أثار الاعتراف الإسرائيلي الرسمي، اليوم الأربعاء، بعملية قصف المفاعل السوري في دير الزور، التي أطلق عليها اسم "أريزونا"، عدة "معارك داخلية" في حرب الجنرالات الإسرائيلية حول من صاحب "الفضل" في العملية وتنفيذها، ومن صاحب "الفضل" في توفير الأدلة على وجود المفاعل السوري في دير الزور.
وكشف أهم ما سمح بنشره اليوم في وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن الصراع داخل الكابينت السياسي الأمني المقلص، بين رئيس الحكومة الأسبق، إيهود باراك، الذي شغل خلال المداولات الأخيرة التي سبقت تنفيذ العملية منصب وزير الأمن، وبين رئيس الحكومة آنذاك إيهود أولمرت.
وتبين أن إيهود باراك حاول مع اقتراب موعد العملية، تأجيل تنفيذها، بحجة أن أمام إسرائيل متسعا من الوقت، محاولاً "تسفيه" رأي أولمرت، الذي لا يملك هالة أمنية ولا رصيدا عسكريا خلافا لباراك، والادعاء بأنه لا حاجة ملحة لتنفيذ العملية، فيما كان أولمرت وقادة الجيش يسعون إلى تسريع تنفيذ العملية خوفا من تحول المفاعل، بحسب التقارير الإسرائيلية، إلى مفاعل نشط لا يمكن المخاطرة بضربه.
وبحسب ما نشرت وسائل الإعلام المختلفة، فقد حاول باراك، مستغلا صلاحيته كوزير أمن، منع الجنرال الإسرائيلي، عيدو حيشن، من تقديم استعراض أمام الكابينت السياسي الأمني، وإصدار أمر عسكري له بذلك، لكن أولمرت أصرّ على أن يواصل الجنرال تقديم إيجازه للوزراء، فيما ادعى باراك أنه لا يزال هناك متسع من الوقت، ومن ثم ألقى قنبلته السياسية أنه "حتى لو تحول المفاعل في سورية إلى مفاعل نشط، فإنه يمكن عندها تفجيره، مهما كانت النتائج".
وكان باراك على استعداد، بحسب ما أقره وزراء في الكابينت، ونقل عن مسؤولين في المؤسسة الإسرائيلية، يسعى بشكل واضح إلى تأخير العملية، نظرا لاقتراب نشر الجزء الثاني من تقرير لجنة التحقيق الرسمية في أسباب فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، بعد أن كان الجزء الأول من التقرير قد حمّل أولمرت ووزير الأمن خلال العدوان، عمير بيرتس، مسؤولية شن حرب متسرعة قبل إعداد الجيش جيدا.
واتضح مما نشرته الصحف ووسائل الإعلام أن باراك كان يعول في تأخير العملية على صدور التقرير المذكور، مما يعني انتخابات جديدة، تمكّنه عندها، في حال فوزه، من نسب الفضل في العملية كلها لنفسه، وعدم الاكتفاء بدوره كـ"رجل ثانٍ"، لكونه وزيرا للأمن.
ووفقا لوسائل الإعلام، فإن موقف باراك يعكس عمليا معتقداته في تلك الفترة أن "كل شيء مباح في الطريق للوصول إلى كرسي رئاسة الوزراء"، حتى لو جاء ذلك من خلال تأجيل عملية قصف المفاعل السوري بعد أن أصبح فاعلا، مما كان سيسبب بفعل الإشعاع الذري عندها مقتل آلاف السوريين، ناهيك عن تعريض حياة عشرات الآلاف منهم للخطر، ولا سيما ولادة أجيال كاملة مشوهة بفعل الإشعاع النووي في شرق سورية.
في المقابل، أبرزت الصحف ووسائل الإعلام الحرب التي دارت بين جهاز "الموساد" الإسرائيلي، حيث أعلن رئيسه السابق، تمير باردو، اليوم، أنه "لولا "الموساد" لما كانت إسرائيل عرفت أصلا بخطط بناء المفاعل السوري، وأنه بدون اختراق غرفة رئيس لجنة الذرة السورية، إبراهيم عثمان، أثناء مشاركته في مؤتمر وكالة الطاقة الذرية الدولية في فيينا في السابع من مارس/آذار 2007، لما تيقنت إسرائيل من أمر المفاعل"، معتبرا أن ذلك يؤكد "الإخفاق الكبير لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان)، التي لم تعرف بأمر المفاعل السوري طيلة ثلاث سنوات بين بدء العمل به عام 2004 واكتشاف أمره في العام 2007".
في المقابل، ادعى رئيس شعبة الاستخبارات حينها، عاموس يادلين، الذي يشغل اليوم منصب مدير مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أنه لولا دراسة وضعها رقيب في قسم الأبحاث التابع للشعبة، وأشار فيها إلى أن "شيئا غريبا يجري في دير الزور يثير الشكوك بأن سورية تبني مفاعلا نوويا، لما تم لفت الأنظار والجهود لمعرفة ما يحدث هناك"، خصوصا أن إسرائيل كانت فوجئت بالاتفاق الأميركي والبريطاني مع نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا عام 2003 بشأن نزع الترسانة النووية لليبيا، وهو ما أثار شكوكا باحتمال وجود نشاط مشابه في دول أخرى في المنطقة غير إيران.