أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية، مساء اليوم السبت، أن 23 ألفاً و600 شخص شاركوا في تظاهرات "السترات الصفراء"، في عموم فرنسا، من بينهم 2600 شخص في باريس، وسارعت بعض وسائل الإعلام إلى الإعلان عن الفتور والانحسار اللذين بدأت تعرفهما الحركة، عبر مقارنة أرقام هذا اليوم بأرقام السبت الماضي، غامزة من قناة الإعلانات الرئاسية.
وهذا الانحسار، الذي توقّعته حركة "السترات الصفراء" نفسها، حين أكدت أنها تستعد مع نقابات عمالية وحركات سياسية لتظاهرات قوية يوم الأربعاء المقبل، في عيد العمال، لا يصل إلى هذا المستوى المنخفض في عدد المتظاهرين، وفق إحصاءات وزارة الداخلية التي غالباً ما تثير توجس وتشكيك النقابات والمعارضة، فقد أحصت حركة "السترات الصفراء"، بوسائلها، خروج 60 ألفاً و132 متظاهراً في عموم فرنسا.
وقد جرت تظاهرات باريس في جو هادئ، خلافاً لأسابيع سابقة، بينما عرفت تظاهرات أخرى في مناطق أخرى من فرنسا بعض أجواء توتر وبعض صدامات، استخدمت فيها قوى الأمن القنابل المسيلة للدموع، كما هو الحال في ستراسبورغ، التي شهدت تظاهر ثلاثة آلاف شخص، حيث جرح بعض المتظاهرين، واعتقل آخرون، حينما حاول المتظاهرون الاقتراب من المؤسسات الأوروبية.
وكما جرت العادة قامت قوى الأمن بمراقبة وتفتيش استباقي في باريس، أسفر إلى حدود الثالثة والنصف عن تفتيش ما يقرب من تسعة آلاف شخص وإيقاف 15 متظاهراً.
وحضرت إجراءات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التي أعلن عنها قبل يومين، بعد الانتهاء من "الحوار الوطني الكبير"، في تظاهرات مونبولييه، ومارسيليا، وتولوز، وفي بوردو التي استعادت تظاهراتها بعض الزخم، وفي مدن أخرى، كديجون، التي عرفت بعض التوتر أسفر عن إيقاف بعض الأشخاص. وندّد المتظاهرون في مختلف المدن والبلدات برئيس "لا يسمع".
وحاول متظاهرون في باريس النأي بأنفسهم عن بعض شعارات السبت الماضي، التي طالبت قوى الأمن بالانتحار، فترجّوا، هذه المرة، قوى الأمن بألا تنتحر وبأن تلحق بهم. كما أن متظاهرين في مدينة أفينيون قاموا بتكريم رجال الأمن الذين قضوا في سنة 2019.
وكانت وجوه معروفة لـ"السترات الصفراء" قد نددت في وسائل الإعلام بالشعارات أطلقها البعض ضد قوى الأمن، معتبرين أن المسؤول عن الأزمة الراهنة ليست القوى الأمنية بل السلطة السياسية، كما يمثلها ماكرون ووزير داخليته، كريستوف كاستانير.
وليس من المستبعد أن يبادر أنصار الحكومة إلى استغلال هذا الرقم المنخفض في عدد المتظاهرين، لرؤية تأثيرٍ ما للإعلانات الرئاسية الأخيرة، على الرأي العام. وهو ما استبقته بعض قوى المعارضة، خاصة حزب "فرنسا غير الخاضعة" بالتنويه بالتظاهرة الباريسية المشتركة، اليومَ، بين نقابات عمالية وحركات سياسية يسارية إلى جانب "السترات الصفراء"، وهي تجربة ستُعاد يوم الأربعاء القادم في عيد العمال. خاصة أن معظم النقابات العمالية لم تر في إعلانات ماكرون الجديدة، والتي توجت "الحوار الوطني الكبير"، أيّ تعزيز للقدرة الشرائية، بل فقط مطالبة العمال والمواطنين أن يشتغلوا أكثر، أي أبعد من السن القانونية للتقاعد.
وقد اكتشف ماكرون، في خطابه الأخير، أهمية النقابات، بعد أن أهانها، بشكل غير مسبوق، في قانون الشغل الذي فرضه في بداية ولايته، دون الأخذ برأيها، فأعلن عن تعويله عليها وعلى أرباب العمل لمناقشة إصلاح التقاعد. وهو اعترافٌ متأخر تلقَّفَه الأمين العام لنقابة "سي جي تي"، فيليب مارتينيز، فأكّد أن اعتراف ماكرون متأخر وأن إعلاناته الأخيرة دون المستوى المطلوب، وبالتالي فإن الردَّ سيكون في الشارع، 1 مايو/ أيار وغيرها، كما في كواليس المفاوضات الصعبة.