رغم حرصه على حضور جميع المناسبات والتظاهرات، سواء رياضية أو سياسية، إلا أن بائع الأعلام في مصر يحتفظ بانتمائه لنفسه، ولا يعلن عنه نهائياً، ودائماً يتلوّن بلون الاحتفالية أو التظاهرة التي يحضرها ليضمن مبيعات جيدة.
وشهدت تجارة الأعلام في مصر رواجاً كبيراً منذ انطلاق شرارة ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، لكنها شهدت بعض التراجع في العامين الأخيرين، في ظل انحسار الفعاليات السياسية في الشارع، فيما كان لعودة النشاطات الرياضية بين الفرق الكبرى دور بارز في تحريكها بين الحين والآخر.
حسين خالد، الذي يعمل في بيع الأعلام، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يتابع أخبار التظاهرات والاحتفالات ومباريات كرة القدم، ليعرف من خلالها أماكن التجمعات لبيع بضاعته، التي تتمثل في أعلام أو مزامير أو لافتات وشارات ليربح جنيهات قليلة تتفاوت حسب الفعالية التي يحضرها وكمية المبيعات.
ويوضح خالد، البالغ من العمر 26 عاماً، أن الاحتفال بافتتاح مجرى جديد لقناة السويس، يوم الخميس الماضي، لم يُلبِّ طموحات بائعي الأعلام، نتيجة قلّة أعداد المحتفلين، بسبب ارتفاع درجة حرارة الطقس من جهة، وعدم تفاعل المواطنين معها من جهة أخرى.
لكنه يستدرك "إنها أفضل حالاً من الأيام العادية، رغم عدم بيع كميات كبيرة من البضائع التي كنا نبيعها في مناسبات مماثلة".
خالد، الحاصل على شهادة متوسطة في التعليم الصناعي، يشير إلى أنه يعمل في تجارة الأعلام منذ ثورة يناير.
ويأمل خالد في أن يجد عملاً آخر يدر عليه دخلاً يكفيه ليترك هذه المهنة، التي شح رزقها على حد وصفه، خاصة أن المواطنين ما عادوا متفاعلين مع الأحداث كما كان في السابق.
ويقول "في الأيام التي لا توجد فيها تظاهرات أو فاعليات، أتجه للمناسبات الخاصة بالطوائف الصوفية، التي يتم فيها بيع المزامير فقط دون الأعلام أو الملصقات والقبعات".
يتذكر خالد أحداث ثورة يناير وما تبعها من فاعليات وأيام تولّي المجلس العسكري حكم البلاد في فترة انتقالية قبل إجراء أول انتخابات رئاسية بعد الثورة والتي فاز فيها الرئيس محمد مرسي، وكذلك فترة حكم الإخوان المسلمين وما شهدتها من تظاهرات مليونية شبه يومية، ويصفها بالفترة الذهبية بالنسبة لتجارته.
اقرأ أيضاً: "دليفري".. مهنة كثيرة الأرباح والمخاطر في مصر
ويقول "الفترة الذهبية التي يتحسر عليها كل البائعين الجائلين وبائعي الأعلام على وجه الخصوص هي منذ ثورة يناير وحتى نهاية حكم الرئيس محمد مرسي"، مشيراً إلى أنه باع كميات كبيرة من الأعلام والمزامير والقبعات والملصقات في ميادين القاهرة المختلفة، سواء في ميدان التحرير أو مصطفى محمود أو طلعت حرب ورمسيس.
ولا يتحرّج خالد من تملّق المتظاهرين ويصبغ نفسه بصبغة التظاهرة أو الاحتفالية، قائلاً "كنت أبيع في ميدان التحرير أعلام مصر والملصقات المطالبة برحيله (مبارك)، وبعد أن تم التضييق على المتظاهرين في الأيام الأولى للثورة من جانب قوات الأمن في التحرير، ذهبت إلى ميدان مصطفى محمود، حيث كان أنصار الرئيس المخلوع حسني مبارك، وكنت أبيع صوره مع الأعلام أيضاً رغم عدم اقتناعي به، لكن الرزق قد يجبرك على ما لا تحب، وبعد عودة التظاهرات مرة أخرى رجعت إلى ميدان التحرير وكنت أبيع صور الشهداء الذين ماتوا في الثورة".
ويشير إلى أنه في مباريات كرة القدم يكون منتمياً إلى فريق الأهلي أو الزمالك، قطبا كرة القدم في مصر، وذلك حسب الزبائن أيضاً.
يشتري خالد، الذي يسكن في حي شبرا، شمال القاهرة، بضاعته من تجار الجملة بمنطقة الموسكي والعتبة وسط العاصمة، أحياناً يدفع ثمنها نقداً وأحياناً أخرى يشتريها بالأجل، وغالباً ما تكون البضاعة عبارة عن أعلام وقبعات في الصيف وغطاء رأس في الشتاء، وكلها بألوان علم مصر، ويشتري أيضاً مزامير تصدر أصواتاً مرتفعة أو ملصقات أو قمصاناً مرسوم عليها علم مصر أو صور لزعماء أو رؤساء أو لاعبي كرة قدم، حسب الفاعلية التي يحضرها.
ويلفت إلى أنه منذ الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم تشهد مصر أي فعالية تذكر، مؤكداً أنه يتحاشى التظاهرات التي ينظمها مؤيدو الرئيس السابق محمد مرسي، لما فيها من مخاطر قد تودي بحياته، نتيجة للقمع الشديد التي توجهه الشرطة نحوها وغالباً ما تشهد عدداً كبيراً من القتلى.
وبحسب حميد صفا، نائب رئيس شعبة الخردوات ولعب الأطفال في الغرفة التجارية بالقاهرة، فإن أكبر نسبة مبيعات للأعلام كانت في عامي 2011 و2012، حيث قدّرها البعض بنحو 100 مليون جنيه (12.8 مليون دولار)، مضيفاً أن هذا الرقم انخفض بأكثر من 80% خلال عامي 2014 و2015.
اقرأ أيضاً: ناقل الفقراء..ملاذ الركاب في عشوائيات مصر