أيّام قليلة، وتطوي سنة 2017 كامل أوراقها في لبنان. الإعلام المرئيُّ لا يزال يبحثُ عن "التشويق" أو المزيد من الإثارة، لماذا؟ في اعتقاد البعض، أن الإثارة في قضايا معينة، خصوصاً ما يسمّى بـ "المُحرمات"، هو سر النجاح وكسب المشاهد، وبالتالي فتح الباب على ظاهرة الـ "رايتنغ"، والقول إن هذا البرنامج أو ذاك هو في الطليعة.
أول من أمس، ليلة الميلاد، ثمة قضيتان وجريمة واحدة، تصدَّرت أخبار المحطات التلفزيونية في لبنان. القضايا الثلاث جاءت ضمن عناوين ليلة الميلاد، من باب الاستعراض، وبعيداً عن الأهداف، ومن دون الاهتمام بنقل صورة المشاكل الاجتماعية التي أدّت إلى اقتراف الجريمة.
محطة لبنانية اكتشفت شابّة لبنانيّة لم تُكمل عامها السادس عشر، تعمل في الدعارة بموافقة ذويها. يهمل التقرير وجه الفتاة التي تناشد المسؤولين عدم تسليمها لأهلها مجدداً. صورة اعتادت المحطة عرضها على قاعدة الـ "سكوب"! مأساة الفتاة لا تقتصر على تقريرٍ مؤثّر ليلة الميلاد، وأنها ضحيّة أهلها الذين رموها، وهي لا تريد أن تعود إلى ما كانت عليه أو أجبرت عليه من دون قناعة، فتحوَّلت إلى ضحية.
ليست قصة الفتاة وحدها التي تملأ بعض البرامج ونشرات الأخبار، العرض يتعدى ذلك ليصل تباعاً إلى البرامج المُخصصة للقضايا الاجتماعية، لكن من دون أن تجد الحل المناسب للمشكلة في الأساس، ونادراً ما يتم تسليم مثل هذه الحالات لإحدى الجمعيات الإنسانية المتخصصة التي تهتم بها، أو متابعتها بشكل جدّي في وقت لاحق. على العكس، يوجد استعراض يدور في فلك استديو ضيق، هو حقيقة بث نوع من "التشويق" السينمائي لا أكثر، وانتظار كلمة "الفصل" من بعض المحللين والمحامين، ورجال دين وأطباء. أكثر المحللين هم رجال دين، ويأتون بشهادات من باب إبراز الحكم الشرعي الديني على "المصيبة"، مع تلقين الوعظ. بعض الضحايا لا يهتمون لرأي الشيخ أو القس. على العكس، يظهر الانفعال واضحاً بين الطرفين لحظة النقاش الذي يعلوه الصراخ، وقلة إقناع أحدهما للآخر.
مفارقاتٌ كثيرةٌ تقومُ على التشويق والإثارة والتسلُّح بمواقع "سوشيال ميديا"، لتوظيف ما تمَّ عرضه على الشاشة الصغيرة فيما بعد، أمام مئات المتابعين على المواقع نفسها. وهذا برأي بعض المحطّات اللبنانيّة هو النجاح الذي تريده. ولا يهمُّ الأساس أو متابعة قضيَّة جرى استعراضها بالشكل الإنساني، وباطنها تشويقي من باب التنافس بين المحطات على مثل هذه القضايا، ويتم هذا السلوك بشكل أسبوعي إن لم تُعرَض في نشرة الأخبار اليومية.
ما يثير الريبة في مثل هذا النوع من البرامج، أن المكاسب تأتي دائماً على حساب الضحيّة، وتفشّي الظاهرة. ماذا يعني أن تعترف أم بتعاطي ابنها للمخدرات، في جريمة حصلت قبل يومين في بيروت، والقول "كل الناس بتعرف ابني يتعاطى" لنجد بالتالي أننا أمام قضية ثانية تدركها الأم التي تدافع عن ولدها بعد مقتل زوجته، والقول إن ابنها بريء لكنه يتعاطى المخدرات. الإشهار هنا، في جانب منه، يدفع المتلقي أو المشاهد إلى "التطبيع" مع ظاهرة تعاطي حبوب مخدرة، وكأنها عادة طبيعية. وقد يتجه ذلك إلى شرائح أخرى، ترى أن ذلك سلوك طبيعي، وهو انحراف واضح، بعيداً عن السلطة أو الأمن أو الجمعيات، المكلفة بملف المتعاطين وتداعيات تعاطي المخدرات في الشكل والمضمون. فكيف إذا جاء الاعتراف على شاشة التلفزيون وأمام الناس؟
إقحام المشاهد أصبح عادة يومية، لمادة تلفزيونية، تجوب كل أسبوع على المحطات اللبنانية. واللعب على وتر المُحرمات أو التشويق الأحادي لأبطال هذه القضايا. لا يهم عند أصحاب هذه البرامج عمرهم، ولا تحويلهم إلى ضحايا، في حلقة تصبح مع الوقت شاهداً حقيقيّاً على مشكلة كان بالإمكان تجاوزها بعيداً عن الاعلام، أو حلها دون مكاسب تقوم على "سكوب" أو التشويق أو البحث عن منافسة مع برنامج آخر.
اقــرأ أيضاً
محطة لبنانية اكتشفت شابّة لبنانيّة لم تُكمل عامها السادس عشر، تعمل في الدعارة بموافقة ذويها. يهمل التقرير وجه الفتاة التي تناشد المسؤولين عدم تسليمها لأهلها مجدداً. صورة اعتادت المحطة عرضها على قاعدة الـ "سكوب"! مأساة الفتاة لا تقتصر على تقريرٍ مؤثّر ليلة الميلاد، وأنها ضحيّة أهلها الذين رموها، وهي لا تريد أن تعود إلى ما كانت عليه أو أجبرت عليه من دون قناعة، فتحوَّلت إلى ضحية.
ليست قصة الفتاة وحدها التي تملأ بعض البرامج ونشرات الأخبار، العرض يتعدى ذلك ليصل تباعاً إلى البرامج المُخصصة للقضايا الاجتماعية، لكن من دون أن تجد الحل المناسب للمشكلة في الأساس، ونادراً ما يتم تسليم مثل هذه الحالات لإحدى الجمعيات الإنسانية المتخصصة التي تهتم بها، أو متابعتها بشكل جدّي في وقت لاحق. على العكس، يوجد استعراض يدور في فلك استديو ضيق، هو حقيقة بث نوع من "التشويق" السينمائي لا أكثر، وانتظار كلمة "الفصل" من بعض المحللين والمحامين، ورجال دين وأطباء. أكثر المحللين هم رجال دين، ويأتون بشهادات من باب إبراز الحكم الشرعي الديني على "المصيبة"، مع تلقين الوعظ. بعض الضحايا لا يهتمون لرأي الشيخ أو القس. على العكس، يظهر الانفعال واضحاً بين الطرفين لحظة النقاش الذي يعلوه الصراخ، وقلة إقناع أحدهما للآخر.
مفارقاتٌ كثيرةٌ تقومُ على التشويق والإثارة والتسلُّح بمواقع "سوشيال ميديا"، لتوظيف ما تمَّ عرضه على الشاشة الصغيرة فيما بعد، أمام مئات المتابعين على المواقع نفسها. وهذا برأي بعض المحطّات اللبنانيّة هو النجاح الذي تريده. ولا يهمُّ الأساس أو متابعة قضيَّة جرى استعراضها بالشكل الإنساني، وباطنها تشويقي من باب التنافس بين المحطات على مثل هذه القضايا، ويتم هذا السلوك بشكل أسبوعي إن لم تُعرَض في نشرة الأخبار اليومية.
ما يثير الريبة في مثل هذا النوع من البرامج، أن المكاسب تأتي دائماً على حساب الضحيّة، وتفشّي الظاهرة. ماذا يعني أن تعترف أم بتعاطي ابنها للمخدرات، في جريمة حصلت قبل يومين في بيروت، والقول "كل الناس بتعرف ابني يتعاطى" لنجد بالتالي أننا أمام قضية ثانية تدركها الأم التي تدافع عن ولدها بعد مقتل زوجته، والقول إن ابنها بريء لكنه يتعاطى المخدرات. الإشهار هنا، في جانب منه، يدفع المتلقي أو المشاهد إلى "التطبيع" مع ظاهرة تعاطي حبوب مخدرة، وكأنها عادة طبيعية. وقد يتجه ذلك إلى شرائح أخرى، ترى أن ذلك سلوك طبيعي، وهو انحراف واضح، بعيداً عن السلطة أو الأمن أو الجمعيات، المكلفة بملف المتعاطين وتداعيات تعاطي المخدرات في الشكل والمضمون. فكيف إذا جاء الاعتراف على شاشة التلفزيون وأمام الناس؟
إقحام المشاهد أصبح عادة يومية، لمادة تلفزيونية، تجوب كل أسبوع على المحطات اللبنانية. واللعب على وتر المُحرمات أو التشويق الأحادي لأبطال هذه القضايا. لا يهم عند أصحاب هذه البرامج عمرهم، ولا تحويلهم إلى ضحايا، في حلقة تصبح مع الوقت شاهداً حقيقيّاً على مشكلة كان بالإمكان تجاوزها بعيداً عن الاعلام، أو حلها دون مكاسب تقوم على "سكوب" أو التشويق أو البحث عن منافسة مع برنامج آخر.