قال كاتب الدولة السابق لدى الوزير الأول المكلف بالاستشراف والخبير الجزائري بشير مصيطفى أن الجزائر يمكنها تخطي الأزمة بالرغم من انخفاض أسعار النفط، عبر دعم القطاعات المنتجة والخدمية، وشدد في مقابلة مع "العربي الجديد" على ضرورة السير بمشاريع تدفع النمو الاقتصادي.
وهنا نص المقابلة:
* هل يمكن القول إن الجزائر حالياً في أزمة اقتصادية جراء تراجع أسعار النفط، باعتبار أن المحروقات تمثّل ما نسبته 97% من صادرات البلاد؟
ربما من المستبعد أن تكون الجزائر في أزمة اقتصادية خطيرة، ويعود السبب في ذلك إلى هامش مناورة الحكومة في تلبية الطلب الداخلي وفي تمويل المشاريع الكبرى للحكومة والتي بلغ حجمها 26 مليار دولار في 2015. هذا الهامش نجده في كل من صندوق ضبط الإيرادات (صندوق خاص لدى وزارة المالية والذي يعادل 47 مليار دولار)، والاحتياطي من النقد الأجنبي (170 مليار دولار)، أي أن مجموع 217 مليار دولار تضع التوازنات الكبرى للدولة في مجال الحماية لمدة عامين ونصف العام (أي حتى 2018). هذا في مجال مخزون الإيرادات، أما على صعيد تدفق إيرادات الميزانية، فإن آخر العام سيقفل على إشارات مقلقة نوعاً ما وهي: تراجع الصادرات من 68 مليار دولار في 2014 إلى 34 مليار دولار آخر العام 2015، استقرار الاستيراد حول السقف العالي، أي 57.3 مليار دولار، وتفاقم عجز الميزان التجاري حوالي 20 مليار دولار، وهو عجز تجاري غير مسبوق في تاريخ الوقائع الاقتصادية للجزائر. من جهة أخرى، فإن نفقات الميزانية ستقفل على 75.8 مليار دولار مقابل إيرادات للميزانية عند 49.5 مليار دولار، ما يعني عجزاً للموازنة عند عتبة 28 مليار دولار.
* هل تتوقعون تواصل انهيار أسعار النفط إلى مستويات أدنى ممّا هي عليه حالياً؟
سبق لي أن توقعت استمرار التراجع في أسعار النفط إلى عتبة 35 دولاراً للبرميل مع نهاية العام، أي مع بداية العقود الآجلة لفترة الربيع (تسليم شهر مارس/ آذار 2016)، وذلك بدفع من استمرار ركود التصدير في الصين، وعودة إيران للسوق تبعاً للاتفاق النووي الإيراني الأميركي، وعودة الولايات المتحدة الأميركية لتصدير نفطها بعد إلغاء الحظر في القانون التجاري، وأخيراً عجز منظمة الأوبك عن التحكم في المعروض من النفط دولياً.
* هل كنتم تتوقعون مثل هذا السيناريو من قبل، وخاصة أنكم موجودون على رأس كتابة الدولة للاستشراف والإحصاء؟
نعم، قدمت في مجلس الحكومة بتاريخ أغسطس/ آب 2013 عرضاً عن نموذج النمو الجديد للجزائر 2015 ـ 2019، وفيه قدمت سيناريو تراجع سعر النفط الذي يجب اعتماده في النموذج والمحدد بـ70 دولاراً للبرميل. أما خارج الحكومة، فقد أشرت إلى بداية العد التنازلي لأسعار النفط.
* هل الجزائر قادرة على تخطي عقدة تبعية اقتصادها لقطاع المحروقات؟
باعتقادي، فإن الإجابة نعم، وبالتأكيد. فلا يزال بين أيدينا هامش تحرك للّحاق بمعيار الإقلاع والنشوء بالنظر إلى القطاعات الراكدة والتي هي دون سقف النمو، مثل الصناعة الزراعية، والمنشأة الصغرى والمتوسطة، وقطاع التحويل والبتروكيمياء، والمناجم، إضافة إلى الخدمات. لذا، لدينا فرصة للإقلاع في عام 2021 إذا بدأنا الآن في خطة الطريق، ولدينا فرصة للصعود، أي النشوء، في 2030 إذا استكملنا خطة الطريق، وهذه الخطة مبنية على 6 مفاتيح للنمو وهي: نموذج قياسي للاستشراف 2050، وتنويع الاقتصاد بإدماج القطاعات الراكدة في النمو ومنها قطاع المصارف والمالية، وتطبيقات المعرفة في الأداء الاقتصادي، والابتكار ونُظُم المعلومات وتكنولوجيا الاتصال، بالإضافة إلى تجسيد العلاقة بين البحث العلمي والإنتاج، وأخيراً الإدارة الحديثة للمؤسسة المنتجة.
* الحكومة وعلى الرغم من الاحتجاجات الشعبية الكبيرة، إلا أنها عازمة على المضيّ في عمليات استكشاف الغاز الصخري، هل في رأيكم أن الجزائر في حاجة فعلاً إلى هذا المورد؟
إذا أخذنا بالاعتبار القيود الخارجية على المضي في استغلال الطاقات الأحفورية (قمة الأرض في باريس ديسمبر/ كانون الأول 2015 والتحضير لاتفاقية بديلة عن اتفاقية كيوتو للحد من الاحتباس الحراري)، وقارنّاها مع قدرة الجزائر على تعويض الجباية النفطية بالجباية العادية من خلال استحداث وزارة منتدبة للجباية، وتحريك القطاعات الراكدة التي أشرت اليها، بالنظر إلى هذا كله، أقول إننا نملك حالياً رؤية منطقية عن إمكانية التنوع الطاقوي في مجال الطاقات النظيفة.
* هل يمكن أن تعتمد البلاد على الطاقة الشمسية كبديل طاقوي للمحروقات سواء للاستغلال المحلي أو التصديري؟
الجزائر لديها 300 ساعة شمس سنوياً، وهو رقم قياسي من المنظور الإقليمي، كما أن الانتقال الطاقوي الذي شرع فيه عالمياً يتطلّب المزج الطاقوي تحسّباً لبدء تطبيق ميثاق الطاقة الأوروبي 2050 الذي يعني سلوكاً طاقوياً "صفر كربون". والجزائر في موقع تنافسي قوي في جانب الطاقة الشمسية وإلى حد ما طاقة الرياح في الهضاب العليا وطاقة المياه (ساحل بـ1400 كلم). والأمر يتطلب تفعيل البرنامج الوطني للطاقات المتجددة ووضع قانون للاستهلاك والكفاءة الطاقوية.
* قلتم في إحدى مقالاتكم: "إن الأمة التي لا تملك أدوات إدارة إشارات مستقبلها كمثل مؤسسة لا إدارة لها، أو مركبة لا لوحة قيادة لها، أو مركب لا بوصلة له أو شخص يمشي نائماً"، فهل هذا هو حال الجزائر بعد استغنائها عن وزارة الاستشراف؟
هذا الوصف لا يخص الجزائر وحدها بل جميع الدول العربية وأغلب الدول الأفريقية التي لا تعتمد الاستشراف المبني على اليقظة الإحصائية في تصميم سياساتها الاقتصادية والاجتماعية. وللجزائر فرصة تاريخية وذهبية أخرى للعودة مرة أخرى للاستشراف والتنظيم الإحصائي، وخاصة أن قطاع التخطيط والاستشراف في الجزائر منذ الاستقلال أثبت جدواه في حماية الدولة من الاهتزازات الكامنة في المستقبل وأعطى إشارة إلى إمكانية توقع المستقبل في بناء الحاضر من خلال المنتوج الذي أعده هذا القطاع للجزائر وأقصد رؤية الجزائر 2030 ونموذج النمو الجديد 2015 ـ 2019.
* كخبير اقتصادي مختص في الدراسات الاستشرافية، كيف تتوقعون أن يكون مستقبل الجزائر الاقتصادي في ظل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومة حالياً؟
مستقبلنا سيكون أفضل بكثير، وهذا بفضل التماسك الاجتماعي التي حرصت الجزائر على دعمه منذ الاستقلال وبفضل الإمكانيات الكامنة في القطاعات الراكدة في الاقتصاد الوطني والتي بإمكانها رفع النمو إلى سقف بين 7% و10% آفاق 2021، أي تحقيق شروط الإقلاع الاقتصادي الممهّد للصعود آفاق العام 2030. أضف إلى ذلك الدرس الذي على السلطات الاستفادة منه جراء الصدمة النفطية الحالية، وتساهل الحكومة في ضبط الاقتصاد على مسار التخطيط الإقليمي واستشراف المستقبل وضبط العملية الإحصائية.
اقرأ أيضاً: سيناريوهات جزائر ما بعد النفط
ربما من المستبعد أن تكون الجزائر في أزمة اقتصادية خطيرة، ويعود السبب في ذلك إلى هامش مناورة الحكومة في تلبية الطلب الداخلي وفي تمويل المشاريع الكبرى للحكومة والتي بلغ حجمها 26 مليار دولار في 2015. هذا الهامش نجده في كل من صندوق ضبط الإيرادات (صندوق خاص لدى وزارة المالية والذي يعادل 47 مليار دولار)، والاحتياطي من النقد الأجنبي (170 مليار دولار)، أي أن مجموع 217 مليار دولار تضع التوازنات الكبرى للدولة في مجال الحماية لمدة عامين ونصف العام (أي حتى 2018). هذا في مجال مخزون الإيرادات، أما على صعيد تدفق إيرادات الميزانية، فإن آخر العام سيقفل على إشارات مقلقة نوعاً ما وهي: تراجع الصادرات من 68 مليار دولار في 2014 إلى 34 مليار دولار آخر العام 2015، استقرار الاستيراد حول السقف العالي، أي 57.3 مليار دولار، وتفاقم عجز الميزان التجاري حوالي 20 مليار دولار، وهو عجز تجاري غير مسبوق في تاريخ الوقائع الاقتصادية للجزائر. من جهة أخرى، فإن نفقات الميزانية ستقفل على 75.8 مليار دولار مقابل إيرادات للميزانية عند 49.5 مليار دولار، ما يعني عجزاً للموازنة عند عتبة 28 مليار دولار.
* هل تتوقعون تواصل انهيار أسعار النفط إلى مستويات أدنى ممّا هي عليه حالياً؟
سبق لي أن توقعت استمرار التراجع في أسعار النفط إلى عتبة 35 دولاراً للبرميل مع نهاية العام، أي مع بداية العقود الآجلة لفترة الربيع (تسليم شهر مارس/ آذار 2016)، وذلك بدفع من استمرار ركود التصدير في الصين، وعودة إيران للسوق تبعاً للاتفاق النووي الإيراني الأميركي، وعودة الولايات المتحدة الأميركية لتصدير نفطها بعد إلغاء الحظر في القانون التجاري، وأخيراً عجز منظمة الأوبك عن التحكم في المعروض من النفط دولياً.
* هل كنتم تتوقعون مثل هذا السيناريو من قبل، وخاصة أنكم موجودون على رأس كتابة الدولة للاستشراف والإحصاء؟
نعم، قدمت في مجلس الحكومة بتاريخ أغسطس/ آب 2013 عرضاً عن نموذج النمو الجديد للجزائر 2015 ـ 2019، وفيه قدمت سيناريو تراجع سعر النفط الذي يجب اعتماده في النموذج والمحدد بـ70 دولاراً للبرميل. أما خارج الحكومة، فقد أشرت إلى بداية العد التنازلي لأسعار النفط.
* هل الجزائر قادرة على تخطي عقدة تبعية اقتصادها لقطاع المحروقات؟
باعتقادي، فإن الإجابة نعم، وبالتأكيد. فلا يزال بين أيدينا هامش تحرك للّحاق بمعيار الإقلاع والنشوء بالنظر إلى القطاعات الراكدة والتي هي دون سقف النمو، مثل الصناعة الزراعية، والمنشأة الصغرى والمتوسطة، وقطاع التحويل والبتروكيمياء، والمناجم، إضافة إلى الخدمات. لذا، لدينا فرصة للإقلاع في عام 2021 إذا بدأنا الآن في خطة الطريق، ولدينا فرصة للصعود، أي النشوء، في 2030 إذا استكملنا خطة الطريق، وهذه الخطة مبنية على 6 مفاتيح للنمو وهي: نموذج قياسي للاستشراف 2050، وتنويع الاقتصاد بإدماج القطاعات الراكدة في النمو ومنها قطاع المصارف والمالية، وتطبيقات المعرفة في الأداء الاقتصادي، والابتكار ونُظُم المعلومات وتكنولوجيا الاتصال، بالإضافة إلى تجسيد العلاقة بين البحث العلمي والإنتاج، وأخيراً الإدارة الحديثة للمؤسسة المنتجة.
* الحكومة وعلى الرغم من الاحتجاجات الشعبية الكبيرة، إلا أنها عازمة على المضيّ في عمليات استكشاف الغاز الصخري، هل في رأيكم أن الجزائر في حاجة فعلاً إلى هذا المورد؟
إذا أخذنا بالاعتبار القيود الخارجية على المضي في استغلال الطاقات الأحفورية (قمة الأرض في باريس ديسمبر/ كانون الأول 2015 والتحضير لاتفاقية بديلة عن اتفاقية كيوتو للحد من الاحتباس الحراري)، وقارنّاها مع قدرة الجزائر على تعويض الجباية النفطية بالجباية العادية من خلال استحداث وزارة منتدبة للجباية، وتحريك القطاعات الراكدة التي أشرت اليها، بالنظر إلى هذا كله، أقول إننا نملك حالياً رؤية منطقية عن إمكانية التنوع الطاقوي في مجال الطاقات النظيفة.
* هل يمكن أن تعتمد البلاد على الطاقة الشمسية كبديل طاقوي للمحروقات سواء للاستغلال المحلي أو التصديري؟
الجزائر لديها 300 ساعة شمس سنوياً، وهو رقم قياسي من المنظور الإقليمي، كما أن الانتقال الطاقوي الذي شرع فيه عالمياً يتطلّب المزج الطاقوي تحسّباً لبدء تطبيق ميثاق الطاقة الأوروبي 2050 الذي يعني سلوكاً طاقوياً "صفر كربون". والجزائر في موقع تنافسي قوي في جانب الطاقة الشمسية وإلى حد ما طاقة الرياح في الهضاب العليا وطاقة المياه (ساحل بـ1400 كلم). والأمر يتطلب تفعيل البرنامج الوطني للطاقات المتجددة ووضع قانون للاستهلاك والكفاءة الطاقوية.
* قلتم في إحدى مقالاتكم: "إن الأمة التي لا تملك أدوات إدارة إشارات مستقبلها كمثل مؤسسة لا إدارة لها، أو مركبة لا لوحة قيادة لها، أو مركب لا بوصلة له أو شخص يمشي نائماً"، فهل هذا هو حال الجزائر بعد استغنائها عن وزارة الاستشراف؟
هذا الوصف لا يخص الجزائر وحدها بل جميع الدول العربية وأغلب الدول الأفريقية التي لا تعتمد الاستشراف المبني على اليقظة الإحصائية في تصميم سياساتها الاقتصادية والاجتماعية. وللجزائر فرصة تاريخية وذهبية أخرى للعودة مرة أخرى للاستشراف والتنظيم الإحصائي، وخاصة أن قطاع التخطيط والاستشراف في الجزائر منذ الاستقلال أثبت جدواه في حماية الدولة من الاهتزازات الكامنة في المستقبل وأعطى إشارة إلى إمكانية توقع المستقبل في بناء الحاضر من خلال المنتوج الذي أعده هذا القطاع للجزائر وأقصد رؤية الجزائر 2030 ونموذج النمو الجديد 2015 ـ 2019.
* كخبير اقتصادي مختص في الدراسات الاستشرافية، كيف تتوقعون أن يكون مستقبل الجزائر الاقتصادي في ظل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومة حالياً؟
مستقبلنا سيكون أفضل بكثير، وهذا بفضل التماسك الاجتماعي التي حرصت الجزائر على دعمه منذ الاستقلال وبفضل الإمكانيات الكامنة في القطاعات الراكدة في الاقتصاد الوطني والتي بإمكانها رفع النمو إلى سقف بين 7% و10% آفاق 2021، أي تحقيق شروط الإقلاع الاقتصادي الممهّد للصعود آفاق العام 2030. أضف إلى ذلك الدرس الذي على السلطات الاستفادة منه جراء الصدمة النفطية الحالية، وتساهل الحكومة في ضبط الاقتصاد على مسار التخطيط الإقليمي واستشراف المستقبل وضبط العملية الإحصائية.
اقرأ أيضاً: سيناريوهات جزائر ما بعد النفط