ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإنّ تعداد من يتواجد حالياً داخل الموصل يبلغ نحو مليون ونصف مليون مدني يشكل النساء والأطفال أكثر من 60 في المائة منهم، ما يجعل المدينة عبارة عن خزّان بشري هائل تحت القصف المتواصل ويزيد من مخاوف تعرض السكان لعمليات موت جماعية بفعل القصف اليومي المستمر.
وتتركّز الخطورة في القصف بالموصل ليس على طيران التحالف الدولي، بل على عمليات القصف العشوائي اليومية بالمدافع والصواريخ التي تستهدف المدينة على بعد 20 و30 كم، وتنفّذها مليشيات الحشد بصواريخ محلية الصنع وأخرى إيرانية زوّدتها إيران بها مؤخراً.
ويقول ناشطون ومنظمات حقوقية، إنّ "القصف المدفعي في العادة غير دقيق، إلا أن المليشيات تقصف عشوائياً ولا يوجد لديها تقنية تحديد مواقع تنظيم داعش كما تدّعي".
وبلغت حصيلة ضحايا القصف المدفعي والصاروخي على الموصل منذ بدء المعارك إلى الآن، أكثر من 60 قتيلاً وجريحاً أكثر من نصفهم نساء وأطفال".
وعلى الرغم من رفض جهات سياسية محلية ودولية مشاركة تلك المليشيات في المعارك، إلا أن ضغوطا إيرانية مورست على رئيس الوزراء، حيدر العبادي، جعلته يرضخ ويوافق على مشاركتها بـ 11 ألف مقاتل يتواجدون على المحور الجنوبي القريب من الموصل.
وتُصدر مليشيات الحشد نشرات يومية، تتحدث عن عمليات قصف مدفعي على الموصل تقول إنها طاولت عصابات "داعش"، إلا أنّ التقارير الميدانية تؤكد أن ضحاياها من المدنيين حصراً.
وظهر رئيس الوزراء حيدر العبادي مؤخّراً، خلال زيارة له إلى محاور القتال الجنوبية للموصل وهو يطالب الحشد والجيش بتكثيف القصف على مواقع داعش مع توخي الحذر لعدم إصابة مدنيين.
وجُوبهت إعلانات المليشيات بانتقادات وتحذيرات متكررة من قبل مختصين في الشأن العسكري والسياسي، ومنهم الخبير العسكري العراقي، السيد عبد الخالق الشاهر، الذي قال لـ "العربي الجديد" خلال اتصال هاتفي، إنّه "لا يجوز لرئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة أن يوجّه القيادات العسكرية بقصف المدن والأحياء السكنية الآهلة بالسكان المدنيين بالمدفعية الثقيلة، لأنّ هذا محرم دولياً بحسب اتفاقية لاهاي الدولية".
وعللّ الخبير العسكري ذلك، بكون المدفع لا يمكن التحكم بمداه من مسافات بعيدة، فقد يكون قصير أو بعيد المدى، وفي الحالتين سوف يصيب بيوتاً على بعد أو قرب ثمانية إلى عشرة، أي أنه يصيب أهدافاً غير مرسومة، وهذا ما حدث فعلا في مدن الرمادي والفلوجة، إذ قصفت منازل وأبيدت عوائل بالكامل، ومنهم من دفن تحت أنقاض منزله نساءً وأطفالاً، وهذا هو سبب تحريم القصف المدفعي دولياً".
وحول سؤاله عن دور التحالف الدولي في منع مثل هكذا انتهاكات، أجاب الشاهر، إنّ "هذا القانون يطبق في بلدان التحالف الدولي فقط ولا يشمل العراق، لأننا في نظرهم من بلدان العالم الثالث"، على حد وصفه.
من جانبه، قال حسين الشطب وهو قائد عسكري في الجيش السابق لـ"العربي الجديد"، إنّه "يجب على القادة العسكريين في الوقت الحاضر الاستفادة من كسب ودّ السكان لا قصفهم"، وبيّن أن عمليات القصف لن تؤدي إلا إلى سفك دماء أبرياء وتمنع أي تعاون بين الأهالي وقوات الأمن وتخدم مصالح داعش".
في حين قال طبيب في مستشفى الموصل العام لـ"العربي الجديد"، إنّ "أغلب الضحايا يسقطون نتيجة المدافع والصواريخ"، ولفت إلى إن "بعض القذائف تسقط ولا تنفجر فتجد عليها عبارات طائفية مقززة تكتبها تلك المليشيات".
وأكمل"تسقط تلك القذائف في العادة بشكل عشوائي على منازل أو أسواق وبدون سابق إنذار ويكون مصدرها من المحور الذي تسيطر عليه المليشيات".
فيما عدّ رئيس منظمة السلام لحقوق الإنسان، محمد علي، عمليات القصف المدفعي للمليشيات للموصل بأنها "جريمة حرب"، وأوضح أن تلك المليشيات لا تملك أي إحداثيات لمواقع "داعش" بالموصل، وسبق أن كررت أسلوب الأرض المحروقة في عدة مناطق، ولهذا يجب إيقاف القصف العشوائي فوراً، فالمدينة فيها مليون ونصف مليون مدني، وأغلب دوافع عمليات القصف طائفية".