جاءت هذه الحملة العنيفة بعد ساعات قليلة من العملية الفدائية التي نفذها ثلاثة نشطاء تحت اسم "وعد البراق"، قيل إنهم ينتمون لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في القدس المحتلة أول من أمس، وأوقعت قتيلة من حرس الحدود الإسرائيلي، فيما ارتقى منفذوها شهداء.
وفيما قدرت مصادر إسرائيلية أمس أعداد المرحّلين بنحو 350 مواطنا رجالا ونساء، أفادت مصادر محلية أن العدد هو أضعاف ما ذكرته مصادر الاحتلال، حيث الحديث يدور عن آلاف من هؤلاء المواطنين الفلسطينيين، وفق زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
وأشار الحموري إلى أن الحملة طاولت جميع أبناء الضفة دون استثناء، حيث جلبت قوات الاحتلال حافلات خاصة وضعتها عند بوابات البلدة القديمة من القدس، لترحل هذه الحافلات جميع من تم اعتقالهم إلى الحواجز المنتشرة حول القدس، خاصة حواجز قلنديا، الزعيم، وحاجز بيت لحم الشمالي، في مشهد بات صادما للعديد منهم، خاصة مع تعامل قوات الاحتلال العنيف معهم.
الحملة ضد هؤلاء المواطنين، والتي كانت بدأت فجر أمس السبت، تنفيذا لتعليمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تواصلت اليوم، وشوهدت عدة حافلات متوقفة قرب أسوار البلدة القديمة تقوم بترحيل مواطني الضفة، ومن هؤلاء مواطنون لم يدخلوها إطلاقاً أو مواطنون مضى على عدم دخولهم أكثر من عشر سنوات.
وأشار الحموري إلى أن ترحيل هؤلاء المواطنين في ذروة نشاط اقتصادي تشهده أسواق المدينة المقدسة في العشر الأواخر من رمضان، حول أسواق المدينة المقدسة إلى أماكن أشباح لم ترتدْها سوى أعداد قليلة حتى من المقدسيين، الذين تعرضوا هم وأبناؤهم على مدى اليومين الماضيين إلى عمليات تنكيل وإذلال وضرب على بوابات البلدة القديمة وفي شوارعها، انتقاما للمجندة القتيلة التي كانت تخدم في الوحدة الخاصة بحرس الحدود، المعروفة بعنفها ووحشيتها في التعامل مع المواطنين الفلسطينيين.
ورفض الحموري مزاعم الاحتلال التي ربطت بين تنفيذ العملية الفدائية وإجراءات الترحيل التي قام بها بحق فلسطينيين من الضفة، واصفا هذه المزاعم بأنها "ذرائع ومبررات" لفرض مزيد من الحصار على القدس وعزلها عن محيطها الفلسطيني، وهو حصار مستمر منذ عام 1993.
في البلدة القديمة من القدس، وحيث كانت الأسواق الليلة الماضية فارغة إلا من أعداد قليلة من المواطنين، بدا المشهد مأساويا، فمعظم المحلات لم تستقبل سوى أعداد محدودة جدا من المقدسيين خاصة النساء، اللواتي نزلن لشراء احتياجات أطفالهن من ملابس العيد استباقا لازدحام متوقع في ليلة العيد.
وانتشرت أعداد قليلة من بسطات العصائر والحلويات، كانت أعداد جنود الاحتلال تفوق أعداد رواد الأسواق والبسطات، فيما كان الجنود يحتجزون شبانا على مدرجات باب العمود وساحة الشهداء فيها، لإخضاعهم لتفتيش عنيف يشمل إرغامهم على الوقوق ووجوههم إلى الحائط وفتح أرجلهم إلى أبعد مدى، في حين تجرأ جنود على تفتيش أجساد النساء وملامستها، تحت تهديد السلاح والتعرض لهن بالضرب.
وبالقرب من سوق القطانين بالبلدة القديمة من القدس والمتاخم للمسجد الأقصى، التقت "العربي الجديد"، الناشط المقدسي ناصر قوس، الذي وصف ما قامت به قوات الاحتلال ضد المواطنين بأنها عمليات طرد لم تستثن أحدا. وقال: "كان لهذا انعكاس على حركة التسوق في أسواق البلدة القديمة، حيث أصيبت هذه الأسواق بانتكاسة شديدة".
ما قاله قوس بدا واضحا في حركة التسوق في سوق شارع الواد، فتواجد جنود الاحتلال في السوق كان المشهد الطاغي والأبرز، بينما تجنب المواطنون ارتياده لما رأوه من ممارسات الجنود بحق الشبان، وضد المنقبات على وجه التحديد.
الشاب محمد حشيمة من سكان شارع الواد، قال لـ"العربي الجديد"، إن جنود الاحتلال تعرضوا له خلال أقل من ساعة وأخضعوه للتفتيش العنيف وشتمهوه بألفاظ نابية، مضيفاً القول:" نشعر بغضب شديد. وضع لا يمكن احتماله والصبر عليه طويلا".
الأقصى: انفجار وشيك
المشهد في المسجد الأقصى اليوم كان ينذر منذ ساعات الصباح الأولى بانفجار كبير كانت بعض ملامحه ما حدث ابتداء من الساعة السابعة والنصف حتى الحادية عشرة، وزاد ذلك من حالة الغليان التي تشهدها القدس المحتلة.
فلم يمض قصير وقت على سماح قوات الاحتلال باقتحام مجموعات من المستوطنين للمسجد حتى حدث اشتباك بين جموع من المرابطين والمعتكفين، ما لبث أن تحول إلى اقتحام واسع من قبل قوات الاحتلال الخاصة، التي دفعت بالمصلين إلى داخل المسجد القبلي بعد اعتدائها عليهم بالضرب، وإغلاق المسجد عليهم ومحاصرتهم ورش غاز الفلفل داخله، ما أوقع العشرات من حالات الاختناق، إضافة إلى أكثر من 20 إصابة نتيجة الضرب بالهراوات، كان من بينهم مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني، الذي أصيب برضوض في أنحاء مختلفة من جسمه.
وبينما قال حراس بتلقيهم تعليمات بعدم التعرض لاقتحامات المستوطنين، قال الشيخ الكسواني، إن الاحتلال قام بإجراءاته القمعية متذرعا بالعملية الفدائية في باب العمود قبل يومين، وأبلغه بذلك أحد ضباط الاحتلال، بعد أن احتج مدير المسجد على اقتحام الأقصى وسماح الاحتلال باستباحة المستوطنين للمسجد.
وحمل الكسواني الاحتلال تبعات ما جرى، مشيرا إلى أن الاحتلال كان وعد بوقف استباحة المستوطنين للأقصى في العشر الأواخر من رمضان، حيث اعتاد آلاف المواطنين الاعتكاف فيه، إلا أنه أخل بوعوده، وقام بما قام به اليوم من تدنيس جنود الاحتلال للمسجد، ووقوع عدد كبير من الإصابات.