يبدو أن باكستان حسمت أمرها بترحيل اللاجئين الأفغان، علماً أن الحكومة الأفغانية أعربت عن قلقها حيال هذا الأمر، مطالبة إياها بتأجيل قرارها حتى الربيع المقبل. وتواصل باكستان حملات الاعتقال في صفوف اللاجئين. بعد الهجوم الدموي على مدرسة لأبناء العسكريين في مدينة بيشاور (عاصمة إقليم خيبر بختونخوا) في 16 شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي أدى إلى مقتل نحو 150 شخصاً معظمهم من أبناء المدرسة، قررت الحكومة الباكستانية ترحيل اللاجئين الأفغان ضمن سلسلة خطوات احترازية اتبعتها للحد من الانفلات الأمني.
وفي وقت قررت الحكومة المحلية في الإقليم، التي يتزعمها عمران خان المعارض لرئيس الوزراء نواز شريف، ترحيل جميع الأفغان المسجلين لدى الحكومة وغير المسجلين، شددت الحكومة المركزية على ترحيل اللاجئين غير المسجلين فقط، ويبلغ عددهم نحو مليون ونصف مليون لاجئ، وعدم تمديد فترة إقامة اللاجئين المسجلين التي تنتهي خلال العام الحالي.
ويؤكد وزير الشؤون الإقليمية والحدودية الباكستاني عبد القادر بلوش أن الحكومة تعتزم إعادة كافة اللاجئين الأفغان بشكل يحفظ كرامتهم، لافتاً إلى أن القرار يقتصر على اللاجئين الذين يعيشون بطريقة غير شرعية. ويرى أن وجود اللاجئين بات يشكل عبئاً على الاقتصاد الباكستاني، علماً أن المجتمع الدولي كان قد وعد بتقديم 600 مليون دولار للبلاد، لكنه لم يدفع إلا مائة مليون، وصار على البلاد تحمل عبء ثلاثة ملايين لاجئ.
وعلى الرغم من تأكيد الحكومة الباكستانية عدم لجوئها إلى العنف في التعامل مع اللاجئين الأفغان، إلا أن شرطة إقليم خيبر بختونخوا، تشن حملات اعتقال متواصلة ضد اللاجئين. وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن 22 ألف أسرة رحلت من باكستان في شهر يناير/كانون الثاني الماضي. فيما رحّلت الشرطة الباكستانية عبر نقطة طورخم الحدودية 1500 لاجئ غير مسجلين لدى الحكومة.
كذلك، أطلقت قوات الأمن الباكستانية حملات أمنية مكثفة في مختلف مناطق مدينة كراتشي (جنوبي البلاد)، واعتقلت مئات اللاجئين خلال الأيام الماضية. ويشير رئيس نقابة اللاجئين في المدينة الحاج عبيد الله إلى أن "اللاجئين الأفغان يعيشون في وضع مأسوي للغاية، وتمارس الشرطة الباكستانية العنف بحقهم".
وتعليقاً على وضع اللاجئين في مدينة كراتشي، يوضح القنصل الأفغاني محمد سعيد أن "طريقة معاملة الشرطة الباكستانية للاجئين الأفغان تؤثر سلباً على مئات الطلاب الذين يدرسون في الجامعات، وقد اعتقلت الشرطة عدداً كبيراً منهم". يضيف أن القنصلية الأفغانية تقدمت بشكوى إلى الجهات المعنية في باكستان.
في السياق، يحكي أحد اللاجئين في مدينة بيشاور، ويدعى محمد ماجد (28 عاماً)، عن تعرض أسرته لمداهمة ليلية شنتها قوات الأمن الباكستانية في منطقة أرباب رود وسط المدينة. يقول: "كنا نائمين في المنزل عندما داهمت الشرطة منزلنا واعتقلتني وأخي"، مضيفاً أنه عانى كثيراً بعدما رحلتهما الشرطة إلى أفغانستان عبر نقطة طورخم الحدودية. يضيف أن والده قرر العودة إلى أفغانستان نهائياً، لكنه قلق حيال تعليم أولاده، بالإضافة إلى البرد القارس، لافتاً إلى أن أسرته تحتاج إلى بناء بيت جديد في أفغانستان.
وكان السفير الأفغاني لدى باكستان جانان موسى بذل جهوداً حثيثة لإقناع السلطات الباكستانية بإرجاء قرار ترحيل اللاجئين غير المسجلين حتى الربيع المقبل، بعدما توفي عدد من الأطفال بسبب البرد. إلا أن الحكومة الباكستانية مصممة على تنفيذ قرارها، وعدم تمديد فترة إقامة اللاجئين المسجلين التي تنتهي خلال العام الجاري.
وكانت "حركة الإنصاف" التي يتزعمها عمران خان، أعلنت في بيان أن الحكومة المحلية ستغير استراتيجيتها حيال اللاجئين الأفغان، مشيرة إلى أنها لن تمارس العنف بحقهم، على أن تبحث عن حل عادل للقضية.
وفي وقت سابق، لفت وزير المهاجرين في الحكومة الأفغانية سيد حسين عالمي بلخي، إلى أن الحكومة الأفغانية ترغب في عودة النازحين، غير أنها تطلب من باكستان أن يتم الأمر بالتوافق بين الدولتين.
وكان خمسة ملايين لاجئ أفغاني قد هربوا إلى باكستان عقب الاحتلال السوفياتي لبلادهم عام 1979، وقد عاد نحو مليونين منهم إلى البلاد، فيما ما زال نحو ثلاثة ملايين يعيشون في باكستان، نصفهم فقط مسجلون لدى الحكومة.