تحذّر أوساط أميركية يهودية من أنّ التحولات في موازين القوى الإثنية والاجتماعية داخل الولايات المتحدة لا تخدم على الإطلاق مستقبل العلاقات الأميركية ــ الإسرائيلية. كما أنّ هذه التحوّلات ستوجد واقعاً تكون فيه الإدارات الأميركية أقل التزاماً بمصالح إسرائيل. وتشير الأوساط إلى أن أهم مظاهر التحوّل في موازين القوى الإثنية، هو تراجع نسبة الأميركيين البيض الذين يمثلون النواة الصلبة للحاضنة الجماهيرية لتيار المحافظين الداعم لإسرائيل، في حين تعاظمت نسبة تمثيل الأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية.
نقلت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر يوم 2 يوليو/تموز الجاري، عن جهات يهودية أميركية قولها، إنّ الأميركيين البيض مثّلوا 80% من إجمالي عدد السكان في الولايات المتحدة عام 1980. في حين أنّ الدراسات التي أجريت على نمط الزيادة السكانية تدلّ على أنهم سيشكلون فقط 44% من السكان في عام 2060. واعتبرت الجهات أنّ قرار المحكمة الأميركية العليا بإضفاء شرعية على زواج المثليين، جاء نتيجة تأثير التحولات العرقية والاجتماعية التي نتجت عن تراجع قوة الأميركيين البيض المحافظين الذين ظلوا يعارضون تشريع هذا الزواج. وأكدت الجهات أن ما يفاقم خطر التحولات الاجتماعية والدينية في الولايات المتحدة، هو تعاظم نسبة الأميركيين الذين يعتبرون أنفسهم لا ينتمون إلى أي دين.
وأشارت الجهات إلى أنه في أوساط الأميركيين الذين يبلغون من العمر ما دون الـ24، فإنّ نسبة الذين يجاهرون بعدم انتمائهم إلى أي دين تبلغ خمسة أضعاف النسبة لدى الذين يبلغون من العمر 75 عاماً أو أكثر. ويعني التراجع الكبير في نسبة المتدينين في الولايات المتحدة، تقليص المخزون السكاني الاحتياطي للجماعات المسيحية الإنجليكانية الأكثر حماساً لدعم إسرائيل وفقاً لمعتقداتها الدينية. وبحسب توقعات هذه الأوساط، فإن التحولات في التوازنات العرقية والاجتماعية تعني أن الانتقادات لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الولايات المتحدة، ستتعاظم بفعل زيادة تمثيل أولئك الذين يفضلون العدل والمساواة كقيمة على غيرها من القيم. ويذكر أن أوساط إسرائيلية ويهودية أميركية اعتبرت في حينه، أن فوز الرئيس باراك أوباما بولاية ثانية على الرغم من الاستثمار الهائل في دعم منافسه الجمهوري ميت رومني، أهم مؤشر على التحول في موازين القوى الإثنية والاجتماعية في الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: استنفار صهيوني أميركي لابتزاز مرشحي البيت الأبيض
من ناحيته، يقول الكاتب اليهودي الأميركي، بيتر بينروت، إن "إسرائيل لا تشعر حتى الآن بتأثير التحولات في موازين القوى العرقية والاجتماعية؛ لأنها تحدث ببطء بعيداً عن واشنطن"، مشيراً إلى أن الأقليات العرقية والشباب الأميركي يبدون درجة صبر متدنية إزاء السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، وهذا ما سيفرض تأثيره مستقبلاً على دوائر صنع القرار في واشنطن.
وفي مقال نشرته "هآرتس" في عددها الصادر يوم 2 يوليو/تموز الجاري، نوّه بينروت إلى أن ما يفاقم من تأثير التحولات العرقية والاجتماعية، هو أن الجيل الجديد من أبناء الأميركيين من أصول فلسطينية يتبنى لغة اليسار الجديد في الولايات المتحدة، ويركّز على مبدأ المساواة وليس على النزعات القومية. ولفت بينروت الأنظار إلى حقيقة أن التحولات العرقية والاجتماعية ستقلص من حجم الفضاء الجماهيري والإعلامي لأولئك الذين يُكبرون من قيمة الوعود الإلهية والتراث الديني، والذين تمثلهم القطاعات السكانية المؤيدة بشكل تقليدي للحزب الجمهوري. وأشار بينروت إلى أن ما سهّل المهمة على منتقدي السلوك الإسرائيلي، حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تقدم على كل الخطوات التي لا تعكس حرصاً على تحقيق العدل والمساواة، من خلال منح أفضلية مطلقة لليهود على حساب غيرهم. لكن تهاوي البيئة الداخلية الضامنة للدعم الأميركي لإسرائيل، لا ينجم فقط عن التحولات العرقية والاجتماعية، بل يتعداه إلى تراجع مستوى الثقة بين إسرائيل والجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وذلك بسبب تبني الحكومة الإسرائيلية قرارات مجحفة بحق اليهود الإصلاحيين، الذين تنتمي إليهم الأغلبية الساحقة من اليهود الأميركيين.
فقد أقدمت حكومة بنيامين نتنياهو، تحت ضغط الأحزاب الدينية الحريدية المشاركة فيها، على إحباط تمرير مشروع قانون نص على الاعتراف بالتهود (اعتناق اليهودية) الذي يتم تحت إشراف حاخامات إصلاحيين. ولا تعترف المرجعيات الدينية الحريدية اليهودية التي تسيطر على المؤسسة الدينية الرسمية في إسرائيل بيهودية الأشخاص الذين تهوّدوا على أيدي حاخامات إصلاحيين. وقد حذّر وزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، من أن خضوع نتنياهو لإملاءات الأحزاب الحريدية ينذر بتعاظم القطيعة بين إسرائيل واليهود الأميركيين، مشيراً إلى أن اليهود في الولايات المتحدة يقومون بدور حاسم في دعم المصالح الاستراتيجية لإسرائيل من خلال الدور الذين يقومون به في الحلبة السياسية والحزبية الأميركية. ونقلت الإذاعة العبرية، الجمعة الماضي، عن ليبرمان قوله إن الحكومة في تل أبيب تغامر بمصالح إسرائيل من أجل ضمان استقرارها عبر إرضاء الأحزاب الحريدية.
اقرأ أيضاً: إسرائيل تبتزّ الولايات المتحدة: السلاح "النوعي" للخليج يهددنا