية، ومن المتوقع أن يحصد نتيجة مهمة في الانتخابات. وعلى الرغم من أنه قد لا يتمكّن من تشكيل الحكومة، ولكنه سيكون الحزب الأقوى، فيما يليه حزب عمران خان "الإنصاف"، بحسب الاستطلاعات.
وستكون المنافسة الأقوى بين هذين الحزبين في إقليم البنجاب، المخصص له 141 مقعداً في الجمعية الاتحادية، ويتحدر منه نواز شريف وقدّم له الكثير خلال فترة حكمه. ولكن "حركة الإنصاف" بقيادة عمران خان يتمتع بنفوذ كبير وسط الشباب، وإذا استطاع أي من الحزبين دفع الشباب للتوجّه إلى مراكز الاقتراع والتصويت له فسيكون له نصيب كبير من مقاعد هذا الإقليم، وهو ما سيفصل بينهما. غير أن بقاء شريف في السجن وانشقاق قياديين من حزبه، من المتوقع أن يؤثرا على النتائج. أما حزب "الشعب" فمن المتوقع أن يحل ثالثاً، ويحصل على أغلبية مقاعد الجمعية الاتحادية في إقليم السند.
مأزق "حركة الحماية" وحضور المرأة
شكّلت حركة حماية البشتون قلقاً كبيراً للسلطات الباكستانية قبل نحو شهر، بعدما استطاعت أن تحرك الشباب في شمال غرب باكستان ضد الجيش بسبب قضية المفقودين ووجود الجيش في المناطق القبلية، في شمال غرب البلاد. وكان لبعض القياديين فيها دور كبير في تحريك الشباب وتنظيم التظاهرات والاحتجاجات. ولكن الجيش والاستخبارات تعاملا مع القضية بروية، واستطاعا إقناع قياديين بارزين في الحركة بالترشح للانتخابات، كعلي وزير، الذي كان يصف الجيش الباكستاني بالجيش المغولي، والقيادي محسن داور، الذي كان يدعو إلى الاستقلال، وأربعة من قياديي الصف الأول في الحركة. وبسبب الترشح للانتخابات، لا يحق لهؤلاء المساهمة في أنشطة حركة حماية البشتون. ذلك الأمر شكّل صفعة قوية للحركة، وسيكون له تأثير كبير على الأحزاب القومية الأخرى، لا سيما البشتونية.
من ناحية أخرى، فإن المرأة البشتونية تسطر تاريخاً جديداً في هذه الانتخابات. فلأول مرة في تاريخ باكستان، يترشح هذا العدد من النساء من مناطق الشمال الغربي إلى الانتخابات العامة، إذ يصل عدد المرشحات هناك إلى 79 امرأة للبرلمان المركزي والبرلمانات الإقليمية، على الرغم من العادات والتقاليد في البلاد والأجواء الأمنية السائدة. وسبب ذلك هي التطورات الأخيرة، ومنها الاحتجاجات والتظاهرات التي نظمتها حركة حماية البشتون وخروج عدد كبير من النساء فيها، وهذا الأمر أعطى جرأة كبيرة للمرأة البشتونية كي تشارك في الحياة السياسية.