بحر ملوث

03 اغسطس 2018
مصب مياه آسنة في بحر كورنيش المنارة (حسين بيضون)
+ الخط -
بحر لبنان ملوث. لا، بحر لبنان غير ملوث. المصدر العلمي يؤكد أنّ في البحر نقاطاً ملوثة ونقاطاً غير ملوثة. يكثر الجدال وتُرمى حبائله إلى غارقين في الشبكات الإلكترونية المختلفة، حتى تشعر أنّ بعضهم لا يفعل شيئاً طوال نهاره وليله غير الإدلاء برأيه؛ ذلك الرأي القيّم الخبير الرصين المفيد أحياناً، والمبتذل في معظم الأحيان... والجميع باتت له صفة "ناشط" تسبق اسمه.

البحر في لبنان، هو البحر الأبيض المتوسط نفسه، الذي يغرق فيه مئات الحالمين بغد أوروبي أفضل. بعضهم أبحر من لبنان بالذات وضاع أثره بعدما ابتلعه البحر بالذات، أو ابتلعه ذلك الحلم الأوروبي، فغاب فيه ونسي لبنان وبحره.

وقبل الحديث عن تحاليل واختبارات وأرصاد، يلاحظ اللبنانيون نفايات منوعة في مياه البحر وعلى شاطئه في كثير من المناطق، ويتنشق اللبنانيون روائح كريهة عند المرور على الساحل قرب مطار بيروت، ويشاهدون مصبات المياه الآسنة تحمل كلّ أوساخ العاصمة بيروت تصب على الرملة البيضاء وكورنيش المنارة وغيرهما، من دون التطرق حتى إلى مكبات ومطامر النفايات المنشأة قديماً وحديثاً على الشاطئ وبالقرب منه، ومن دون الحديث عن المسالخ وبقاياها، والمصانع التي تستخدم المواد الكيميائية، وخزانات النفط، وشركات توليد الكهرباء، أو حتى طمر البحر في أعقاب الحرب الأهلية.

هي قضية خطيرة، مثل كلّ قضية تمسّ صحة المواطن. لكن، لا السلطة تعترف بمواطنية هذا المواطن، ولا المواطن نفسه يتعامل على أساس الحقوق والواجبات؛ هو لا يعرف الكثير عن حقوقه أساساً فإذا تأمّن له الحصول على أحدها بشكل ما، ظنّه إكرامية توهب إليه، أما واجباته فيحاول ما أمكنه التملّص منها، إذ لا يعرف معنى لها غير العقوبة بمختلف أشكالها في حال ضبطه يتخلف عن أدائها.




هي قضية خطيرة ليس فقط لأنّها تمسّ صحة المواطن اللبناني، بل لأنّ البحر ليس ملكاً للبنان وحده. هذا البلد الصغير لطالما كان مصدراً للمشاكل التي تتأثر بها دول الجوار، وصولاً في هذه الحالة إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسط من آسيا إلى أفريقيا وأوروبا. وكأنّه بذلك يحاسب كلّ من يتدخل فيه اجتماعياً وسياسياً، ويعاقبه على تاريخه المنقسم على نفسه مراراً وتكراراً وهوية شعبه المتشتتة الانتماءات من دون انتماء واحد أوحد إلى الوطن.

هي قضية خطيرة بالفعل، لكنّها مجرد قضية أخرى تتناقلها وسائل الإعلام وتُرمى إلى أولئك الناشطين، حتى ينتهوا منها فينتقلون إلى قضية جديدة وجدال آخر. لكنّهم إذ انتهوا من تلوث البحر، لم ينتهِ التلوث، بل هو باقٍ بقاء أهل السلطة في لبنان.