في إطلالته الأولى، المتأخّرة بطبيعة الحال على القارئ العربي، عبر ديوانه "خسوف الإسماعيلية" (2005)، فاجأتنا قصيدة خالد مطاوع المشغولة بالسّرد والتاريخ. قصيدةٌ ممسوسة بأنْ تروي، لكن ماذا؟ تروي هوية صاحبها الذي بدا وكأنه يجيب نفسه عن أسئلة طالما شغلتها، إن لم نقل افترسَتْها.
ولعل هذا المسعى يتجلّى في قصيدة "تاريخ وجهي": "جاءت شفتاي مع قافلة للعبيد/ كان يملكها السنوسي الأكبر/ في الجغبوب عتقهم ونشرهم في الأرض/ إنهم ما زالوا يقطنون الربع الفقير ببنغازي/ قرب المستشفى حيث ولدت. أولئك الإغريق/ الذين أهدوني حواجبي/ ما كان ببالهم البقاء بتوكرة/ ولكنهم شموا ذات يوم/ رائحة الميرمية البرية/ وأعلنوا بلادي مسقط رأسهم/ فرسان القديس يوحنا/ غزوا طرابلس/ فطلب سكان المدينة النجدة من إسطنبول/ في عام 1531 جاء الأتراك بأنفي/ يعود شعري/ إلى إحدى جواري/ سبتموس سيفيروس/ كانت تهيئ له فطوره/ وأنجبت له أربعة أبناء/ فتح عقبة مدينتي / بسم الله".
كتب مطاوع كتابه هذا بالإنجليزية أولاً، ليعيد كتابته بالعربيّة. ووضع قارئه في مواجهة نص شعري تراوده روح روائية، لكنه ارتضى الشعر مصيراً حافلاً بالأمكنة والإشارات. ظل صوته ليبيّاً ولم تقف اللغة عائقاً في وجهه، بل ربما كانت قيمة مضافة إلى الصوت الذي يريد أن يغنّي لكل الشمال الأفريقي؛ ولحضرموت والهند وأثينا.. ولكل العالم، يصرخ في هذا الكتاب، كما لو أنه بريد الأرض.