ما زال الغموض يحيط بصفقة استحواذ العملاق الفرنسي شركة "توتال" على أصول العملاق النفطي الأميركي "أناداركو" في أفريقيا بما فيها أصولها في قطاع النفط الجزائري، وسط ارتباك حكومي في مواجهة توسع فرنسي آخر بالبلاد، رغم تصاعد مطالبات الجزائريين في خضم حراكهم المتواصل، بإنهاء هيمنة باريس على الاقتصاد الجزائري وقطاعه النفطي.
وتحت ضغط الشارع والتطورات الأخيرة في الصفقة خرجت الحكومة الجزائرية عن صمتها ولكن بتصريحين متناقضين في ظرف 24 ساعة. فبعد أكثر من 20 يوما على توقيع شركة "أوكسيدينتال" المالك الجديد لـ "أناداركو" مع الشركة الفرنسية "توتال" على اتفاق يقضي بيع أصول "أناداركو" في أفريقيا بما في ذلك أصول الجزائر مقابل 8.8 مليارات دولار، كشفت مواقف حكومة تصريف الأعمال الجزائرية عن تخبط كبير حيال الصفقة.
في 26 مايو/ أيار قال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب إن "الصفقة بالنسبة للجزائر غير مبرمة، بعدما رفضت "أناداركو" الإجابة عن مراسلات للحكومة، وسنوقف الصفقة إذا لزم الأمر باستعمال حق الشفعة (يسمح للجزائر أن تشتري حصة الأجانب في المشاريع المشتركة).
اقــرأ أيضاً
ثم تراجع الوزير نفسه بعد 24 ساعة عن تصريحاته، حين قال في 27 مايو/ أيار إن "سوناطراك بحاجة إلى الإبقاء على علاقات جيدة مع الشركاء الأجانب لتطوير برامجها، والشركة المملوكة للدولة ستحمي مصالحها، من خلال الوصول إلى تسوية جيدة".
وسبق تصريحات الوزير تأكيدات شبه رسمية أخرى بأن قرارا من السلطات الجزائرية صدر بمنع توتال، من شراء أصول أناداركو في الجزائر.
إزاء هذا الموقف الجزائري المتناقض صدرت مساء الأربعاء تأكيدات من باتريك بويان الرئيس التنفيذي لشركة توتال الفرنسية قلل فيها من المخاوف بشأن الصفقة، قائلا إن الشركة ستجتمع مع السلطات الجزائرية لإجراء محادثات بشأن خططها لشراء أصول أناداركو في الجزائر، مضيفا أنها لا تشعر بالقلق بسبب تقارير وسائل الإعلام التي ذكرت أن الجزائر ستوقف الصفقة.
وستجعل الصفقة الجديدة، في حال تنفيذها، "توتال" رقماً صعباً في المعادلة النفطية الجزائرية التي توجد فيها "سوناطراك" مع "أناداركو" الأميركية و"ستات أويل" النرويجية و"إيني الإيطالية".
وستسمح الصفقة لـ"توتال" بالاستحواذ على حصة "أناداركو" في الجزائر المقدرة بنحو 260 ألف برميل يومياً وهو ما يعادل ربع إنتاج الجزائر من النفط المقدر بأكثر من مليون برميل يومياً، ما يجعل من الشركة الفرنسية مستقبلا عاملا حاسما في الخريطة النفطية الجزائرية، مقابل 500 ألف برميل يوميا لـ"سوناطراك" و130 ألف برميل لـ "إيني" الإيطالية و110 آلاف برميل لـ "ستايت أويل" النرويجية.
وفي تعليق للمدير العام الأسبق لمجمع "سوناطراك" النفطي، نزيم زويوش"، قال لـ "العربي الجديد": "تصريحات وزير الطاقة تكشف عدة أشياء، أولها عدم تشاور وزارة الطاقة مع "سوناطراك"، فالحكومة لا تملك المعلومات الدقيقة حول الصفقة بين "توتال" و"أناداركو" من جهة، وبين "أناداركو" و"سوناطراك" من جهة ثانية، ويبدو أن الحكومة بما فيها وزارة الطاقة قد تجاوزتها الأحداث لانشغالها بما تعيشه الجزائر من حراك شعبي وما يتبعه من تطورات سياسية".
وتابع زويوش أن "سوناطراك أساءت التعامل مع الملف، بصفتها ممثل الجزائر في المشاريع الثنائية مع "أناداركو" وكان يجب عليها أن تبادر إلى جمع المعلومات، وعدم الاكتفاء بدور المشاهد فقط، فنحن نتحدث عن ربع إنتاج الجزائر سينتقل من الولايات المتحدة إلى فرنسا، ونحن ندري مدى حساسية العلاقات بين باريس والجزائر".
ورغم امتلاك الحكومة لورقة حق الشفعة الذي جاء به قانون الاستثمار الجزائري لحماية المشاريع المشتركة مع الأجانب الملزمين بعرض حصصهم على الطرف الجزائري قبل الأجانب، وهو ما لم تفعله "أناداركو"، إلا أن "سوناطراك" ومن ورائها الحكومة لا تريد اللعب بهذه الورقة، التي تسببت في الكثير من الخسائر للجزائر سابقا.
إلى ذلك كشف مصدر في داخل وزارة الطاقة الجزائرية لـ "العربي الجديد" أن "مستشاري سوناطراك أبلغوا الشركة باستحالة تفعيل حق الشفعة، لعدة أسباب، أولها لتعارضه مع القوانين الدولية المبنية على حرية التجارة وتنقل رؤوس الأموال، مع يعني أن استعمال حق الشفعة سيقود الجزائر إلى أروقة المحاكم الدولية".
وأضاف المصدر الحكومي، الذي رفض ذكر اسمه، أن "المجمع النفطي أبلغ متأخراً وزارة الطاقة بالنواحي القانونية، أي بعد تصريح وزير الطاقة الأول، ما دفعه للتراجع عنها". وتابع: "في الحقيقة لا تنوي الجزائر حاليا الدخول في صراع تجاري مع شركائها، ما قد يهدد إنتاجها النفطي وهي في أمس الحاجة لاستقرار عائداته".
وحسب مراقبين، تعتبر الجزائر، وبالأخص "سوناطراك"، تلميذا سيئا في ما يتعلق بالتحكيم الدولي، إذ خسر المجمع النفطي الجزائري عشرات القضايا، كلفت البلاد الملايين من الدولارات في صورة غرامات.
وفي السياق، يقول الخبير في القانون التجاري الدولي جمال بلقاسم إن "سوناطراك اضطرت للتوجه إلى التحكيم الدولي حوالي 70 مرة منذ 2012 فقط ما كلفها غرامات فاقت 1.3 مليار دولار، ولعل أبرز خلافاتها في السنوات الأخيرة كان مع "توتال" التي طلبت سنة 2016 تحكيماً دولياً بحق الجزائر، بسبب تغيير شروط تقاسم الربح في عقود الغاز المبرمة منتصف العقد الماضي، وهي القضية التي لا تزال مطروحة أمام محكمة "ميلانو".
وتابع بلقاسم لـ"العربي الجديد" أن "الشركات الأجنبية المتعاقدة مع سوناطراك تفضل اللجوء إلى التحكيم الدولي لحل نزاعاتها لأنها لا تثق بالأحكام الصادرة عن العدالة الجزائرية".
ويتزامن استحواذ "توتال" على الحصة الإنتاجية لـ "اناداركو" مع انتهاء الحكومة الجزائرية من صياغة قانون الطاقة الجديد، والذي تم تأجيل عرضه على البرلمان حتى انتخاب رئيس جديد للبلاد، كونه من القوانين الحساسة المتعلقة بالسيادة، حسب ما علمت "العربي الجديد" من مصدر داخل رئاسة الحكومة الجزائرية، كما أنه يدفع بالبلاد إلى كسب ثقة شركائها قبيل دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، في ظل تخوف الأجانب من عدم استقرار القوانين في الجزائر خلال هذه المرحلة، حسب نفس المصدر.
وكشف نائب مدير الشؤون القانونية والعلاقات الخارجية في المجمع النفطي الجزائري، مروان تاج عباسي، أن "قانون الطاقة الجديد راجع نسب الضرائب المفروضة على الشركات النفطية، مثل الضريبة على المساحات المستكشفة والدخل النفطي وتلك المتعلقة بالإتاوات.
وأضاف عباسي لـ "العربي الجديد": "كما أعادت الحكومة النظر في طريقة حساب العديد من الضرائب المفروضة على الأجانب، مع إعادة دراسة العقود المعتمدة في التعامل مع الأجانب، بالعودة للعمل بعقود تقاسم الإنتاج وعقود المساهمة وعقود تقاسم المخاطر بغية إغراء الشركات النفطية".
اقــرأ أيضاً
وحسب عباسي فإن "الجزائر اليوم بحاجة إلى جلب استثمارات أجنبية في النفط بغض النظر عن لونها، وبالتالي لا يهم من هو المستثمر، بل ما سيقدمه للجزائر؟".
وشرعت الجزائر مطلع شهر يناير/ كانون الثاني الماضي في خفض إنتاجها النفطي بحجم يتراوح بين 24 ألفاً و25 ألف برميل يومياً في إطار اتفاق خفض الإنتاج بين منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وشركائها من المنتجين المستقلين خارج المنظمة في نهاية عام 2018.
وتواجه الجزائر، أحد أكبر موردي الغاز لأوروبا، صعوبة في زيادة الإنتاج وسط تنامي الاستهلاك المحلي ونقص الاستثمار الأجنبي بسبب شروط تعاقدية غير جذابة. وحسب بيانات رسمية، يمثل النفط والغاز 94 بالمائة من إجمالي صادرات الجزائر، و60 بالمائة من ميزانية الدولة.
في 26 مايو/ أيار قال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب إن "الصفقة بالنسبة للجزائر غير مبرمة، بعدما رفضت "أناداركو" الإجابة عن مراسلات للحكومة، وسنوقف الصفقة إذا لزم الأمر باستعمال حق الشفعة (يسمح للجزائر أن تشتري حصة الأجانب في المشاريع المشتركة).
وسبق تصريحات الوزير تأكيدات شبه رسمية أخرى بأن قرارا من السلطات الجزائرية صدر بمنع توتال، من شراء أصول أناداركو في الجزائر.
إزاء هذا الموقف الجزائري المتناقض صدرت مساء الأربعاء تأكيدات من باتريك بويان الرئيس التنفيذي لشركة توتال الفرنسية قلل فيها من المخاوف بشأن الصفقة، قائلا إن الشركة ستجتمع مع السلطات الجزائرية لإجراء محادثات بشأن خططها لشراء أصول أناداركو في الجزائر، مضيفا أنها لا تشعر بالقلق بسبب تقارير وسائل الإعلام التي ذكرت أن الجزائر ستوقف الصفقة.
وستجعل الصفقة الجديدة، في حال تنفيذها، "توتال" رقماً صعباً في المعادلة النفطية الجزائرية التي توجد فيها "سوناطراك" مع "أناداركو" الأميركية و"ستات أويل" النرويجية و"إيني الإيطالية".
وستسمح الصفقة لـ"توتال" بالاستحواذ على حصة "أناداركو" في الجزائر المقدرة بنحو 260 ألف برميل يومياً وهو ما يعادل ربع إنتاج الجزائر من النفط المقدر بأكثر من مليون برميل يومياً، ما يجعل من الشركة الفرنسية مستقبلا عاملا حاسما في الخريطة النفطية الجزائرية، مقابل 500 ألف برميل يوميا لـ"سوناطراك" و130 ألف برميل لـ "إيني" الإيطالية و110 آلاف برميل لـ "ستايت أويل" النرويجية.
وفي تعليق للمدير العام الأسبق لمجمع "سوناطراك" النفطي، نزيم زويوش"، قال لـ "العربي الجديد": "تصريحات وزير الطاقة تكشف عدة أشياء، أولها عدم تشاور وزارة الطاقة مع "سوناطراك"، فالحكومة لا تملك المعلومات الدقيقة حول الصفقة بين "توتال" و"أناداركو" من جهة، وبين "أناداركو" و"سوناطراك" من جهة ثانية، ويبدو أن الحكومة بما فيها وزارة الطاقة قد تجاوزتها الأحداث لانشغالها بما تعيشه الجزائر من حراك شعبي وما يتبعه من تطورات سياسية".
وتابع زويوش أن "سوناطراك أساءت التعامل مع الملف، بصفتها ممثل الجزائر في المشاريع الثنائية مع "أناداركو" وكان يجب عليها أن تبادر إلى جمع المعلومات، وعدم الاكتفاء بدور المشاهد فقط، فنحن نتحدث عن ربع إنتاج الجزائر سينتقل من الولايات المتحدة إلى فرنسا، ونحن ندري مدى حساسية العلاقات بين باريس والجزائر".
ورغم امتلاك الحكومة لورقة حق الشفعة الذي جاء به قانون الاستثمار الجزائري لحماية المشاريع المشتركة مع الأجانب الملزمين بعرض حصصهم على الطرف الجزائري قبل الأجانب، وهو ما لم تفعله "أناداركو"، إلا أن "سوناطراك" ومن ورائها الحكومة لا تريد اللعب بهذه الورقة، التي تسببت في الكثير من الخسائر للجزائر سابقا.
إلى ذلك كشف مصدر في داخل وزارة الطاقة الجزائرية لـ "العربي الجديد" أن "مستشاري سوناطراك أبلغوا الشركة باستحالة تفعيل حق الشفعة، لعدة أسباب، أولها لتعارضه مع القوانين الدولية المبنية على حرية التجارة وتنقل رؤوس الأموال، مع يعني أن استعمال حق الشفعة سيقود الجزائر إلى أروقة المحاكم الدولية".
وأضاف المصدر الحكومي، الذي رفض ذكر اسمه، أن "المجمع النفطي أبلغ متأخراً وزارة الطاقة بالنواحي القانونية، أي بعد تصريح وزير الطاقة الأول، ما دفعه للتراجع عنها". وتابع: "في الحقيقة لا تنوي الجزائر حاليا الدخول في صراع تجاري مع شركائها، ما قد يهدد إنتاجها النفطي وهي في أمس الحاجة لاستقرار عائداته".
وحسب مراقبين، تعتبر الجزائر، وبالأخص "سوناطراك"، تلميذا سيئا في ما يتعلق بالتحكيم الدولي، إذ خسر المجمع النفطي الجزائري عشرات القضايا، كلفت البلاد الملايين من الدولارات في صورة غرامات.
وفي السياق، يقول الخبير في القانون التجاري الدولي جمال بلقاسم إن "سوناطراك اضطرت للتوجه إلى التحكيم الدولي حوالي 70 مرة منذ 2012 فقط ما كلفها غرامات فاقت 1.3 مليار دولار، ولعل أبرز خلافاتها في السنوات الأخيرة كان مع "توتال" التي طلبت سنة 2016 تحكيماً دولياً بحق الجزائر، بسبب تغيير شروط تقاسم الربح في عقود الغاز المبرمة منتصف العقد الماضي، وهي القضية التي لا تزال مطروحة أمام محكمة "ميلانو".
وتابع بلقاسم لـ"العربي الجديد" أن "الشركات الأجنبية المتعاقدة مع سوناطراك تفضل اللجوء إلى التحكيم الدولي لحل نزاعاتها لأنها لا تثق بالأحكام الصادرة عن العدالة الجزائرية".
ويتزامن استحواذ "توتال" على الحصة الإنتاجية لـ "اناداركو" مع انتهاء الحكومة الجزائرية من صياغة قانون الطاقة الجديد، والذي تم تأجيل عرضه على البرلمان حتى انتخاب رئيس جديد للبلاد، كونه من القوانين الحساسة المتعلقة بالسيادة، حسب ما علمت "العربي الجديد" من مصدر داخل رئاسة الحكومة الجزائرية، كما أنه يدفع بالبلاد إلى كسب ثقة شركائها قبيل دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، في ظل تخوف الأجانب من عدم استقرار القوانين في الجزائر خلال هذه المرحلة، حسب نفس المصدر.
وكشف نائب مدير الشؤون القانونية والعلاقات الخارجية في المجمع النفطي الجزائري، مروان تاج عباسي، أن "قانون الطاقة الجديد راجع نسب الضرائب المفروضة على الشركات النفطية، مثل الضريبة على المساحات المستكشفة والدخل النفطي وتلك المتعلقة بالإتاوات.
وأضاف عباسي لـ "العربي الجديد": "كما أعادت الحكومة النظر في طريقة حساب العديد من الضرائب المفروضة على الأجانب، مع إعادة دراسة العقود المعتمدة في التعامل مع الأجانب، بالعودة للعمل بعقود تقاسم الإنتاج وعقود المساهمة وعقود تقاسم المخاطر بغية إغراء الشركات النفطية".
وشرعت الجزائر مطلع شهر يناير/ كانون الثاني الماضي في خفض إنتاجها النفطي بحجم يتراوح بين 24 ألفاً و25 ألف برميل يومياً في إطار اتفاق خفض الإنتاج بين منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وشركائها من المنتجين المستقلين خارج المنظمة في نهاية عام 2018.
وتواجه الجزائر، أحد أكبر موردي الغاز لأوروبا، صعوبة في زيادة الإنتاج وسط تنامي الاستهلاك المحلي ونقص الاستثمار الأجنبي بسبب شروط تعاقدية غير جذابة. وحسب بيانات رسمية، يمثل النفط والغاز 94 بالمائة من إجمالي صادرات الجزائر، و60 بالمائة من ميزانية الدولة.