بشير ومحمد الغربي توأم واعد من مدينة بنزرت شمالي تونس. أقاما في العاصمة منذ سنوات ليدرسا في المعهد العالي للموسيقى، حيث يدرّسان حاليا. وسريعا باتا حديث الساحة الموسيقية بتونس، ولا يكاد يخلو حفل فني من حضورهما.
ومع ذلك فهما لا يوليان هذه الحفلات قيمة كبيرة. قال أحدهما لي ذات مرّة: "الحفلات لأكل الخبز، أي من أجل العيش، أما المهم بالنسبة إلينا فما نقدّمه من موسيقى في حفلاتنا الخاصة. موسيقى مكتفية بذاتها مستغنية عن الكلمات، قادرة على خلق لغتها الخاصة المفعمة بالمعنى، غير أنّ هذا يتطلب تقنية عالية الجودة وتحكماً بالآلة يصل بالعازفين إلى درجة التماهي حتى يصير الإثنان واحداً".
هذه النوعية من العازفين الـvirtuose لا تتكدّس في المسارح بل هي فلتات في كلّ جيل مرّة، وتفوُّق التوأم يأتي من قدرتهما النظرية الواضحة وتقنيتهما المتفوّقة وإحساسهما العالي. بعد ذلك يلزم شيء من الابتكار في هضم الموروث التونسي والعربي والعالمي. فآلة الكمنجة مثلاً تتطلّب تحكّماً بكلّ هذه التقنيات ليتمكن العازف من ابتكار ألحان جديدة.
في جبل بوقرنين بضاحية تونس الجنوبية خرجا عن المألوف وألهبا الجمهور القليل بمعزوفات حملت قراءة جديدة وصياغة مستحدثة لألحان تونسية قديمة. لكنّهما قدّما للجمهور ألحاناً جديدة من ألبومها قيد الإعداد، أثبتت أنّهما يختزنان موهبة خارقة بالفعل.
ولم يزِد حضور ذلك الصوت الجميل، أسماء العثماني، إلا مزيداً من السحر على جبل بوقرنين الذي يحرس تونس بقرنيه الباديين من أعلى قمته الشاهقة. العرض حمل عنوان "همس"، في إشارة إلى معزوفة من ألحانهما وضدّ صخب المهرجانات وضجيجها الإعلامي وتطاول أنصاف المواهب على الفضاء السمعي العربي عموما.
قدّما عروضا في أكثر من مدينة عربية وأوروبية، وهما يستعدّان لحفلهما التالي بعد أيّام في مدينة "الحمّامات"، إلى جانب "ثلاثة فنانين أتراك" الذين لا يقلّون عن التوأم موهبة وَوَعدًا: حسنو واسماعيل وهايتش... هي ليلة سيكون بالتأكيد مسكينا من يفوّتها. لأنّ محمد وبشير الغربي اسمان جديران بالتسجيل في ذاكرة محبّي الموسيقى الآلاتية، والآتي من الأيّام سيتحدّث عنهما.