أجمعت المنظمات والجمعيات المراقبة لعملية انتخاب المجلس الأعلى للقضاء على نزاهتها وشفافيتها، كما أيّد منتقدو طبيعة النتائج هذا الإجماع.
غير أن الإقرار بأهمية الانتخابات في مسار الانتقال الديمقراطي، لم يخلُ من انتقادات جوهرية، تعلقت بنتائج الانتخابات وما أفرزته من خيارات أقرها الناخبون أنفسهم من القضاة والمحامين وسائر مكونات منظومة العدالة في تونس، باستثناء عدول الإشهاد الذين لم يشملهم هذا المجلس، ما دفعهم إلى إعلان "مقاطعتهم المطلقة للمجلس الأعلى للقضاء وعدم التزام عدالة الإشهاد بقراراته، باعتبار أن عدول الإشهاد لم يشاركوا لا في انتخابات هذا المجلس ولا في عضويته".
واعتبرت القاضية، كلثوم كنو، في حديث لـ"العربي الجديد" أن المجلس مهدد بالحياد عن مهامه، والأمر محل تخوف القضاة الغيورين على هذه السلطة، طالما يضم رموزاً من قضاة العهد السابق الذين عرفوا بقيادتهم الانقلاب على جمعية القضاة الشرعيين عام 2005، وأودعت ملفات لدى هيئة الحقيقة والكرامة وثقت انتهاكاتهم، واصفة انتخاب أسماء انقلابية بالفضيحة.
وعن إخفاقها في نيل الأصوات الكافية للفوز بعضوية المجلس، قالت الرئيسة السابقة لجمعية القضاة التونسيين: "لا شك أن أطرافاً تدخلت للحيلولة دون ذلك، من بينها وزير العدل السابق ورئيس الكتلة النيابية لحركة النهضة، نور الدين البحيري، نتيجة ضغائن شخصية لتحركات الجمعية آنذاك التي تصدت للحركة القضائية التي أشرف عليها عام 2012، علاوة على إحباط سعيه لتعطيل إرساء الهيئة الوقتية للقضاء العدلي في ذات السنة لولا تحركات القضاة من أجل تركيزها حتى تتولى القيام بالحركة القضائية.
وأضافت كنو أنها "عولت على وعي القضاة بخطورة المحطة التاريخية لتأسيس قضاء مستقل، وسلطة قضائية لا خاضعة ولا تابعة، إلا أن إرادة بعض الأطراف اتجهت نحو التأثير عليهم والدفع نحو انتخاب أشخاص معينين رغم تاريخهم المشين"، مشددة على أن انتقاداتها لا يجب أن تترجم على أنها رفض لقواعد الديمقراطية ونتائج الصندوق.
وأبرزت أن "اليقظة والحذر أمران واجبان حتى إزاء مجلس منتخب ديمقراطياً، وذلك في إطار مواصلة نضالهم من أجل استقلالية السلطة القضائية".
من جهة أخرى، اعتبر المرصد التونسي لاستقلال القضاء الذي يترأسه القاضي، أحمد الرحموني، تمسكه بـ"عدم مشروعية الإجراءات المتعلقة بتركيز المجلس الأعلى للقضاء، بسبب المخالفات الجوهرية التي تضمنها القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، وتعارض عدد من أحكامه مع مقتضيات الدستور".
واعتبر المرصد في بيانه، أن "نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء أظهرت عودة الأساليب القديمة في التأثير على إرادة الناخبين، خصوصاً من جهات قضائية مسؤولة، فضلاً عن فوز المرشحين المدعومين أساساً من بعض الأطراف السياسية والهياكل المهنية على حساب الترشحات الفردية المستقلة".
وأشار البيان إلى أن "استمرار النفوذ القوي للنظام القضائي السابق مكّن من اختراق تركيبة المجلس الحالي على مستوى الرتبة الثالثة من القضاء العدلي وانتخاب أحد الوجوه التي تزعمت في عهد وزير العدل الأسبق، البشير التكاري، الانقلاب عام 2005 على المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين".
وفي رده على هذه الاتهامات، قال رئيس كتلة حركة النهضة، نور الدين البحيري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن مساندة طرف على حساب آخر، أو التسبب في إسقاط طرف معين "شرف لا يدعيه"، إذ لا علاقة مباشرة له بالساحة القضائية ولم يسبق له التدخل في سير العمليات الانتخابية.
وأضاف، أن بعضهم برروا فشلهم باتهامه بالتدخل، في حين أن قواعد الديمقراطية تقتضي تقبل الهزيمة.
واعتبر البحيري، أن الاتهام بالتدخل في سير عملية الانتخاب هو في الحقيقة موجه للقضاة الذين صوتوا، لأن في ذلك تلميحاً إلى عدم قدرتهم على الاختيار وخضوعهم للوصاية، وهو أمر غير مقبول.