بسام منصور لـ"العربي الجديد": تصرفات السفير الإسرائيلي في "يونسكو" لتبرير فشله

19 يوليو 2017
منصور: "يونسكو" منظمة فكرية وليست ميدانية (العربي الجديد)
+ الخط -


يتحدث المسؤول الإعلامي السابق للمنطقة العربية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو"، بسام منصور، في حوار مع "العربي الجديد"، عن المنظمة وقراراتها حول فلسطين (القدس المحتلة والحرم الإبراهيمي في الخليل) وأيضاً عن دور المنظمة وعن الانتخابات المقبلة لاختيار مديرها العام وحظوظ العرب فيها، إضافة إلى الحضور العربي في المنظمة الأممية.

-ماذا عن حقائق تصويت "يونسكو" الأخير بخصوص مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي واللغط الكبير الذي رافقه؟
الجلسة التي عُقدت في بولندا هي الدورة العادية السنوية للجنة التراث العالمي لـ"يونسكو". هذه اللجنة مكوّنة من عدد من الدول التي ينتخبها المؤتمر العام للمنظمة، وهي لجنة من خبراء هذه الدول وتختص في قضايا التراث العالمي التي تخص مجموع الدول والتي صُنفت على أنها ذات قيمة ثقافية أو تراثية أو طبيعة عالمية، والتي من المفترض أن تحصل على عناية خاصة ومتابعة، ولا يعود الموقع المعني مجرد موقع ينتمي إلى هذا البلد أو ذاك وإنما يهم الأسرة الدولية.

مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي، من الأمكنة التي كانت دائماً معروفة بقيمتها التراثية والتاريخية والثقافية بالنسبة للجميع. وإبراهيم الخليل تاريخياً تنتمي إليه كل الديانات التوحيدية وليس هناك من دين يمكن أن يدّعي أنه هو صاحب إبراهيم الخليل، حصراً. وجاءت تسمية مدينة الخليل القديمة والحرم الإبراهيمي في برنامج "يونسكو" من البديهيات، إذ إن فلسطين باتت دولة عضوة في "يونسكو" منذ سنوات، وبالتالي لم تعد فلسطين مجرد أراضٍ فلسطينية محتلة. إنها دولة معترف بها ولكنها غير مستقلة. وبالتالي فإنه يحق لها أن تكون حتى عضواً في لجنة التراث العالمي وفي كل مؤسسات المنظمة. يكفي أن تُنتَخب في هذه اللجنة أو تلك ويمكنها أن تقدّم اقتراحات بتسمية الأمكنة الخاصة. وهذا ما لفت انتباه العالم أجمع أن فلسطين بهذه البديهيات الأساسية لقيت إجماعاً من دون أي مشكلة من الأغلبية القصوى من العالم، حتى من أصدقاء إسرائيل كانوا يؤيدون هذه المسألة. وهذا ما أغضب المندوب الإسرائيلي في "يونسكو"، الذي تصرَّف بفظاظة لا مثيل لها، مما جعل الجميع، من دون استثناء، بمن فيهم الأميركيون يقفون ضده، ويعتبرون أنه قلّل الحياء ولم يحترم الموقع الذي كان موجوداً فيه. فقد أجمع العالم على اعتبار الخليل جزءاً من التراث العالمي ويجب أن تحظى بالاهتمام اللازم من قِبَل الأسرة الدولية والعلمية المختصة بالتراث العالمي.

-لماذا ادعاء السفير الإسرائيلي أن سفيراً عربياً كان وعده بالتصويت ضد القرار، ثم خذله؟
أنا أعتقد أن هذا تبريرٌ لفشله، الدول العربية العضوة في اللجنة، التي يحق لها التصويت هي ثلاث: تونس ولبنان والكويت. ولا واحدة من هذه الدول كان يمكن أن تعقد اتفاقاً مع الإسرائيليين في هذا المجال. وأنا أعرفهم جيداً، وأعطيك مثلاً أن أكثر المدافعين عن الموقف الفلسطيني كان مندوب لبنان في لجنة التراث العالمي، جاد ثابت، الذي قال في دفاعه عن القرار قبل إقراره، إن ما يحصل في الأراضي الفلسطينية وفي الخليل هو نظام أبرتهايد بالكامل، وبالتالي يجب على الأسرة الدولية أن تعي ذلك، وأن تَدْعَم تسمية مدينة الخليل جزءاً من التراث العالمي. وبعد التصويت، وحين اتهم المندوب الإسرائيلي الدول الأعضاء بأنها معادية للسامية وبأنها مع النازية، وأنها تتنكر لـ"الهولوكوست"، عاد ثابت للقول، ووالده كان مناضلاً كبيراً أثناء الانتداب وفي مرحلة الحرب العالمية الثانية، إن "أبي كان يؤوي اليهود الذين كان يطاردهم نظام فيشي في سورية ولبنان، فكيف لك أن تتكلم بهذا الشكل، ونحن كنا ندافع عن إخواننا اليهود في سورية ولبنان وهم كانوا مضطهدين من قبل حكومة فيشي". أعتقد أن ما قاله السفير الإسرائيلي كارميل كوهين في هذا المجال ما هو إلا محاولة للدفاع عن فشله في هذه القضية.

-حسب ما نرى فإن هذا التصويت بخصوص مدينة الخليل وقبله على القدس الشرقية وحائط البراق، باعتبارها أرضاً إسلامية، يصب في الاتجاه نفسه؟
هناك نوع من البروباغاندا الإسرائيلية نقع فيه دائماً. أولاً لم يُصوَّتْ على مسألة حائط البراق أنه إسلامي أو غير إسلامي، أو يهودي أو غير يهودي، أو مسيحي أو غير مسيحي، الذي صُوِّتَ عليه في مسألة القدس، ودائماً منذ ثلاثين عاماً حتى اليوم، أنها أرضٌ محتلة، وأن هذه الأرض المحتلة لا يحق ضمن القانون الدولي واتفاقيات جنيف، واتفاقات التراث العالمي، للقوّة المحتلة أن تمسّ أي شيء من طبيعة عمران وأساس هذه الأرض. وهذا هو مضمون قرار "يونسكو" الدائم. لكن غطرسة الإسرائيليين اليوم وصلت إلى درجة أنهم يريدون أن يُزوّروا الحقائق، فيقولون إنهم (أي العرب والفلسطينيين) يريدون أن ينفوا الصفة اليهودية عن القدس. كيف يمكننا أن ننفي الصفة اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية عن القدس؟ هذا أمر مفروغ منه عند كل الأديان. ولكن أن تأتي وتقوم بأعمال تخريبية في المباني فهذا هو ما يسمى اعتداء على المكان، وقرار المجلس التنفيذي لـ"يونسكو" يعيد تأكيد ما اتخذته المنظمة قبل ثلاثين عاماً، لا غير. ولكننا هنا، أمام غطرسة سياسة (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، الذي يطلق إنذارات كاذبة، والناس تتلقفها من دون أن تقول له: إنك كاذب.
مثلاً منذ خمس أو ست سنوات، قررت المجموعة العربية في المجلس التنفيذي، بناء على مسعى من قبل المديرة العامة لـ"يونسكو"، مدعوماً من وفد فلسطين، تأجيل القرار الخاص بمدينة القدس المحتلة وصون آثارها، وجرت مفاوضات متعددة الأطراف شاركت فيها دول أوروبية وغربية والمديرة العامة، وتم التوصل مقابل تأجيل القرار الخاص بالقدس، إلى إيفاد لجنة تحقيق دولية متخصصة، لدراسة الوضع العمراني للقدس القديمة والمسجد الأقصى وقبة الصخرة والحرم القدسي بكامله. ووافقت إسرائيل على هذا الاتفاق. ولكن تبيّن أن هذه الموافقة لم تكن سوى للتسويف، إذ رفضت إسرائيل بعد ذلك استقبال الوفد متحججة بذرائع عدة ومختلفة في كل مرة.
الإدارة العامة لـ"يونسكو" ليست بالجرأة الكافية لأن توضح ذلك. إنها تستسلم للكلام الإسرائيلي ولا تقول: إنك مخطئ. بينما يتعلق الأمر بالدفاع عن أرض محتلة حسب القانون الدولي وحسب قرار مجلس الأمن 242، لجهة أنها أرض محتلة. لا يمكنك أن تزوّر أو تغيّر معالم هذه الأرض.


-كيف يمكن تفعيل قرارات "يونسكو" بخصوص القدس والخليل على الأرض، وما هي إجراءات وآليات التطبيق؟

هذه هي النقطة الأساسية في الموضوع. ما يحصل بالنسبة لمثل هذه القرارات، أنها تبقى غير نافذة، إلا إذا كانت تدعمها القوة التنفيذية وتأتي إليها قوة الدعم من قبل مجلس الأمن الدولي. وهذا أمر صعب في هذه الفترة. لكن أهمية القرار أنه يُوثّق هذه المسائل، وحينما يصبح الأمر ممكناً تكون هذه الوثائق موجودة ويبدأ العمل على تطبيقها.
منظمة "يونسكو" معروفة تاريخياً، بأنها منظمة فكرية وليست ميدانية. أي أنها تعمل على مسائل الفكر والثقافة بهدف بناء السلام في العالم. ومسألة بناء السلام، فعلاً، ليست مسألة يمكن أن يقوم بها المفكرون لوحدهم، ولكن دور المفكرين في مسألة بناء السلام أساسيّ، حينما يكون دور المثقف والمفكر صادقاً في التعبير عما يجري.

-فرنسا امتنعت عن التصويت، فإلى ماذا تعزو الموقف الفرنسي المتخاذل نوعاً ما؟
سياسة فرنسا الخارجية اضطربت منذ فترة. أحياناً تصوّت مع وأحياناً ضد وأحياناً تتردد، وهذا يعود إلى أسباب كثيرة لها علاقة بالسياسة الفرنسية الداخلية. ولكن حينما حصل التصويت على مسألة القدس، صوّتت فرنسا لصالح القرار، وحينما جرى انتخاب فلسطين دولة عضواً في "يونسكو" صوّتت أيضاً لصالحه. ربما نحن الآن في مرحلة انتقالية. السياسة الخارجية الفرنسية باتت الآن، جد محدودة وغير واضحة. وبعد أن كانت فرنسا إبان الحرب الباردة، تؤدي دوراً هاماً وكبيراً في مسألة الحياد والبحث عن الحلول الوسط، أصبحت اليوم، منذ ولايتي (الرئيسين السابقين) نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، أصبحت سياستها الخارجية تشبه سياسة أي دولة صغرى عادية، هولندا أو أقل، في الوقت الذي تتمتع فيه فرنسا بنفوذ وسطوة ثقافية وأخلاقية في العالم، يمكن أن توظفهما لصالح السلام.

-هل يمكن أن نعزو الموقف الفرنسي المتردد إلى سطوة كريف (المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية)، الذي راسل وزارة الخارجية الفرنسية وأيضاً الدول الأعضاء في لجنة التراث التابعة لـ"يونسكو" قبيل التصويت؟
يمكن أن يؤدي هذا التدخّل دوراً ما، ولكني أعتقد أن هذه المنظمة اليهودية الفرنسية تقوم بهذا الدور بشكل دائم، فلماذا تجاوب الفرنسيون هذه المرة معه ولم يتجاوبوا من قبل؟ إن هذه المنظمة تقوم بدور اللوبي في فرنسا على الرغم من أن اللوبيات محظورة في فرنسا. يمكن أن نفسر الأمر أيضاً في نتائج انتخابات حديثة العهد وفي رئيس جمهورية جديد لا يزال بصدد اكتشاف الأشياء. في كل الأحوال، لا يمكن أن نطلب من فرنسا أشياء أكثر مما نطلب من العرب أنفسهم.

-الانتخابات قريبة لمنصب المدير العام لـ"يونسكو"، خلفاً للبلغارية إيرينا بوكوفا، فما هي حظوظ العرب هذه المرة، خصوصاً أن فرنسا تضغط من أجل انتخاب مرشحتها، أودري أزولاي؟
لا أتصور أن فرنسا تمتلك حظوظاً. أعتقد أن الحظ الأوفر اليوم، هو لمرشح الصين كيان تانغ، لأنها دولة عظمى ولها مساهمات كبيرة وعندها مرشح ممتاز، كان ولا يزال، مساعداً للمدير العام للتربية، وهو ابن "يونسكو" منذ زمن طويل. وهو مرشح ممتاز، والصين دورها قوي في المنظمة وتسعى لأن يكون دورها قوياً في العالم.
أما السيدة الفرنسية-المغربية، أودري أزولاي، فتقدّم نفسها كفرنسية لا كمغربية، مع أنها من عائلة معروفة في المغرب ووالدها عمل مستشاراً للملك الحسن الثاني ولا يزال مستشاراً للملك محمد السادس. وأنا آسف لأنها أغفلت هذا الجانب منها، ولكن في كل الأحوال لا أعتقد أن فرنسا لها حظ في الفوز، لأن الخارج حالياً من المنصب هو أوروبي، وبالتالي لا أعتقد أن أوروبا يمكن أن تحظى بهذا الدور حالياً.

في ما يخص العرب، هم لم يتفقوا على مرشح واحد، وبالتالي فهذا ما يجعل كثيرين من غير العرب يعتبرون أنهم غير متفقين (لبنان ومصر وقطر والعراق)، وبالتالي فمن حقهم أن يبادروا لأخذ المنصب. وبسبب الخلافات الآن بين الدول العربية، فإن انتخاب مرشح عربي يصبح أمراً صعباً. لكن لو أن العرب تجاوزوا خلافاتهم وقدّموا مرشحاً واحداً، يمكنهم هزيمة المرشح الصيني، لأن الأخير يواجه سلبية كبرى، وهي أن المدير العام السابق، كان آسيوياً، وبالتحديد يابانياً. وبالتالي فإن التداول الثقافي والجغرافي ليس في صالح المرشح الصيني. ولكن هذا الأمر يحتاج إلى أن يُجمِع العرب على مرشح واحد.

-ما هو تقييمك للحضور العربي في "يونسكو"، من بدايات تأسيسها حتى الآن، بناء على معايشتك للمنظمة من الداخل؟
لست قادراً على تقديم تقييم كامل، لكن في الماضي، كان الوجود العربي في "يونسكو" وجوداً ثقافياً وازناً، في فترة مختار امبو وحتى قبلها. مثلاً، من مؤسسي "يونسكو" طه حسين، ومن كبار الذين ترأسوا مؤتمراً عاماً في الماضي من الحقوقيين الدوليين، حميد فرنجية، وكان الرئيس الثالث للمؤتمر العام لـ"يونسكو". وكان المجلس التنفيذي يضم أناساً مهمين، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، توفيق الحكيم. كذلك نجد أناساً في الماضي القريب، قبل نحو عشرين سنة، من ذوي القيمة العالية، من بينهم عزيزة بناني وأحمد الصياد وعمر مصالحة وآخرين. كان هناك في "يونسكو" ثقل عربي، ليس بمجرد قوة هذا البلد أو ذاك، بل بمجرد الوجود الفكري والثقافي في هذا المكان، ودوره في الكاريزما العامة.
هذه المسألة لم تَخِفَّ، الآن، عند العرب فقط، في "يونسكو"، بل خفّت عند الدول الأعضاء كلها، لأنّنا أخذنا نُحوّل "يونسكو" من منظمة فكرية ثقافية متطورة إلى مجرد آلة تنفيذية لا تَعرف ماذا عليها أن تُنفّذ.