21 يوليو 2024
انتخابات حافّة العاصفة في تونس
زادت وتيرة الجدل، وتعدّدت ردود الفعل في الساحة السياسية التونسية (بعد موافقة 128 نائبا واحتفاظ 14 آخرين بأصواتهم ورفض 30 نائبا) لدى المصادقة على قانون تنقيح الانتخابات في مجلس نواب الشعب يوم 18 يونيو/ حزيران الحالي، وذلك بإقرار عتبة 3% في الانتخابات التشريعية (أكتوبر/ تشرين الأول 2019) وإلغاء إقصاء التجمعيين (المنتسبين لحزب بن علي، التجمع الدستوري الديمقراطي) من عضوية مكاتب الاقتراع ورفض ترشحات من يتبين استفادته من أعمال ممنوعة على الأحزاب السياسية والإشهار السياسي خلال السنة التي سبقت الانتخابات التشريعية والرئاسية، مع اشتراط بطاقة عدلية خالية من السوابق، وما يفيد التصريح بالمكاسب، والقيام بالواجب الجبائي للسنة السابقة للترشح. وتضمنت هذه التنقيحات (التعديلات) فصلا يتعلق برفض ترشحات من يتثبت قيامه بخطاب لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور، ويدعو إلى العنف والتمييز والتباغض بين المواطنين، أو يمجد ممارسات انتهاك حقوق الإنسان.
وكما كان متوقعا، أشعلت هذه التعديلات "حرائق عديدة" في الفضاء العمومي التونسي ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلى مستوى الجمعيات والدوائر المهتمة بالشأن التونسي، ما عمّق الصراع وفتحه على احتمالات عديدة، قد تصل إلى تأجيل الانتخابات. وكانت هذه التعديلات مقترحة منذ حوالي ثمانية أشهر، واتهمت الحكومة بتمريرها رد فعل منها على بروز شخصيات واتجاهات جديدة من خلال نتائج استطلاع الرأي وسبر الآراء أخيرا، على غرار صاحب قناة نسمة التلفزيونية، نبيل القروي، والأستاذ الجامعي، قيس سعيد، وصاحبة جمعية "عيش تونسي"، ألفة تراس، ورئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى.
والمعلوم أن هذه التعديلات الزوبعة، تصبح، في حال صادق عليها رئيس الجمهورية كما
يقتضي الأمر ذلك، نافذة وملزمة، ما من شأنه إدخال المسار الانتخابي منعرجا خطيرا لم تشهده البلاد خلال انتخابات 2011 و2014 و2018، فقد اعتبرت هذه التنقيحات إقصاء متعمّدا لهذه الأطراف لفائدة أحزاب الحكم والمعارضة على حد السواء، كالنهضة ونداء تونس والمشروع وتحيا تونس والبديل التونسي والتيار الديمقراطي والمبادرة وغيرها، وصولا إلى أحزاب الجبهة الشعبية ذات الهويات اليسارية والقومية. كما اعتبرت (التعديلات) "تهديدا للديمقراطية الناشئة، وتمييزا بين المواطنين، ورغبة ملحة في الانفراد بالحكم والاستمرار فيه".
وقد وصف زعيم الجبهة الشعبية، حمّة الهمامي، والجبهة أكبر ائتلاف لليسار في تونس، في مؤتمر صحافي، هذه التعديلات بـ "المهزلة والفضيحة الجديدة"، معبرا عن "عدم إمكانية تغيير قواعد اللعبة الانتخابية قبل أربعة أشهر من الموعد المقرّر لها". ويجمع على هذا الرأي طيف واسع من المنتقدين للقانون الجديد، في مقدمتهم الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي الذي اعتبر أن "تونس دخلت منعرجا خطيرا بسبب حسابات التموقع"، ما جعل النواب المعترضين يشرعون في إجراءات الطعن، ليقدّموه في مرحلة لاحقة للهيئة المؤقتة للنظر في دستورية القوانين، والتي تقوم مقام المحكمة الدستورية التي لم يتم إرساؤها بعد.
وتجمع أوساط سياسية وجهات عديدة من المجتمع المدني في تونس على ضرورة تعديل القانون الانتخابي، بسبب وجود ثغرات فيه، كانت من بين أسباب كثيرة في ترك الباب مواربا لممارسات سياسية تتعارض مع مبادئ النزاهة والمنافسة الشريفة. ولكن ما أثار حفيظة المعارضين خصوصا توقيت طرح هذه التعديلات، حيث لم يبق سوى شهر على فتح باب الترشح للانتخابات، وقبل أربعة أشهر من يوم الاقتراع. وفي هذا السياق، يوضح القاضي الإداري السابق، أحمد صواب، أن "الفصل 106 من القانون الانتخابي ينص على عدم تغيير الدوائر الانتخابية في سنة الانتخابات، وأن المضي إلى اعتماد هذا القانون يمس من سلامة الانتخابات ونزاهتها، ويشكك في نجاعة المرفق العام، بحسب ما هو منصوص عليه في الدستور..". واعتبرت الأحزاب التي صادقت على هذه التعديلات، ومنها النهضة وتحيا تونس والمشروع، أنها (التعديلات) تحصين للتجربة الديمقراطية الناشئة في تونس، وتصدٍّ لعملية التحايل السياسي والانقلاب على الديمقراطية من المغامرين والشعبويين وأصحاب المال الفاسد، ملمحين الى ارتباط مشبوه لبعض هؤلاء بأجندات خارجية، لا علاقة لها بالشأن التونسي.
السؤال الأكثر إلحاحا اليوم: هل سيكفي المتبقي من الوقت لختم هذا القانون من رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية، حتى يصبح ملزما للهيئة العليا المستقلة للانتخابات،
ويدخل حيز التنفيذ، خصوصا أن الرئيس الباجي قايد السبسي التزم الصمت، وتحصّن به خلال هذا الجدل، إذ لم يبدِ أي موقفٍ من الانقسام الحاصل بشأن التعديلات، ما جعل بعضهم يتساءل بشأن الدوافع وراء هذا الصمت، فقد طفت همهمات عن إمكانية تأجيل الانتخابات سنة أو سنتين، كما سبق أن تسرب من كواليس قصر قرطاج الرئاسي. وقالت مصادر خاصة إن الرئيس السبسي قد يكون فاتح زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، في ذلك، خلال لقائهما أخيرا، مستندا الى ظروف جيوسياسية إقليمية، تتسم بالتوتر والفوضى والضبابية في الجارتين الشرقية والغربية. وتضيف هذه المصادر أن رئيس الجمهورية يُضمر رغبة في تمديد عهدته الرئاسية حتى نهاية العام 2020، لتمكين حزبه (نداء تونس) من ترميم نفسه، وترتيب أوضاعه، ومزيد الاستعداد للانتخابات، وربما لاختتام عهدته الرئاسية بالإشراف على المؤتمر الدولي للفرنكوفونية الذي تحتضنه تونس من 10 إلى 15 يوليو/ تموز 2020. ومما يزيد في منسوب الخوف ما عبر عنه رئيس هيئة الانتخابات، نبيل بافون، من قلق من أن تصبح الهيئة في مرمى الانتقادات، بحشرها في خضم هذه التجاذبات، وهي الحريصة على استقلاليتها وشفافية العملية الانتخابية، والوقوف على مسافة واحدة من كل الأحزاب والحساسيات السياسية.
ومهما يكن من أمر في ظل هذه المعطيات، تظل كل القراءات مفتوحةً على سيناريوهات عديدة، يصعب التكهن بتفاصيلها ونتائجها.. ما يعيده الى حكمة الرئيس "الصامت" الذي في وسعه الخروج من هذا الوضع من عنق الزجاجة، والنأي بانتخابات الخريف المقبل عن مخاطر العاصفة.
وكما كان متوقعا، أشعلت هذه التعديلات "حرائق عديدة" في الفضاء العمومي التونسي ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلى مستوى الجمعيات والدوائر المهتمة بالشأن التونسي، ما عمّق الصراع وفتحه على احتمالات عديدة، قد تصل إلى تأجيل الانتخابات. وكانت هذه التعديلات مقترحة منذ حوالي ثمانية أشهر، واتهمت الحكومة بتمريرها رد فعل منها على بروز شخصيات واتجاهات جديدة من خلال نتائج استطلاع الرأي وسبر الآراء أخيرا، على غرار صاحب قناة نسمة التلفزيونية، نبيل القروي، والأستاذ الجامعي، قيس سعيد، وصاحبة جمعية "عيش تونسي"، ألفة تراس، ورئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى.
والمعلوم أن هذه التعديلات الزوبعة، تصبح، في حال صادق عليها رئيس الجمهورية كما
وقد وصف زعيم الجبهة الشعبية، حمّة الهمامي، والجبهة أكبر ائتلاف لليسار في تونس، في مؤتمر صحافي، هذه التعديلات بـ "المهزلة والفضيحة الجديدة"، معبرا عن "عدم إمكانية تغيير قواعد اللعبة الانتخابية قبل أربعة أشهر من الموعد المقرّر لها". ويجمع على هذا الرأي طيف واسع من المنتقدين للقانون الجديد، في مقدمتهم الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي الذي اعتبر أن "تونس دخلت منعرجا خطيرا بسبب حسابات التموقع"، ما جعل النواب المعترضين يشرعون في إجراءات الطعن، ليقدّموه في مرحلة لاحقة للهيئة المؤقتة للنظر في دستورية القوانين، والتي تقوم مقام المحكمة الدستورية التي لم يتم إرساؤها بعد.
وتجمع أوساط سياسية وجهات عديدة من المجتمع المدني في تونس على ضرورة تعديل القانون الانتخابي، بسبب وجود ثغرات فيه، كانت من بين أسباب كثيرة في ترك الباب مواربا لممارسات سياسية تتعارض مع مبادئ النزاهة والمنافسة الشريفة. ولكن ما أثار حفيظة المعارضين خصوصا توقيت طرح هذه التعديلات، حيث لم يبق سوى شهر على فتح باب الترشح للانتخابات، وقبل أربعة أشهر من يوم الاقتراع. وفي هذا السياق، يوضح القاضي الإداري السابق، أحمد صواب، أن "الفصل 106 من القانون الانتخابي ينص على عدم تغيير الدوائر الانتخابية في سنة الانتخابات، وأن المضي إلى اعتماد هذا القانون يمس من سلامة الانتخابات ونزاهتها، ويشكك في نجاعة المرفق العام، بحسب ما هو منصوص عليه في الدستور..". واعتبرت الأحزاب التي صادقت على هذه التعديلات، ومنها النهضة وتحيا تونس والمشروع، أنها (التعديلات) تحصين للتجربة الديمقراطية الناشئة في تونس، وتصدٍّ لعملية التحايل السياسي والانقلاب على الديمقراطية من المغامرين والشعبويين وأصحاب المال الفاسد، ملمحين الى ارتباط مشبوه لبعض هؤلاء بأجندات خارجية، لا علاقة لها بالشأن التونسي.
السؤال الأكثر إلحاحا اليوم: هل سيكفي المتبقي من الوقت لختم هذا القانون من رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية، حتى يصبح ملزما للهيئة العليا المستقلة للانتخابات،
ومهما يكن من أمر في ظل هذه المعطيات، تظل كل القراءات مفتوحةً على سيناريوهات عديدة، يصعب التكهن بتفاصيلها ونتائجها.. ما يعيده الى حكمة الرئيس "الصامت" الذي في وسعه الخروج من هذا الوضع من عنق الزجاجة، والنأي بانتخابات الخريف المقبل عن مخاطر العاصفة.
دلالات
مقالات أخرى
25 اغسطس 2023
02 اغسطس 2023
14 يوليو 2023