ابتسم بائع تذاكر حفلات الموسيقى الكلاسيكيّة في فيينا، ثم سألني عن انطباعي الأوّل حول المدينة. جمعت أصابع يدي اليمنى وخبّأتها في راحة يدي اليسرى. ثم فركت يديّ ببعضهما البعض، وأجبته من دون تفكير: "البرد. الكثير من البرد". ضحك وتابع: "هذا كلّ شيء"؟ فأردفت: "بالطبع لا. هذا ليس انطباعي الوحيد، لكنّه انطباعي الأوّل".
عندما خرجنا من المطار إلى سيارة الأجرة التي تنتظرنا، لم أكن قد زرت بعد متحف الإمبراطورة سيسي، كنيسة القديس اسطفان، أو وسط المدينة. خرجت من المطار إلى برد قارس، مزعج، لا أريد إلّا أن أختبئ منه. لا أريد له أن يتعرّف عليّ ولا أن أتعرّف أنا عليه. برد لونه أخضر، بلون التماثيل العالية، وسطوح المباني القديمة. الأخضر لون فيينا.
في اليوم التالي، تغيّر لون البرد. فجأة أًصبح زهريّاً. يذكّر بالورد الأبيض ذات الأطراف الزهريّة، الذي يُهدى للعشّاق عندما لا يكونون يعرفون بعد أنهم عشاق، وقبل أن يصبح أحمر، في مرحلة لاحقة. برد صحيّ، يشبه بقعاً باللون نفسه على خديّ طفل صغير لا يظهر منه غير وجهه لشدّة ما غلّفته أمّه بالصوف. يشبه أيضاً إشعاعة وجه مفعم بالنشاط والصحة استيقظ باكراً من دون انتظار إشراقة الشمس. برد زهريّ يشبه يديَن خلعتا الكفّين لكي تحيطا بكوب بلاستيكي من الشوكولاتة الساخنة، هو أيضًا زهريّ اللون، لأن الشوكولاتة تدفئ القلب واليدين معاً، على عكس كفّين من المخمل الأسود.
البرد في الحقيقة هو برد الروح. برد في القلب. برد تحت سماء فيينا. وبرد في المساحة الصغيرة التي تظهر فيها البشرة عارية، بين طرف كمّ المعطف وطرف كفّ اليد. أفكّر في الإمبراطورة سيسي، وفي البرد الذي ربّما كانت تعاني منه هي أيضاً، إلى جانب البرد الذي كان يثلج قلبها، بحسب ما تشي به كتاباتها الشعريّة.
كانت الزيارة في المتحف المخصص لها أقرب إلى لقاء بها. من جهة، تتفرّج على المجموعة الضخمة من الأواني الفخمة الخاصة بها، وتسمع أبيات لها تقول فيها إنّها كانت تملّ حياتها كإمبراطورة، وإنّها لم تعتدْها يوماً ولن تعتادها أبداً. خلف الزجاج فستان لها مرصّع بنجوم من الألماس، وإلى جانبه لوحة كبيرة كتب عليها: "روحي ممتلئة تكاد تتفجّر، والأحلام الصامتة لم تعد تكفيها. الشيء الذي يحرّكها، يجب أن تحوّله لألحان. ألحان تولد من جديد، ألحان تزهر، ألحان تزهر ألحاناً".
في طريق العودة من المتحف إلى الفندق، رجل يحمل باقة كبيرة جداً من الأزهار. يحملها ويمضي مسرعاً. لا ينظر لا يميناً ولا يساراً. إمّا يهديها لحبّ كبير، أو يعتذر من خلالها عن خطأ كبير.
اقــرأ أيضاً
عندما خرجنا من المطار إلى سيارة الأجرة التي تنتظرنا، لم أكن قد زرت بعد متحف الإمبراطورة سيسي، كنيسة القديس اسطفان، أو وسط المدينة. خرجت من المطار إلى برد قارس، مزعج، لا أريد إلّا أن أختبئ منه. لا أريد له أن يتعرّف عليّ ولا أن أتعرّف أنا عليه. برد لونه أخضر، بلون التماثيل العالية، وسطوح المباني القديمة. الأخضر لون فيينا.
في اليوم التالي، تغيّر لون البرد. فجأة أًصبح زهريّاً. يذكّر بالورد الأبيض ذات الأطراف الزهريّة، الذي يُهدى للعشّاق عندما لا يكونون يعرفون بعد أنهم عشاق، وقبل أن يصبح أحمر، في مرحلة لاحقة. برد صحيّ، يشبه بقعاً باللون نفسه على خديّ طفل صغير لا يظهر منه غير وجهه لشدّة ما غلّفته أمّه بالصوف. يشبه أيضاً إشعاعة وجه مفعم بالنشاط والصحة استيقظ باكراً من دون انتظار إشراقة الشمس. برد زهريّ يشبه يديَن خلعتا الكفّين لكي تحيطا بكوب بلاستيكي من الشوكولاتة الساخنة، هو أيضًا زهريّ اللون، لأن الشوكولاتة تدفئ القلب واليدين معاً، على عكس كفّين من المخمل الأسود.
البرد في الحقيقة هو برد الروح. برد في القلب. برد تحت سماء فيينا. وبرد في المساحة الصغيرة التي تظهر فيها البشرة عارية، بين طرف كمّ المعطف وطرف كفّ اليد. أفكّر في الإمبراطورة سيسي، وفي البرد الذي ربّما كانت تعاني منه هي أيضاً، إلى جانب البرد الذي كان يثلج قلبها، بحسب ما تشي به كتاباتها الشعريّة.
كانت الزيارة في المتحف المخصص لها أقرب إلى لقاء بها. من جهة، تتفرّج على المجموعة الضخمة من الأواني الفخمة الخاصة بها، وتسمع أبيات لها تقول فيها إنّها كانت تملّ حياتها كإمبراطورة، وإنّها لم تعتدْها يوماً ولن تعتادها أبداً. خلف الزجاج فستان لها مرصّع بنجوم من الألماس، وإلى جانبه لوحة كبيرة كتب عليها: "روحي ممتلئة تكاد تتفجّر، والأحلام الصامتة لم تعد تكفيها. الشيء الذي يحرّكها، يجب أن تحوّله لألحان. ألحان تولد من جديد، ألحان تزهر، ألحان تزهر ألحاناً".
في طريق العودة من المتحف إلى الفندق، رجل يحمل باقة كبيرة جداً من الأزهار. يحملها ويمضي مسرعاً. لا ينظر لا يميناً ولا يساراً. إمّا يهديها لحبّ كبير، أو يعتذر من خلالها عن خطأ كبير.