يُطلق المرشحون لانتخابات مجلس خبراء القيادة في إيران، حملاتهم الدعائية اليوم الخميس، بعد أن سلّمت لجنة صيانة الدستور، إلى وزارة الداخلية الإيرانية، اللائحة النهائية التي تحتوي على أسماء 161 مرشحاً سيتنافسون خلال السباق الانتخابي في 26 فبراير/شباط الحالي، إبان إنهاء المرحلة الثانية من فحص طلبات 795 شخصاً، منهم من تقدم بطعنه واعتراضه في وقت سابق، بسبب عدم منحه الأهلية للترشّح خلال المرحلة الأولى من دراسة الطلبات.
وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، فإن حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، حسن الخميني من بين المرفوضة أسماؤهم. ونقلت الوكالة عن مصدر وصفته بالمطلع في الداخلية الإيرانية، قبل نشر قوائم أسماء المرشحين رسمياً، أن رفض ترشيح الخميني بسبب عدم مشاركته في الامتحان الذي دعي إليه، وهو الامتحان المفروض على كل من يترشح للمرة الأولى لانتخابات هذا المجلس، ممن لم تثبت درجة اجتهاده، والتي يحصل عليها علماء الدين في إيران بعد مناقشة رسالة خاصة في الحوزة العلمية، أو بحال تأكيد عدد من رجال الدين الحائزين على درجة "آية الله" على قدرة هذا الفرد على الاجتهاد.
لم يثر رفض الخميني للمرة الثانية، تلك الجلبة التي أثيرت في المرة الأولى، على الرغم من استمرار الانتقادات للجنة صيانة الدستور، فمقربون من الخميني يقولون إنه لم يدعَ أساساً للامتحان، وآخرون يعتبرون أنه عالم دين يستحق خوض هذا السباق. وصدرت أكثر الانتقادات حدة على لسان رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني، والذي انتقد حينها لجنة صيانة الدستور، ودعاها لإعادة النظر بملفات المرشحين بشكل عادل، وهو ما سيكون كفيلاً بجر المواطنين نحو صناديق الاقتراع.
تعد هذه الانتخابات حساسة وهامة للغاية، فهذا المجلس مكوّن من رجال دين، ويشرف هؤلاء على عمل المرشد الأعلى، ويمتلكون صلاحية عزله، وتعيين خلف له بحال الوفاة أو فقدان الأهلية، ويتكوّن المجلس الفعلي من 86 عضواً، ومن المفترض زيادة عدد المقاعد إلى 99، فنسبة التمثيل فيه تعادل عضوا واحدا عن كل نصف مليون نسمة في كل محافظة.
معظم الخبراء الحاليين من المنتمين للتيار الأصولي أو المحافظ، ويحاول "المعتدلون" الحصول على عدد أكبر من المقاعد فيه، وسيكون أمام المقربين من "الحكومة المعتدلة" مهمة صعبة للغاية ولكنها ممكنة لتحقيق هذا الهدف.
وبالتزامن مع انتخابات الخبراء، ستجري الانتخابات التشريعية الإيرانية بدورتها العاشرة، وقد أنهت صيانة الدستور مهمتها في وقت سابق من يوم الثلاثاء، لتعلن الداخلية الإيرانية عن قبول طلبات 51 في المائة من المتقدمين للانتخابات، حيث سيتنافس ستة آلاف و175 شخصاً على 290 مقعداً برلمانياً مقسّمة بين المحافظات الإيرانية، إلا أن هؤلاء سيبدأون بحملاتهم الدعائية بعد أسبوع من الآن. وخلال هذه المدة تحاول التيارات والأحزاب الإيرانية المتنافسة إعادة ترتيب أوراقها، وتوزيع المرشحين على لوائح انتخابية، بالطريقة الأمثل والتي ستضمن حصولهم على عدد المقاعد التي يريدونها.
اقرأ أيضاً: إيران ترسم مشهد سباقها التشريعي المقبل
التيار المحافظ الذي يسيطر على البرلمان منذ ثلاث دورات انتخابية، يبدو أنه سيكون الأسرع في ترتيب أوراقه، إذ اتّبع طريقة توحيد التكتلات المحافظة في لوائح موحّدة، وبالفعل استطاع ائتلاف المحافظين في العاصمة طهران، من تقديم أول لائحة تضم ثلاثين مرشحاً، وهم من أبرز الوجوه في هذا التيار، منهم رئيس البرلمان السابق غلام علي حداد عادل، عضوا لجنة الأمن القومي إسماعيل كوثري وعلي زاكاني، فضلاً عن نائب رئيس البرلمان الحالي حسن أبو ترابي فرد، بالإضافة إلى أسماء أخرى.
وكان هذا الائتلاف هو الأسرع في الإعلان عن شعاره الانتخابي، فقد أعلن المتحدث باسم ائتلاف المحافظين، حداد عادل، خلال مؤتمر صحافي عقده في وقت سابق، أن شعار هذه اللائحة هو "المعيشة، الأمن، التطور"، قائلاً إن حملتهم الانتخابية ستركز على الوضع الاقتصادي للإيرانيين وآلية إيجاد حلول لمشكلاتهم.
ما يميز هذه اللائحة هو أن المرشحين عن التيار المحافظ فيها ينتمون لعدة جبهات، منها ما كان يختلف مع الآخرين حول بعض القضايا السياسية الداخلية، ومنهم من ينتمي لجبهة "بايداري" (أو الثبات)، ومنهم من ينتمي لجبهة "بيروان" (أو التابعون)، ما يعني توحّد المحافظين.
ونقلت بعض التصريحات أن كافة الجبهات باستثناء واحدة اتفقت على كلمة موحدة وتقدمت بلائحة محافظة واحدة، من دون الإعلان عن اسم الجبهة، ويرجح البعض الإعلان عن قائمة أصولية أخرى، قد تنافس هؤلاء في طهران، وربما ستكون لائحة أقوى في محافظات أخرى.
كما تساءل البعض عن مكان المقربين من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد من هذا السباق، الذي سارع بالتعليق على لائحة الائتلاف بحسب بعض المواقع، فنقل عنه موقع "ألف" الإيراني قوله إن "بعض المحافظين يجتمعون مع بعضهم لاختيار ثلاثين شخصا منهم وحسب، من دون أن يدركوا أن ثمانية منهم على أقصى تقدير سيجدون طريقاً نحو مقاعد البرلمان"، مضيفاً أنه "على الرغم من استبعاد عدد كبير من المرشحين الإصلاحيين، وهم المنافسون الأساسيون للأصوليين، لكن هؤلاء، فضلاً عن مؤيدي الحكومة المعتدلة سيغلبون المحافظين".
لكن في وقت لاحق، نقلت مواقع أخرى عن مكتب نجاد نفسه أنه لم يعلق أساساً على الانتخابات الحالية، ولن يعلن عن دعمه لأية لائحة أو لأي مرشح دون غيره، وهذا إن أشار إلى شيء فهو ينقل استمرار الخلاف بين نجاد وبقية الجبهات المحافظة.
وفي مكان آخر، جهز المحافظون المنتمون لحزب "جامعة مدرسين" في مدينة قم لائحتهم، التي تضم عشرين مرشحاً من بينهم رئيس المجلس الحالي علي لاريجاني. ويبدو أن المحافظين لن يتخلوا بسهولة عن السباق الانتخابي ولديهم من الشعارات الكثير، منها ما يرتكز على الوضع الاقتصادي في البلاد بعد الاتفاق النووي، ومنها ما سيركز على ضرورة وقوف البرلمان الجديد بوجه الغرب، الذي يسعى لاختراق إيران من الداخل، كما يرى المتشددون منهم.
الجبهة الثانية التي ستكون منافساً قوياً في الانتخابات، سيقودها النائب الحالي علي مطهري، وذكرت وكالة "أنباء فارس" الإيرانية أن مطهري سيكون رئيساً للائحة "الائتلاف الوطني للتيار الثالث" والتي ستتكوّن من ثلاثين مرشحاً سيُعلن عنهم لاحقاً. ومطهري كان يُصنّف من الشخصيات المحافظة، لكنه كان من أشد منتقدي نجاد وفريقه الحكومي والنواب الموالين له، كما أنه كان ممن طالبوا برفع الإقامة الجبرية عن رموز "الإصلاح"، ومنهم ميرحسين موسوي، ومهدي كروبي، فشنّ المتشددون من المحافظين حرباً عليه، وصلت إلى حد مهاجمته في مدينة شيراز من قبل طلاب محسوبين على المتشددين. ويعتبر الإصلاحيون و"المعتدلون" مطهري مقرباً منهم في المرحلة الحالية، إلا أنه سيكون ولائحته المرتقبة من المنافسين الأقوياء في السباق الانتخابي بحسب توقعات البعض.
أما الإصلاحيون فما زالوا يجهزون لآليات تنافسهم في السباق التشريعي المقبل، وقد عقد حزب "اعتماد ملي" اجتماعاً الاثنين الفائت، حضره مطهري كضيف شرف، ودعاهم بدوره للمشاركة بقوة في الانتخابات، وعدم الانسحاب أو ترديد شعارات من قبيل دعوة المواطنين لعدم الاقتراع، وهو ما فعله بعضهم بسبب استبعاد عدد كبير من مرشحيهم من قبل صيانة الدستور.
وذكرت وكالة "فارس"، أن أربعة مرشحين إصلاحيين فقط تم منحهم الأهلية للترشح عن طهران، لكن 300 إصلاحي اجتمعوا ليل الثلاثاء، للاتفاق على لوائحهم، وهو ما قد يجعلهم مضطرين لتقديم لوائح مشتركة مع "المعتدلين"، بسبب قلة عدد المرشحين، فيما أن تصريحات صادرة عن أحزاب إصلاحية أخرى من قبل حزب "نداي ايرانيان" (أو نداء الإيرانيين) أفادت بأنهم سيتقدمون بلوائح منفصلة.
إلا أن الوضع الحالي في البلاد، عقب التوصل للاتفاق النووي، وانفتاح طهران أكثر نحو الغرب، ونجاح عملية جذب الاستثمارات والصفقات نحوها، قد تصب لصالح الإصلاحيين، الذين لطالما نادوا بالانفتاح على الآخرين لحصد النتائج الإيجابية في الداخل.
وأخيراً، يبقى "المعتدلون"، وهم الموالون والمقرّبون من الحكومة، والذين لم يُقدّموا لوائح دقيقة بأسماء مرشحين محددين حتى الآن، ولكن شعبية الرئيس حسن روحاني في الداخل، ونجاحه بالتوصل للاتفاق النووي مع الغرب، والأهم من هذا، قدرته ووفده المفاوض على إلغاء العقوبات المفروضة على المواطنين، قد تجعل المقرّبين منه من أشد منافسي الأصوليين، ويتطلع هؤلاء للسيطرة على البرلمان لتسهيل المهمات المقبلة للرئاسة والحكومة الإيرانية، في وقت يشرف فيه البرلمان على قرارات الحكومة، ويحاول التحكم بسياساتها الخارجية.
اقرأ أيضاً: إيران: لجنة "صيانة الدستور" تعيد "مرفوضين" لسباق الانتخابات التشريعية