انتفاضة العراق: إيران تستمهل لتغيير عبدالمهدي والمحتجون يصعدون

04 نوفمبر 2019
استمرت التظاهرت العراقية بقوة (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -
شهدت مدن جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد تطوراً جديداً على مستوى التظاهرات، وذلك بعد قطع الطرق الرئيسية في بغداد ومدن جنوبية مختلفة، من بينها طرق تؤدي إلى حقول نفط مهمة كحقل مجنون والمشرح في البصرة وميسان، فضلاً عن قطع الطرق المؤدية إلى ميناء أم قصر في البصرة. كما نُفّذ إضراب في المدارس والجامعات في محافظات جنوبية مختلفة، أبرزها ما شهدته الكوت عاصمة واسط المحلية، والناصرية مركز محافظة ذي قار، والبصرة بمناطق العشار وشط العرب والمدينة والزبير، وفي كربلاء والكوفة. أما في بغداد فقد قُطعت أغلب الطرق الرئيسية إلى جانب الرصافة، ما أدى إلى شلل شبه كامل في جامعة بغداد والجامعة المستنصرية وكليات أهلية ومدارس ثانوية أيضاً. في المقابل، ازدادت الساحات والميادين العامة في بغداد والجنوب زخماً من قبل المتظاهرين، وبدت النجف والبصرة وذي قار الأكثر حركةً، تحديداً مع نزول عدد من الزعامات العشائرية وطلاب الحوزات الدينية ومشاركتهم بوقفات تأييد مع المتظاهرين. واعتُبر هذا الأمر  تأييداً جديداً من مرجعية النجف الدينية بسبب ارتباط الحوزات الدينية بها. على الجانب الآخر فإن القوى السياسية تنتظر تحركات الرئيس برهم صالح التي وصفها مراقبون بأنها أفضل من لا شيء، فضلاً عن نتائج التدخل الإيراني ومحاولة التوفيق بين زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر وزعيم تحالف "الفتح"، الممثل لـ"الحشد الشعبي"، هادي العامري، مع الكشف أن طهران تحاول الدفع باتجاه تهدئة تبقي على رئيس الوزراء الحالي، عادل عبد المهدي، في منصبه لـ6 أشهر ريثما يتم التوافق على بديل له.


وعلى الرغم من التحذيرات التي وجّهتها وزارتا التربية والتعليم العالي وعدد من الوزارات والمؤسسات الأخرى، يوم السبت الماضي، من مغبة عدم الالتزام بدوام العمل واحتساب يوم الغياب مضاعفاً، إلا أن النصيب الأكبر من تعطيل الدوام الرسمي سواء بالمدارس والجامعات أو بالدوائر الحكومية جراء قطع الطرق، كان في بغداد، مع وصول الموظفين إلى دوائرهم متأخرين بساعتين عن موعد الدوام الأصلي، وبعضهم لم يتمكن من الوصول أساساً. وشمل قطع الطرق ومناطق الإضراب أحياء ومناطق الصدر والحسينية والبنوك والشعلة وبغداد الجديدة والعبيدي والشعب وحي العامل وحي الحسين، وأجزاء من الكاظمية والأعظمية والزعفرانية والغزالية والكرادة والمنصور، ومناطق حزام بغداد مثل اليوسفية والمحمودية وأبو غريب والمدائن. وتمكن شبان من قطع طريق محمد القاسم، أهم شرايين النقل في بغداد، لإسناد مطالب المحتجين في ساحات البلاد المطالبين بتغيير نظام الحكم وإجراء سلسلة من الإصلاحات منها محاكمة المتورطين بسرقة أموال العراق ونهبها وتهريبها.



ومع استمرار دعوات الإضراب التي هدد ناشط بارز في التظاهرات بتحولها إلى عصيان مدني، في حال استمر القتل والقمع الموجه ضد المتظاهرين، فإن ساحات التظاهر تتسع بشكل تدريجي بمشاركة متزايدة من قبل العراقيين. وأغلق متظاهرون أكثر من 30 طريقاً رئيسياً في بغداد والجنوب، عدا عن عشرات الطرق الفرعية. وكانت حصة بغداد والبصرة وميسان هي العليا، مع إغلاق متظاهرين طريق محمد القاسم وطريق الكاظمية الدائري وطريق شرق القناة، في وقتٍ أغلق متظاهرون طريق خور الزبير الرئيسي المؤدي إلى ميناء أم قصر. وقُطع طريق حقل مجنون على مقربة من الحدود مع الكويت، كما قُطع طريق منفذ الشيب الحدودي مع إيران، أحد أكبر ثلاثة معابر حدودية تجارية بين العراق وإيران ضمن محافظة ميسان. وأصدر مسؤولون محليون في تلك المحافظات مناشدات للمتظاهرين بعدم عرقلة قطاعي النفط أو التجارة، خصوصاً في البصرة، ما اعتُبر تمهيدا لمرحلة تصعيد أكثر حدة في المشهد العراقي.

وفي النجف التي تشهد تواجدا عسكريا وأمنيا كثيفا قرب المدينة القديمة التي تضم مرقد الإمام علي بن أبي طالب، أقدم متظاهرون على الإطاحة بلافتة تحمل تسمية شارع رئيس بالمدينة باسم الإمام الخميني، سبق أن تبرّعت شركة إيرانية بصيانته وتم استبدالها باسم شارع شهداء ثورة تشرين. في المقابل فقد تمّ نصب سرادقات وخيام كبيرة في مناطق المثنى وبابل والقادسية يوم السبت، للإشارة إلى اعتصام مفتوح.

وشهدت شعارات بغداد والجنوب تجدداً من ناحية الأهازيج واللافتات التي رُفعت تعزيزاً للهوية الوطنية العراقية، مثل "العراق كبير حاول تشوفه بعين الباوع والدحج والشوف والعاين"، و"تريد تفتر بالعراق؟ تعال لساحة التحرير"، و"سيذكر التاريخ ان هناك متخلفون اختلفوا على تاريخ آخر"، و"من بيروت لبغداد نفس الجهرة ونفس الطاس". وفيما بدا الجمود السياسي مخيماً على أجواء المنطقة الخضراء باستثناء حراك الرئيس برهم صالح من خلال لقاءات أعلن عنها مكتبه مع عدد من زعماء الكتل السياسية لبحث ملف التظاهرات والإصلاحات والقرارات المتخذة بحسب بيانات متتالية صدرت، فإن تحركات الوساطة الإيرانية بين مقتدى الصدر وهادي العامري المتواجدين في إيران منذ ليلة السبت بدعوة من الأخيرة، مستمرة.

في السياق، كشف مسؤول في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن التحرك الإيراني هو لتخفيف التوتر بين الصدر والعامري والتوفيق بين الاثنين، لإيجاد مخرج للأزمة من خلال التوافق على خطوات عديدة منها توفير بديل يقدمه الطرفان كمرشح تسوية جديد لرئاسة الوزراء، واستقالة (رئيس الوزراء) عادل عبد المهدي". وأكد أن توجه الصدر إلى إيران جاء بعد فشل محاولات صالح لعقد لقاء بينه وبين العامري في النجف لاحتواء الموقف". واعتبر أن الحراك الإيراني يأتي "بعد تعذّر إدخال العراقيين لبيوتهم"، في إشارة منه إلى عدم اقتناع المتظاهرين بالإصلاحات والوعود المقدمة من قبل الحكومة الشهر الماضي. وحول مجريات أو تطورات تلك الوساطة أكد أنه "في الـ72 ساعة المقبلة ستتضح الصورة تماماً".

في السياق أفاد قيادي بالتيار الصدري "العربي الجديد"، بأن "الإيرانيين يحاولون إقناع القوى السياسية المطالبة بإقالة عبد المهدي بمنح ستة أشهر له، قبل أن تلجأ إلى خيار العمل على التوفيق بين المعسكرين على اختيار رئيس وزراء جديد على اعتبار أن المنصب من حصتهم". وأضاف أن "إيران تدرك أن غالبية المتظاهرين لا يتبعون السيد مقتدى الصدر، لكنها تعوّل على أن يكون عاملا مساعدا في تهدئة الأوضاع، من خلال طريقين: الأول عبر التوافق سياسياً على خطوات تهدئة كتهيئة بديل لرئيس الحكومة الحالية، والثاني الدفع لتهدئة الأوضاع بالشارع لصالح تخفيف زخم التظاهرات وتحولها من يومية إلى أسبوعية". وعما إذا كان هناك أي دور أميركي في الحراك السياسي العراقي قال "لا يمتلكون أدوات مؤثرة"، معتبراً أن "أي حراك أو وساطة حالية لأي طرف يبقى أمرها غير محسوم ما لم يتضح تأثيرها بالشارع".
(شارك بالتغطية من بغداد سلام الجاف)