سائق التاكسي يرفض المرور من درب السلطان في الدار البيضاء. هو يؤكد أنه لن يقل الزبون إلى ذلك الشريان الكبير في العاصمة الاقتصادية، وإن أبدى بعض الزبائن استعداداً لدفع أكثر، مما يقتضيه عداد التاكسي.
الزبائن لا يناقشونه في قراره، هم يدركون أن الأسر تقصد ذلك الحي بمناسبة عيد الأضحى، ما يجعل حركة السير جد بطيئة، وعندما تتوغل عميقاً في الأسواق الرسمية والمرتجلة هناك تجد إقبالاً غير عادي على كل ما تحتاجه الأسر من سلع في تلك المناسبة.
فعلى الرغم من قرب الأسواق من مكان إقامة العديد من البيضاويين (سكان الدار البيضاء) إلا أنهم يفضلون التبضع من أسواق ذلك الحي التاريخي. هذا حال البيضاويين في جميع الأعياد.
زيارة ذلك الحي والتبضع منه، أضحت كأنها واجب لا يترددون في القيام به. ومهما كان الزحام شديداً، وحركة المرور مثيرة للأعصاب، يحجون إليه بكثير من الحماس، لما يقدمه من بضائع متنوعة وبأسعار تستجيب للقدرة الشرائية للزبائن.
فرصة حلول أولئك الزبائن بذلك الحي الشعبي الشهير، يسعد بها يوسف الورياغلي العشريني، الذي اهتدى في هذه المناسبة إلى بيع السكاكين التي تستعمل في نحر الأضحية. هذا الطالب الجامعي يتحول إلى بائع متجول قبيل العيد، يقتني سكاكين صينية كي يعرضها على زوار حي درب السلطات.
هو يؤكد أن تلك ليست تجربته الأولى، بل اعتاد بيع تلك السكاكين قبيل العيد، حيث يجني منها أرباحاً، تكفيه لمواجهة مصاريف الدخول الجامعي في بداية أكتوبر. هو يعتبر أنه محظوظ لأنه يقطن في ذلك الحي الذي يعرف حركة لا تخف على مدار العام، وتتعاظم في الأعياد.
ليس هذا الشاب سوى نموذج لشباب آخرين، يرون في مناسبة عيد الأضحى فرصة للحصول على بعض المال الذي يواجهون به حاجياتهم الخاصة، خصوصاً أن كثيراً منهم يعاني من البطالة.
غير بعيد عن المكان الذي يشغله الورياغلي، يقف صديقه محمد السهمي، الذي يعرض الأواني البلاستيكية المحلية والمستوردة، هو يؤكد أن الإقبال يكثر على هذه السلعة في الفترة التي تسبق العيد، ما يساعده على جني حوالي 150 دولاراً تساعده على تأمين مصروفه، هو الذي يعاني من البطالة، على الرغم من تخرجه، منذ عام، من أحد معاهد التكوين الفني.
اقرأ أيضاً: المغاربة ينفقون مليار دولار على الأضاحي
عندما تتوغل في أزقة حي درب السلطان الذي تحولت أجزاء منه إلى أسواق مرتجلة (عشوائية)، ينشط فيها الباعة الجائلون، الذين غضت عنهم السلطات الطرف في هاته المناسبة، تشاهد نساءً يعرضن أغطية بلاستيكية للموائد، تقبل عليها النساء كثيراً، بينما تقترح أخريات أكياساً بلاستيكية، وحبالاً الحاجة تكون ماسة لها من أجل تقييد وتعليق الأضحية.
لا حد لما تبيعه النساء في تلك السوق، التي لا يمكن لمن يعرض فيها بضاعة أن يعود خائباً. فهذه الأم ليلى الكوشي الثلاثينية، التي اضطرت لمغادرة بيتها، في هذه الأيام، من أجل مساعدة زوجها على توفير ثمن الأضحية، اختارت بيع مفاحم مصنوعة من الحديد. تلك أول تجربتها في " التجارة" لكنها تبدو سعيدة بما تجنيه من مال..
إبراهيم باريوايت كما يلقب، اهتدى إلى شحذ السكاكين التي تعدها الأسر من أجل نحر الأضحية. منهمك في عمله بكثيرٍ من التركيز غير بعيد عن منزله الذي تتدلى من إحدى نوافذه خيوط الكهرباء، التي تشغل الآلة التي يستعملها في نشاطه ذاك. هو يؤكد أن العديد من الأسر تستخرج سكاكين النحر التي كساها الصدأ بعدما لم تستعمل على مدى عام، حيث يتولى إبراهيم شحذها كي تستجيب لمن يستعملها يوم العيد.
في الأزقة القديمة التي تشكل حي درب السلطان، عمد العديد من الشباب إلى نصب ما يشبه الخيم، حيث يعرضون الفحم الذي تحتاجه الأسر في العيد والتبن الذي تشتريه للأضاحي، ومنهم من تخصص في بيع البصل، الذي ارتفع ثمنه في هذه المناسبة، كي يصل إلى حوالي 35 سنتاً. تلك خيام ارتجلوها كي تصبح مخزناً لسلعهم وملاذاً يتسامرون فيها في الليل.
في غالب الأحيان يشترك عدد من الشبان في رأسمال، الذي يمكنهم من توفير السلع التي يعرضونها. يؤكد رشيد راي، أنهم يستغلون تلك الخيم كي يخرجوا من الروتين اليومي في بيوتهم، كما أن هذا النشاط الذي يمارسونه في هذه الفترة، يساعدهم على جني بعض المال، الذي يغنيهم عن سؤال ذويهم أياماً معدودات.
وعادة ما يحظى هؤلاء الشباب بتعاطف الأسر في الحي، التي تدفع السعر الذي يطلبونه دون مساومة.
اقرأ أيضاً: المغرب يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد إلى 5%