في سابقة هي الأولى من نوعها منذ ما يزيد عن 13 عاماً، انهار الدينار العراقي بشكل مفاجئ، ليسجل أقل قيمة له أمام الدولار، ما تسبب في إرباك كبير في السوق العراقي وقطاع الاستيراد، وسط اتهامات من جانب التجار لمسؤولين عراقيين بالوقوف وراء هذا الانهيار لتحقيق مكاسب مالية.
وهوى سعر صرف الدينار في تعاملات، أمس، ليصل إلى 1450 ديناراً للدولار الواحد، بعد سنوات طويلة حافظ خلالها على سعر صرف تراوح بين 1200 و1222 للدولار الواحد، بانخفاض 18.6%.
وتظاهر المئات من التجار العراقيين في العاصمة بغداد، أمس، احتجاجاً على هذا التهاوي في سعر صرف العملة المحلية، متهمين المصرف المركزي، وهو الجهة الوحيدة المتحكمة بسعر صرف الدينار العراقي بعدم اتخاذ أي خطوات حيال تهاوي العملة المحلية، بل والتسبب في ذلك.
كما قال عضو لجنة المال والاقتصاد في البرلمان العراقي، محمد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "انهيار الدينار يعود إلى تلاعب مافيات المصارف التابعة للسياسيين المتحكمين بالأسعار"، مضيفاً أن " هذا الانهيار حقق أموالاً طائلة للسياسيين والتجار المتعاملين معهم".
لكن المتحدث باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي، قال لـ"العربي الجديد"، إن المصرف المركزي اتخذ عدة خطوات سريعة للعودة بالدينار إلى مكانته السابقة، منها إلغاء عطلة السبت وبيع الدولار وفرض عقوبات على المضاربين به خارج المصارف ومنع عمليات الاحتكار للدولار من قبل الشركات والتجار، معتبراً أن صعود العملة الأميركية "وقتي وسيعود الدينار سريعاً إلى سابق عهده".
وبحسب مصدر مسؤول في المصرف المركزي، فإن المصرف يبيع يومياً نحو 75 مليون دولار للشركات والمصارف بسعر صرف ثابت يبلغ 1200 دينار لكل دولار، وهي سياسة ظلت مفيدة للحفاظ على قيمة الدينار.
وأضاف المسؤول لـ"العربي الجديد" أن السوق شهد موجة إقبال كبيرة من قبل تجار كبار على الدولار وسحبه من السوق، ، وتزامن ذلك مع توقف المصرف المركزي عن بيع الدولار باليومين الماضيين، ما تسبب في ارتفاع سعر صرف العملة الأميركية، مشيراً إلى أن العمل جارٍ لإعادة قيمة الدينار إلى سابق عهدها، ولا حلول سوى دفع كميات كبيرة من الدولار بالسوق.
وقالت عضو اللجنة المالية البرلمانية، نجيبة نجيب، في تصريح خاص إن "المصرف المركزي ووزارة المالية والمعنيين بالدولة عقدوا، أمس، اجتماعاً طارئاً لبحث موضوع انخفاض قيمة الدينار، واتخذوا حزمة قرارات ستكون كفيلة بدعم قيمة العملة المحلية، وخفض سعر صرف الدولار".
اقرأ أيضاً: تجار عراقيون يحتجّون على تدهور الدينار
وأوضحت نجيب أن من "أهم تلك القرارات زيادة عرض الدولار في الأسواق"، مبينة أن ذلك يطبق اعتباراً من اليوم الخميس لتغذية الطلبات المقدمة لشراء الدولار من قبل الشركات والتجار والمصارف، كما سيقبل المصرف المركزي أي طلب شراء آخر بعد أن كان يقيد ذلك".
لكن مصدراً مطلعاً في المصرف المركزي، أكد لـ"العربي الجديد" أن خيار زيادة المعروض من العملة الأميركية في الأسواق قد يكون متعذراً، لأن العراق لم يتسلم أصلاً مبالغ عائداته النفطية عن الشهر الماضي، وهناك التزامات بصفقات تسليح عقدها مؤخراً.
ويعاني العراق المنتج للنفط، من أزمة مالية حادة، بسبب تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية وارتفاع كلفة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، الذي يسيطر على مساحات واسعة من شمال وغرب العراق.
ووفق البيانات الرسمية، فإن الموازنة العراقية للعام الحالي 2015، تبلغ نحو 105 مليارات دولار، مسجلة عجزاً بنحو 21 مليار دولار، وسط توقعات ببلوغها 40 مليار دولار في ظل استمرار التردي الاقتصادي للبلاد.
وتسبب التهاوي في العملة العراقية، في تظاهر المئات في منطقة جميلة الصناعية بمدينة الصدر شرقي بغداد، بينهم أصحاب محلات تجارية، رافعين لافتات تتهم من وصفوهم بـ"سراق الخبز سراق العراق" بالوقوف وراء الأزمة الحالية.
وقال هاني عبد الواحد (36 عاماً) أحد المتظاهرين والذي يعمل في القطاع التجاري، إننا "تظاهرنا لأننا نعلم أن ارتفاع الدولار وانهيار الدينار غير بريء، ومنظم من قبل حفنة لصوص تجدهم بالنهار في السوق التجارية وبالليل في المنطقة الخضراء ومقرات الحكومة، ولن نسكت على سرقة خبز أطفالنا".
وبحسب التجار المتظاهرين، فإن وضع السوق تدهور خلال الأسبوع الماضي، والعديد من التجار أوقفوا أعمالهم بسبب تذبذب سعر صرف الدينار أمام العملة الأميركية، مشيرين إلى أن كلفة استيراد البضائع من الخارج ارتفعت بنحو كبير، لأنه يجري جلبها بالدولار.
وتزامنت التظاهرة مع اضطراب واضح في السوق العراقية، وضعف حركة المواطنين على شراء المواد الخاصة بشهر رمضان، فيما أصدر رجال دين فتوى تحرم على التجار رفع أسعار بضائعهم والإبقاء عليها كما قبل انهيار العملة، كونها بضائع قديمة اشتروها بسعر صرف منخفض.
وبحسب متابعين للأسواق، فإن أسعار السلع المستوردة بكافة أنواعها الغذائية والإنشائية والكهربائية وغيرها تشهد ارتفاعاً غير مسبوق يصل إلى 10%، مقارنة مع الأسعار التي كانت سائدة قبل نحو شهرين.
ووصف الخبير الاقتصادي، محمد الهاشمي، في تصريح خاص، ما يحدث للعملة المحلية من تراجع "لعبة من دواعش السياسة والاقتصاد بالعراق"، قائلاً إن "عملية إذلال الدينار العراقي مستمرة وهناك مستفيدون بالطبع من الحكومة والشركات النفطية الأجنبية والتجار المتعاملين مع إيران".
ويعاني العراق من فساد متراكم، بحسب برلمانيين وجهات دولية. وكان تقرير لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2014، قد ذكر أن العراق يحتل المرتبة السادسة من بين الدول الأكثر فساداً في العالم.
وبحسب تقارير للجنة المالية في مجلس النواب العراقي، فإن حجم الفساد المالي الذي تم فقط خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي خلال نحو 8 أعوام حتى منتصف 2014، بلغ 109 مليارات دولار.
اقرأ أيضاً: العراق يرفع مبيعات الدولار للمصارف الخاصة