لم يفلح أعضاء الحزب الأغلبي في تونس "نداء تونس"، في إيجاد مخرج للأزمة التي تعصف بحزبهم منذ أشهر. وجاء يوم أمس، ليحمل معه سلسلة من القرارات الجديدة التي تؤكّد أنّ هذا الحزب ليس ذاهباً فقط إلى التقسيم، بل إلى التدمير أيضاً.
وتأكّد بصفة رسمية انفصال تيار الأمين العام لـ"نداء تونس"، محسن مرزوق، عن هياكل الحزب، بعد الاجتماع الذي جمع عدداً من القيادات الوطنية والجهوية والنسائية الغاضبة المناصرة له، فيما تغيّبت عنه أخرى.
اقرأ أيضاً: "نداء تونس": بداية الأزمة أم نهايتها؟
غير أنه من خلال التمعّن في بيان هذا الاجتماع، تتبيّن مفاتيح السيناريوهات الممكنة التي ستواجه شقّي الحزب بعد حوالي أسبوعين من الآن. وأعلن بيان المنشقين عن "الإيمان بضرورة مواصلة المشروع الوطني الإصلاحي العصري الذي تأسست عليه حركة (نداء تونس)، وضرورة التصدي للمسار غير الديمقراطي القائم على التعيينات بالولاءات والمساومات والمماطلة والإقصاء، والذي يستهدف تصفية المبادئ والأهداف التي انبنى عليها المشروع الوطني العصري لحركة نداء تونس".
وتقرّر "الانفصال التام عن كل المكوّنات والهياكل المسؤولة عن الأزمة الحالية، وعن إعادة إنتاجها والتنكّر لشرعية المسار غير الديمقراطي، وعدم الاعتراف بكل القرارات الصادرة عنها، وإطلاق مسار إعادة تأسيس المسار المشروع الوطني الأصلي المتواصل مع الفكر البورقيبي وذلك بمشاركة مباشرة من القواعد والإطارات الملتزمة في الحوار حول مبادئ وأهداف المشروع، وتشكيل لجنة وطنية للمتابعة والاتصال وتشكيل لجان جهوية ومحلية مماثلة مفتوحة لكل الطاقات والقدرات الوطنية، وتكوين لجنة قانونية ولجنة سياسية ولجنة تنظيمية".
وقرّر المجتمعون تنظيم ندوة إطارات يوم 9 يناير/ كانون الثاني 2016 للنظر في نتائج أعمال اللجان والمصادقة عليها، وعقد اجتماع وطني شعبي للإعلان عن النتائج النهائية لأعمال اللجان يوم 10 يناير 2016". كما دعا البيان "كل المعنيين بالمشروع الوطني العصر الإصلاحي في البلاد للانضمام لهذا المسار". وعلى عكس ما هو متوقع، فإنّ هذه القرارات لا تعني بالضرورة تأسيس حزب جديد، رغم أنّه أمر مرجّح جداً. لكنّه يشير وفق بعض الأطراف من الشق الآخر (الهيئة التأسيسية وحافظ قائد السبسي)، إلى أن مرزوق يلعب لعبة جهنمية تستهدف الحزب ككل، وربما تحاول تحويل النداء إلى "نداءيْن".
ومن خلال تفاصيل البيان المعلن، يُستنتج أن شق مرزوق سيعقد اجتماعين في يومين متتاليين هما 9 و10 يناير من العام المقبل، للنظر في نتائج اللجان التي يشكّلها، وهما تحديداً يوما المؤتمر التأسيسي الذي أعلن عنه الحزب منذ أيام لحلحلة الأزمة. ويعني هذا التواتر أن مناضلي الحزب سيكونون أمام خياريْن اثنين في اليوم نفسه.
وفي هذا الإطار، أكّد قيادي بارز من مساندي مرزوق، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن البيان لا يعكس بالفعل رغبة في الاستقالة من الحزب وتأسيس حزب جديد، وهناك تردد واضح، وهو ما يعارضه شخصياً.
من جهة ثانية، يطرح مناهضو مرزوق فرضية أن يعلن عن تمسكه بالنداء في يوم المؤتمر نفسه، وهو ما سيطرح إشكالية قانونية يصعب حلها، عن أحقية هذا التيار أو ذاك باسم الحزب ومكتسباته وإنجازاته، خصوصاً في ظل وجوده في البرلمان والحكومة، وهو سيناريو سيمتد على أشهر، وسيؤدي بالضرورة إلى تفتيت الحزب وتدميره بالكامل.
وتجد هذه الفرضية ما يؤيدها في نص بيان أمس، إذ إن مرزوق لم يعلن بشكل صريح عن تأسيس حزب جديد، وإنما أعلن عن تمسكه بأهداف الحزب. وأشار إلى عدم التقيّد بقرارات هياكله، ما يعني بوضوح تمسكه بالحزب على أساس الخيارات الأصلية، بحسب رأيه. وقد شرع مرزوق بالفعل في نقده لما سمّاه "حالة الموت السريري للحزب في وضعه الحالي"، التي جعلت "حركة النهضة المستفيد الأكبر من أزمة النداء".
وقال مرزوق، على هامش انطلاق الملتقى الوطني للشباب الذي نُقل إذاعياً، إن "زعامة الحزب الكبير معطّلة تماماً، في حين أن الناس يتزاحمون على مصافحة زعيم حركة (النهضة)".
ويتبيّن من خلال هذه المواقف أن مرزوق يعود بخطاب واستراتيجية الحزب التي قام عليها قبل الانتخابات، والتي أدت في ما بعد إلى حكومة ائتلافية، وهو خطاب يستهوي عدداً من قيادات الحزب وقواعده، التي ترى أن الحزب لم يكن عليه أن يتحالف مع "النهضة"، وكان الأجدر به أن يحكم البلاد بنفسه مع تحالفات مخالفة. غير أن هذا الاتجاه لمرزوق، لا يعني بالضرورة أن يحقق كل النتائج التي رسمها، فقد بدأ الحديث عن اختلافات داخل شقه وصراعات على زعامة التيار الجديد. ويستدل أصحاب هذا الرأي بغياب قيادات بارزة مساندة له عن اجتماع الحمامات أمس، بالإضافة إلى تغيّب نصف مجموعة الـ32 نائباً، ما يعكس بداية انشقاقات في نظرهم داخل هذا التيار الغاضب.
بموازاة ذلك، بدأ التيار المنافس في ترتيب بيته، وأعلن المتحدث الرسمي باسم حزب حركة "نداء تونس"، بوجمعة الرميلي، أن أغلب لجان الإعداد لمؤتمر الحزب المقرر عقده يوم 10 يناير/ كانون الثاني، قد شرعت في عملها. ويبدو لافتاً أن هذا الشق قد حسم أمره، خصوصاً بعدما شهدت الهيئة التأسيسية حضور غالبية المترددين، وهم الرميلي نفسه، ووزير الخارجية، الطيب البكوش، الذي ظل طوال الأشهر الماضية في موقع المراقب، ورئيس الحزب محمد الناصر.
وكان الرميلي قد أكد أن الانسلاخ عن الحزب وتأسيس حزب جديد سيؤدي إلى الفشل التام، وربما استمع مرزوق جيداً إلى هذه النصيحة، ما انعكس بشكل واضح في بيان الانقسام.
وتبدو هذه الوضعية للحزب الأغلبي في كل حالاتها وسيناريوهاتها مربكة للساحة السياسية التونسية على مختلف مساراتها؛ فرئيس الحكومة الحبيب الصيد اجتمع، السبت، بثلاثة أحزاب من الائتلاف الحكومي للنظر في إمكانيات التحوير الحكومي، ولكنه لم يجتمع بأي طرف من "نداء تونس"، رغم أنه الفائز الأول بالانتخابات.
ويبدو المسار البرلماني كذلك على درجة كبيرة من الهشاشة، وإذا حافظت الكتلة على تناسق مواقفها خلال مناقشة ميزانية العام المقبل، فإنه لا شيء يؤكد إمكانية استمرار ذلك في الأيام المقبلة، مهما كان عدد النواب الغاضبين الذين لن يكونوا بالتأكيد في حجم الـ32.
اقرأ أيضا: "نداء تونس".. نهاية أم انطلاقة جديدة؟
اقرأ أيضاً: "نداء تونس": بداية الأزمة أم نهايتها؟
غير أنه من خلال التمعّن في بيان هذا الاجتماع، تتبيّن مفاتيح السيناريوهات الممكنة التي ستواجه شقّي الحزب بعد حوالي أسبوعين من الآن. وأعلن بيان المنشقين عن "الإيمان بضرورة مواصلة المشروع الوطني الإصلاحي العصري الذي تأسست عليه حركة (نداء تونس)، وضرورة التصدي للمسار غير الديمقراطي القائم على التعيينات بالولاءات والمساومات والمماطلة والإقصاء، والذي يستهدف تصفية المبادئ والأهداف التي انبنى عليها المشروع الوطني العصري لحركة نداء تونس".
وتقرّر "الانفصال التام عن كل المكوّنات والهياكل المسؤولة عن الأزمة الحالية، وعن إعادة إنتاجها والتنكّر لشرعية المسار غير الديمقراطي، وعدم الاعتراف بكل القرارات الصادرة عنها، وإطلاق مسار إعادة تأسيس المسار المشروع الوطني الأصلي المتواصل مع الفكر البورقيبي وذلك بمشاركة مباشرة من القواعد والإطارات الملتزمة في الحوار حول مبادئ وأهداف المشروع، وتشكيل لجنة وطنية للمتابعة والاتصال وتشكيل لجان جهوية ومحلية مماثلة مفتوحة لكل الطاقات والقدرات الوطنية، وتكوين لجنة قانونية ولجنة سياسية ولجنة تنظيمية".
وقرّر المجتمعون تنظيم ندوة إطارات يوم 9 يناير/ كانون الثاني 2016 للنظر في نتائج أعمال اللجان والمصادقة عليها، وعقد اجتماع وطني شعبي للإعلان عن النتائج النهائية لأعمال اللجان يوم 10 يناير 2016". كما دعا البيان "كل المعنيين بالمشروع الوطني العصر الإصلاحي في البلاد للانضمام لهذا المسار". وعلى عكس ما هو متوقع، فإنّ هذه القرارات لا تعني بالضرورة تأسيس حزب جديد، رغم أنّه أمر مرجّح جداً. لكنّه يشير وفق بعض الأطراف من الشق الآخر (الهيئة التأسيسية وحافظ قائد السبسي)، إلى أن مرزوق يلعب لعبة جهنمية تستهدف الحزب ككل، وربما تحاول تحويل النداء إلى "نداءيْن".
ومن خلال تفاصيل البيان المعلن، يُستنتج أن شق مرزوق سيعقد اجتماعين في يومين متتاليين هما 9 و10 يناير من العام المقبل، للنظر في نتائج اللجان التي يشكّلها، وهما تحديداً يوما المؤتمر التأسيسي الذي أعلن عنه الحزب منذ أيام لحلحلة الأزمة. ويعني هذا التواتر أن مناضلي الحزب سيكونون أمام خياريْن اثنين في اليوم نفسه.
وفي هذا الإطار، أكّد قيادي بارز من مساندي مرزوق، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن البيان لا يعكس بالفعل رغبة في الاستقالة من الحزب وتأسيس حزب جديد، وهناك تردد واضح، وهو ما يعارضه شخصياً.
من جهة ثانية، يطرح مناهضو مرزوق فرضية أن يعلن عن تمسكه بالنداء في يوم المؤتمر نفسه، وهو ما سيطرح إشكالية قانونية يصعب حلها، عن أحقية هذا التيار أو ذاك باسم الحزب ومكتسباته وإنجازاته، خصوصاً في ظل وجوده في البرلمان والحكومة، وهو سيناريو سيمتد على أشهر، وسيؤدي بالضرورة إلى تفتيت الحزب وتدميره بالكامل.
وتجد هذه الفرضية ما يؤيدها في نص بيان أمس، إذ إن مرزوق لم يعلن بشكل صريح عن تأسيس حزب جديد، وإنما أعلن عن تمسكه بأهداف الحزب. وأشار إلى عدم التقيّد بقرارات هياكله، ما يعني بوضوح تمسكه بالحزب على أساس الخيارات الأصلية، بحسب رأيه. وقد شرع مرزوق بالفعل في نقده لما سمّاه "حالة الموت السريري للحزب في وضعه الحالي"، التي جعلت "حركة النهضة المستفيد الأكبر من أزمة النداء".
وقال مرزوق، على هامش انطلاق الملتقى الوطني للشباب الذي نُقل إذاعياً، إن "زعامة الحزب الكبير معطّلة تماماً، في حين أن الناس يتزاحمون على مصافحة زعيم حركة (النهضة)".
ويتبيّن من خلال هذه المواقف أن مرزوق يعود بخطاب واستراتيجية الحزب التي قام عليها قبل الانتخابات، والتي أدت في ما بعد إلى حكومة ائتلافية، وهو خطاب يستهوي عدداً من قيادات الحزب وقواعده، التي ترى أن الحزب لم يكن عليه أن يتحالف مع "النهضة"، وكان الأجدر به أن يحكم البلاد بنفسه مع تحالفات مخالفة. غير أن هذا الاتجاه لمرزوق، لا يعني بالضرورة أن يحقق كل النتائج التي رسمها، فقد بدأ الحديث عن اختلافات داخل شقه وصراعات على زعامة التيار الجديد. ويستدل أصحاب هذا الرأي بغياب قيادات بارزة مساندة له عن اجتماع الحمامات أمس، بالإضافة إلى تغيّب نصف مجموعة الـ32 نائباً، ما يعكس بداية انشقاقات في نظرهم داخل هذا التيار الغاضب.
بموازاة ذلك، بدأ التيار المنافس في ترتيب بيته، وأعلن المتحدث الرسمي باسم حزب حركة "نداء تونس"، بوجمعة الرميلي، أن أغلب لجان الإعداد لمؤتمر الحزب المقرر عقده يوم 10 يناير/ كانون الثاني، قد شرعت في عملها. ويبدو لافتاً أن هذا الشق قد حسم أمره، خصوصاً بعدما شهدت الهيئة التأسيسية حضور غالبية المترددين، وهم الرميلي نفسه، ووزير الخارجية، الطيب البكوش، الذي ظل طوال الأشهر الماضية في موقع المراقب، ورئيس الحزب محمد الناصر.
وكان الرميلي قد أكد أن الانسلاخ عن الحزب وتأسيس حزب جديد سيؤدي إلى الفشل التام، وربما استمع مرزوق جيداً إلى هذه النصيحة، ما انعكس بشكل واضح في بيان الانقسام.
وتبدو هذه الوضعية للحزب الأغلبي في كل حالاتها وسيناريوهاتها مربكة للساحة السياسية التونسية على مختلف مساراتها؛ فرئيس الحكومة الحبيب الصيد اجتمع، السبت، بثلاثة أحزاب من الائتلاف الحكومي للنظر في إمكانيات التحوير الحكومي، ولكنه لم يجتمع بأي طرف من "نداء تونس"، رغم أنه الفائز الأول بالانتخابات.
ويبدو المسار البرلماني كذلك على درجة كبيرة من الهشاشة، وإذا حافظت الكتلة على تناسق مواقفها خلال مناقشة ميزانية العام المقبل، فإنه لا شيء يؤكد إمكانية استمرار ذلك في الأيام المقبلة، مهما كان عدد النواب الغاضبين الذين لن يكونوا بالتأكيد في حجم الـ32.
اقرأ أيضا: "نداء تونس".. نهاية أم انطلاقة جديدة؟