وقدّم بدر العساكر، والذي يعدّ أحد أهم ثلاثة مستشارين يثق بهم محمد بن سلمان، نفسه إلى الإعلام الغربي وإلى المؤسسات المدنية ومجتمع ريادة الأعمال العالمي، كرجل متعلم ومتزن داخل دهاليز أروقة الحكم السعودي، التي تميزت بالطيش واتخاذ القرارات الارتجالية على يد المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، والمستشار الآخر تركي آل الشيخ، وعدد من الدبلوماسيين الموالين لولي العهد.
لكن تبيّن أنّ العساكر تورّط في فضيحة تجسس تعدّ الأكبر في تاريخ البلاد، وساهمت في مزيد من تشويه صورة بن سلمان، بعد مقتل الإعلامي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، واعتقال وتعذيب المئات من الناشطين والناشطات داخل السجون السعودية.
وبينما كان ولي العهد السعودي يتذرع بوجود "فرقة مارقة" قامت بتنفيذ عملية اغتيال خاشقجي وتقطيع جثته، فإنه يجد نفسه في وضع محرج للتبرؤ من أفعال العساكر التي تسببت بحسب معارضين سعوديين، بمقتل أحد المغردين وهو تركي الجاسر، صاحب حساب "كشكول" الذي كشف موظفا "تويتر" المتآمران مع النظام السعودي عن هويته.
وتعرّف العساكر على الأمير محمد بن سلمان عام 2006 أثناء اجتماع لغرفة التجارة في العاصمة السعودية الرياض، بحسب ما رواه العساكر بنفسه للإعلامي السعودي عبد الله المديفر في برنامج "الليوان"، إذ كان الأمير الشاب قد بدأ تواً في العمل بالتجارة والاستفادة من نفوذ والده الذي كان أمير الرياض حينها لمضاعفة ثروته.
وتطورت العلاقة ليصبح العساكر وكيلاً تجارياً للعائلة ومشرفاً على مؤسسات سلمان بن عبد العزيز وابنه، التي بدأت تتنامى وتكبر ابتداءً من سلسلة المدارس الخاصة التي يمتلكها الأمير والتي تعدّ الأرقى على مستوى البلاد، وانتهاءً بشركات التطوير العقاري الضخمة وأهمها شركة "رافال" التي حولت بن سلمان إلى أحد أهم رجال الأعمال في البلاد.
كما يدير العساكر أصول وثروات بن سلمان ووالده في الخارج، إذ تكرر اسمه بشكل كبير في عدد من الوثائق التي تشير إلى بذخ حياة بن سلمان في شرائه للقصور واليخوت واللوحات الفنية الغالية.
وبعد تولّي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد مطلع عام 2015، وتعيين نجله محمد كوزير للدفاع، وتوليه الملفات الاقتصادية والسياسية الكبرى، بدأ العساكر مهمته في بناء فريق إعلامي يروج للأمير الشاب ويحاول تلميع صورته في الطريق لإيصاله إلى كرسي ولاية العهد ومن ثمّ إلى كرسي الحكم، وذلك عبر مؤسسة "مسك" الخيرية التي استقطبت مئات الإعلاميين والمشاهير الشباب، وقامت بعقد مبادرات ضخمة، حتى وُصفت من قبل الإعلام السعودي بأنها "ذراع ناعمة" للمملكة.
لكن خلف الذراع الناعمة هذه، كانت هناك قبضة من حديد، إذ تبين أنّ مؤسسة "مسك" كانت واجهة لاستخدامات تجسسية ضد الآلاف من الحسابات المعارضة للرياض أو الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله؛ إذ نجح أحمد الجبرين المطيري بتجنيد اللبناني الأميركي أحمد أبو عمو والسعودي علي آل زبارة للتجسس والوصول إلى أكثر من 6 آلاف حساب على موقع "تويتر" مقابل مكافآت مالية وهدايا قيمة، كما أثبتت تحقيقات المكتب الفيدرالي الأميركي، عقب اعتقال أبو عمو ووضع آل الزبارة والجبرين على قوائم المطلوبين.
وتسلّل الموظفان اللذان يأتمران بأمر بدر العساكر إلى حسابات عدد من المعارضين السعوديين، من أبرزهم المعارض الشاب المقيم في كندا عمر بن عبد العزيز الزهراني، والذي كان مقرباً من جمال خاشقجي. كما تسببت العملية التجسسية التي رعاها العساكر، بكشف بيانات واعتقال الكاتب تركي الجاسر والذي تقول منظمات معارضة وصحف غربية أبرزها صحيفة "مترو" البريطانية، إنّه تعرض للقتل داخل السجون السعودية بسبب إدارته لحساب وهمي معارض اسمه "كشكول".
ونجح العساكر في بناء فريق تقني قوي، شبيه بالذباب الإلكتروني الذي قام المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني ببنائه. لكن العساكر بقي طوال الوقت حذراً وغير مندفع كما هو الحال مع القحطاني، إذ كان يخفي نشاطاته بواجهة تطوعية وخيرية كبيرة وهي مؤسسة "مسك" الخيرية. كما أن لغة خطابه وعدم اندفاعه، وتعاونه مع كبرى المؤسسات التعليمية والأكاديمية في العالم، وإشرافه على زيارات بن سلمان لكبريات الشركات العالمية، أدت إلى بروزه بصورة المستشار الذي يمكن الاعتماد عليه والتحاور معه.
لكن الأمور لم تكن كذلك أبداً، بحسب مصدر إعلامي كان مقرباً من مؤسسة "مسك"، أشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ العساكر كان يملك فريقه التقني الخاص، والذي يتجسس به على المغردين ويتعامل مع جهاز أمن الدولة المرتبط أصلاً بمكتب بن سلمان الذي يديره العساكر بنفسه؛ ما يعني أنّ الأخير يساهم بشكل كبير في إدارة جهاز أمن الدولة سيئ الصيت، وتسبب بمقتل واختفاء الكثير من المعتقلين.
وقال المصدر، الذي سبق له أن عمل في جائزة الملك عبد العزيز للأدب الشعبي، وهي جائزة يشرف عليها بن سلمان أيضاً، إضافة إلى أنه كان مقرباً من العساكر بشكل شخصي حسب وصفه، إنّ الأخير "أذكى بكثير من القحطاني". وأضاف: "كان العساكر أقلّ اندفاعاً وأكثر جاذبية وابتسامة، ولم يكن على وفاق مع القحطاني بسبب اتباع الأول للأساليب الأمنية السعودية القديمة في الاعتقال والتجسس بدون إثارة ضجة كبرى، فيما كان القحطاني مندفعاً بشكل كبير. وهو ما جعل العساكر يتوقف عن الدفاع عن الهجمات المتكررة على القحطاني في الإعلام العالمي على الرغم من مقدرته على الحد منها بسبب علاقاته الواسعة".
وأكّد المصدر، الذي تحدث مطولاً لـ"العربي الجديد" عن كواليس نفوذ المستشارين داخل أروقة حكم بن سلمان، وجود خلافات كبيرة بين جناحين: جناح القحطاني وجناح العساكر؛ إذ إنّ الذين يعملون تحت إمرة الأول لا يمكنهم العمل مع الثاني إلا إذا طلبهم ولي العهد بالاسم، بالرغم من أنّ القحطاني كان عضواً في مؤسسات محمد بن سلمان الخيرية التي يشرف عليها العساكر بنفسه.
ولفت المصدر إلى أنّ العساكر كان يحاول تصوير القحطاني وتركي آل الشيخ على أنهما "اليد القذرة"، وأنه يترفع عن الإتيان بأفعالهما، لكن أي شيء من هذا لم يكن صحيحاً.
ولم يمهل الوقت بدر العساكر، حينما تنفس الصعداء بسبب إبعاد القحطاني من المشهد وتقليص صلاحياته بشكل كبير نتيجة ثبوت تورطه بقتل جمال خاشقجي، حتى جاءت فضيحة التجسس تلك، والتي قد تؤدي إلى اتهامه بشكل مباشر بمقتل الصحافي تركي الجاسر، لكنها بحسب المعارض السعودي عبد الله الغامدي لن تكون بحجم فضيحة مقتل خاشقجي وغضبة العالم عليها، وذلك لأن الجاسر كان مجرد صحافي محلي مغمور من وجهة النظر العالمية.