باكستان وطالبان في مواجهة أميركا وأفغانستان

26 يناير 2018
قُتل 25 شخصاً في تفجير كابول (نورالله شيرزاده/فرانس برس)
+ الخط -

بعد الهجوم الدموي على فندق "إنتركونتيننتال" في العاصمة الأفغانية كابول، يوم الأحد الماضي، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 25 أجنبياً بينهم أميركيون، طلبت الولايات المتحدة من باكستان إخراج واعتقال قيادات طالبان المتواجدين لديها. واعتبرت واشنطن أن "طلبها واضح ولا مناص لإسلام آباد سوى الرضوخ له"، خصوصاً أن الاستخبارات الأفغانية ذكرت أن "المهاجمين كانوا على تواصل دائم عبر الهاتف مع قيادي في الحركة في باكستان"، وبثت مكالمات صوتية في هذا الصدد.

مع ذلك، فإن إسلام آباد وطالبان، تجاهلتا المطلب الأميركي، وأعلنت حركة طالبان أن "وفداً من قيادييها، وهم أعضاء مكتب الدوحة، زاروا أخيراً باكستان، للنقاش مع القيادة الباكستانية في أبعاد المصالحة الأفغانية وقضايا محط اهتمام الطرفين. والوفد مؤلف من المولوي شهاب الدين دلاور، والمولوي سيد رسول حليمي، والمتحدث باسم مكتب الدوحة سهيل شاهين، وقاري دين محمد ورئيس الوفد جان محمد".

وبدا واضحاً أن الإعلان عن زيارة تمّت قبل أسبوع ليس أمراً روتينياً، بل رسالة إلى السعاة للقطيعة بين طالبان وباكستان، كما أن الطرفين أرادا من خلال هذا الإعلان جعل العلاقة بينهما علاقة رسمية وعلنية، في تحدٍّ بارز للمطلبين الأميركي والأفغاني. كما صبّ الإعلان في سياق الردّ على جهود تركية أفغانية في سبيل المصالحة الأفغانية، مع عقد الأسبوع الماضي الاجتماع الثالث في إسطنبول في هذا السياق. وهمّش الاجتماع دور باكستان، ونفت طالبان أن يكون القياديون الذين شاركوا فيها ممثلين لها. وبات معتاداً أنه كلما شدّدت واشنطن إجراءاتها ضد إسلام آباد وتكرر مطالبها، رفضت الأخيرة سياساتها، تحديداً تلك المتعلقة بمصالحها في المنطقة.
وفي مطلع شهر يناير/كانون الثاني الحالي، أعلنت واشنطن وقف الدعم العسكري لإسلام آباد، بدعوى إيوائها قيادات وعناصر الجماعات المسلحة الناشطة في أفغانستان، تحديداً طالبان. وهددت بـ"اتخاذ خطوات أخرى إذا ما رفضت اسلام آباد مطلبها بالقضاء على مراكز المسلحين". حينها أعرب المسؤولون في باكستان عن خشيتهم من احتمال "قيام واشنطن بأعمال مسلحة داخل الأراضي الباكستانية".



وكانت جماعات دينية وسياسية، تابعة لمنظمة "الدفاع عن باكستان"، ومعظمها مقرّبة من الاستخبارات الباكستانية، ندّدت بالقرار الأميركي، واعتبرت أن "الكثير من الباكستانيين يشاركون في القتال في أفغانستان". ولمّح القياديون فيها أثناء خطاباتهم إلى أن "ما يحدث في أفغانستان جهاد شرعي ومشروع كفاح".

كما فاجأت السلطات الباكستانية الجميع بقرار الإفراج عن زعيم روحي لطالبان باكستان، هو المولوي صوفي محمد، صهر زعيم الحركة المولوي فضل الله. وأثار إعلان الإفراج بالكفالة تساؤلات كبيرة، لا سيما أن الرجل قال في أول تصريح له إن "أي عمل ضد الجيش الباكستاني أمر مخالف للشرع". ومحمد كان أبا الحراك الديني في شمال غربي باكستان، والذي نجمت عنه حركة طالبان باكستان. كما أنه الأول على قائمة المطلوبين لدى باكستان. وبدا أن باكستان وجّهت من خلال هذا الإجراء رسالة إلى واشنطن، مفادها بأن "ممارسة الضغوط المتزايدة عليها لا جدوى ورائها، وأن بيدها بطاقات تستخدمها في الوقت المناسب"، خصوصاً في ظلّ الاستراتيجية الأميركية الجديدة، والهادفة لإحلال الهند مكان باكستان.

وإزاء كل هذا، أثار هجوم طالبان على فندق "إنتركونتيننتال" تساؤلات كبيرة حول أداء القوات الأفغانية والأميركية واستياء الجميع، بعد أن أدى إلى مقتل عدد كبير من الأجانب بينهم أميركيون، كما أعلنت الخارجية الأميركية. والجديد في هذا الهجوم حديث منفذي الهجوم عبر الهاتف مع قيادي في الحركة وبشكل مطول. وحصل تساؤل عما إذا كان الحديث بين قيادي في الحركة في باكستان وبين منفذي الهجوم الذي أذاعته الاستخبارات الأفغانية، حصل عمداً لتوجيه رسالة خطيرة، أم جاء من دون قصد؟



في هذا الصدد، أفادت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، سارا ساندرز، بأن "واشنطن ستطلب من باكستان اعتقال قيادات طالبان وإخراجهم من أراضيها، والقضاء على الجماعات التي تستخدم أراضيها ضد أفغانستان"، منوهة إلى أن "واشنطن واقفة بجانب القوات الأفغانية حتى القضاء على المسلحين وإحلال الأمن في هذه البلاد".

ورأى مراقبون أن "الساحة السياسة الأفغانية لم تختلف كثيراً عن الساحة الأمنية، فهناك غموض كبير في الأزمة بين الحكومة الأفغانية وبين الجمعية الإسلامية بعد أن رفض الأمين العام للجمعية، عطاء محمد نور، وهو حاكم إقليم بلخ، التنحي عن منصبه رغم إقالته من قبل الحكومة قبل أكثر من شهر. كما أن هناك حراكاً ضد الحكومة في البرلمان بسبب بطاقات الهوية. علاوة على حصول اجتماعات معارضة للرئيس أشرف غني في الشرق وفي الجنوب وجنوب الغرب والشمال".

وعلق المراقبون على ذلك بأن "الهدف من كل تلك التحركات هو الوقوف في وجه سياسات الحكومة. ولا يمكن على أية حال إبعاد دور باكستان عما تشهده الساحة السياسية الأفغانية. كما أن هناك تنسيقا استخباراتيا روسيا إيرانيا باكستانيا، لأجل تقويض سياسات أميركا في أفغانستان والحفاظ على مصالحها".

أما الخيارات لدى واشنطن فهي مواصلة الضغط على باكستان سياسياً وأمنياً، واستهداف المسلحين من خلال غارات لطائرات من دون طيار وآخرها كان يوم الأربعاء الماضي في مقاطعة أوركزاي، حيث قتل قيادي في شبكة حقاني وطالبان ناصر محمود. كما أن من غير المستبعد قيام القوات الأميركية بعمليات مباشرة داخل الأراضي الباكستانية، حسبما ذكر مسؤولون في باكستان. وبيد الولايات المتحدة ورقة "تحريك الجماعات المسلحة المناهضة لطالبان المنشقة عنها، لأجل تقويض نفوذ طالبان في الساحتين السياسية (المصالحة) والعسكرية".