إنذار صريح بلغة التهديد والتحدّي. ويأخذ وزنه ليس فقط من الموقع الذي يحتله صاحبه، بل أيضاً من كونه يعكس أجواء الحزب الجمهوري في الكونغرس، والذي صارت علاقته بالرئيس معلّقة بخيط قطن.
ويزيد من ثقل هذا الموقف، أنّه يعكس أيضاً ردود الفعل لدى قواعد ونخب المحافظين، الذين أعربوا ولأول مرة، عن استيائهم من الرئيس، بسبب حملته على وزير العدل جيف سيشنز الذي يعتبر أحد الرموز البارزة في هذا التيار.
وبذلك فاقم ترامب من أزمته وزاد من خطورتها على رئاسته المهددة بالتحقيقات الروسية، والتي دخلت طور "التحقيق الجنائي". صار كمن وضع نفسه "في صندوق مقفل لا حيلة له للخروج منه بسلامة "، على حد تعبير مراقب مؤيد له.
كان في حسبان ترامب، أنّ الإطاحة بالوزير الذي كان من أوائل وأبرز أنصار حملته الانتخابية، قد تمكّنه من التخلّص من روبرت مولر المحقق الخاص في ملف التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأميركية، ومن شق الجمهوريين المضعضعين الذين تلكأوا في تمرير مشاريعه الرئيسية، وبما يحوله إلى مرجعية لهم من باب أنّهم لن ينفضوا من حوله، ولو أنّه ليس منهم أصلاً.
لكن النتيجة جاءت عكسية. الاعتراض الكاسح والحازم في الكونغرس على موقف ترامب من الوزير والمحقق، لا بد أن يكون قد فاجأ الرئيس، لا سيما ما صدر عن الجمهوريين الذين بدوا وكأنّهم انقلبوا عليه، وبصورة لا تخلو من التحدي.
الأسوأ بالنسبة للبيت الأبيض، أنّ عملية التحقيق في التدخل الروسي المحتمل بالانتخابات الأميركية، أخذت جرعة من الدعم تكفي لضمان استمرارها، بصرف النظر عما قد تؤول إليه والذي "لا يبشّر بالانفراج".
على أرضية هذه المعطيات، صار ترامب أمام الخيارات الثلاثة نفسها التي واجهها الرئيس ريتشارد نيكسون في فضيحة "ووترغيت":
الخيار الأول: عزل المحقق مولر. وفي هذه الحالة يبادر الكونغرس إلى استصدار قانون بغالبية تكسر فيتو الرئيس، يقضي بتعيين محقق خاص مستقل ليتابع التحقيقات، من النقطة التي انتهى إليها مولر، وبمساعدة الفريق القانوني الذي عمل معه. وفي ذلك ضمانة للوصول إلى ذات النتائج.
الخيار الثاني: ترك المحقق مولر مكانه لمتابعة مهمته حتى النهاية. وفي ذلك خطر قاتل" على رئاسة ترامب كما يقول أحد الذين عايشوا عن قرب فضيجة "ووترغيت". ذلك أنّ المحقق بدأ يتقدّم في استقصاءاته باتجاه مستمسكات "مالية وضريبية" قد تشير إلى علاقات تعزز الاشتباه بتعاون فريق ترامب مع الروس في عملية القرصنة الانتخابية.
الخيار الثالث: مطالبة نائب وزير العدل (نائبه لأنّ الوزير جيف سيشنز نأى بنفسه بحكم القانون عن الملف) بعزل مولر، والمتوقع أن يرفض تنفيذ الطلب ويفضل الاستقالة لأنّ ترامب هو من اختار المحقق وليس لدى نائب الوزير ما يبرر عزله، حسب ما قال مؤخراً. وفي هذه الحالة يتكرر ما فعله نيكسون بإقالة نائب الوزير. وعندئذ يتحرّك الكونغرس ليضع يده على القضية.
في الحالات الثلاث، يبقى الخطر قائماً، وتتقلّص مساحة الحركة أمام البيت الأبيض. ويزيد الطين بلّة أنّ هذا الأخير يشهد أصعب لحظاته. تعيين مدير جديد لدائرة الإعلام فيه قبل أيام، فجّر التناقضات المتفاقمة بين مراكز القوى المتصارعة داخله. المسؤول القادم أنتوني سكاراموتشي الذي يتمتع بدعم تام من ترامب، يعتزم إجراء تغييرات واسعة في صفوف كبار معاوني الرئيس، وفي مقدمتهم رينس بريبوس كبير مسؤولي البيت الأبيض.
كذلك يتوالى الهمس في واشنطن، عن تزايد التوتر بين الرئيس وبعض الوزراء، مثل وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وحتى وزير الدفاع جيمس ماتيس، بعد أن اتخذ الرئيس قراراً بشأن ذوي الأوضاع الخاصة من أفراد القوات المسلحة، من دون استشارة البنتاغون.
وسط هذه التعثرات، يأتي الخلاف المفتعل مع وزير العدل والناتج عن الملف الروسي، ليصب الزيت على نار أزمة رئاسة ترامب، ويضعها في مهب الريح.