نجح الفنّان التشكيلي "بول كومنز" في جعل زوّار برج لندن البريطاني هذه الأيام، يتخيّلون أنّ الأراضي والبحار اجتاحها بحر من الدماء الحمراء. لكن ما إن تقترب حتّى تكتشف أنّ ذلك السيل الخارج من إحدى نوافذ البرج ليغطّي محيطه، لم يكن سوى بحر من نحو 888 ألفاً و246 زهرة من شقائق النعمان، أو زهور الخشخاش.
صُنِعَت كلّ زهرة يدوياً من السيراميك على أيدي فنانين متطوّعين من دول الكومنولث، تكريماً لضحايا الحرب العالمية الأولى، في الذكرى السنوية التي حظيَت باهتمام خاصّ هذا العام نظراً لمرور مائة عام على بداية تلك الحرب.
يمثّل هذا البحر الأحمر من زهور شقائق النعمان العدد التقديري لقتلى جيش الإمبراطورية البريطانية آنذاك، خلال الحرب العالمية الأولى وحدها. واستُوحِيَ هذا العمل الفني الرائع نظراً لأهمية هذه الزهرة لدى الحلفاء الذين استخدموها كرمز لانتهاء الحرب، بعد ظهور العديد منها في الأماكن التي كانت في السابق ساحات قتال.
زُرِعَت الوردة الأولى في 17 يوليو/تموز 2014، من قبل طالب بريطاني يُدعى هاري ألكسندر، وعمره 13 سنة. انضمّت إليه مجموعة مراهقين بريطانيين متدرّبين من عمره، ليضع هاري آخرها وهو يرتدي زيّاً عسكرياً، ويقدّم تحية عسكرية لأرواح جنود بلاده في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2014. وهي الذكرى السنوية التي حظيَت باهتمام خاصّ هذا العام؛ لأنّها تصادف ذكرى مرور 100 عام على بداية الحرب العالمية الأولى. بعدها قادت ملكة البلاد إليزابيث الثانية المراسم الصامتة.
بدأت المراسم بطلقات مدفعية عند الساعة 11.00 بتوقيت غرينتش، مؤذنة ببدء دقيقة صمت شارك فيها الملايين في جميع أنحاء بريطانيا وفي القواعد العسكرية البريطانية حول العالم. وأُقيمت الذكرى في أقرب يوم أحد إلى اليوم الذي تمّ التوصّل خلاله إلى المعاهدة التي أنهت الحرب العالمية الأولى في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918.
قتل آنذاك أكثر من مليون شخص من الإمبراطورية البريطانية خلال حرب استمرّت أربع سنوات، إلا أنّ يوم الذكرى بات يوماً لتذكّر جميع الجنود الذين قتلوا خلال حروب اندلعت منذ ذلك الوقت إلى اليوم. ويُعتقد أنّه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في 1949، لم يمرّ سوى عام واحد دون وقوع ضحايا في صفوف الجيش البريطاني أثناء أدائهم الخدمة، وهو العام 1968.
وتحوّلت هذه الذكرى إلى عرض فنيّ بعنوان "Blood Swept Lands and Seas of Red"، أي "إنّ الأراضي والبحار اجتاحها بحر من الدماء الحمراء". فجذبت السياح من جميع أنحاء العالم. وقدّرت السلطات البريطانية عددهم بخمسة ملايين سيتوافدون إلى زيارة العاصمة لندن لمشاهدته قبل اختتامه في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. حينها ستُزالُ الزهور بعد بيعها جميعها، بسعر يقارب 40 دولاراً لزهرة السيراميك الواحدة، ويذهب ريع المبيعات لدعم ستّ جمعيات خيرية تابعة للقوّات المسلحة. وهي قد تقترب من 40 مليون دولار.
وأشارت "منظّمة القصور الملكية التاريخية"، المسؤولة عن برج لندن، إلى أنّ العمل الفني تلقى زيارات تراوحت بين 60 إلى 70 ألف زائر يومياً.
وقبل احتفالات يوم الذكرى الأحد، وضع العديد من البريطانيين وردة خشخاش حمراء على قمصانهم. هي التي كانت تملأ ميادين القتال الفرنسية والبلجيكية خلال الحرب العالمية الأولى.