بعد الاتفاق النووي: ظريف.. من كبش فداء إلى أسطورة

17 يوليو 2015
إيرانيون يحتفلون بالاتفاق النووي (Getty)
+ الخط -
لم يعد وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف شخصية سياسية عادية بعد التوصل لاتفاق نووي بين إيران والغرب في فيينا، يوم الثلاثاء الحاسم، حيث أعلن آنذاك عن إنهاء مفاوضات طهران مع دول 5+1، وهو الإعلان الذي أنهى أزمة إيرانية زاد عمرها عن العشر سنوات وكبّدت الإيرانيين الكثير.

صبيحة ذاك اليوم توقع كثر في إيران التوصل لهذه النتيجة الإيجابية. ونشرت معظم الصحف الإيرانية على صفحاتها الأولى صوراً لرئيس الوفد المفاوض الذي قاد المفاوضات منذ تولي الرئيس المعتدل حسن روحاني لسدة الرئاسة قبل عامين تقريباً، فقد غيّر ظريف مسار الحوار والخطاب مع الغرب بعد ثماني سنوات من التشدد قادها الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد.

وصفت المواقع والصحف ظريف بالمعجزة الدبلوماسية، لا بل وأن صوره على شرفته البيضاء
في فندق كوبورغ في فيينا والذي استقبل المحادثات باتت منتشرة في كل مكان. وبعد نيله لقب "بطل إيران الدبلوماسي" قبل عامين تقريباً، أي مع التوصل لاتفاق جنيف النووي المؤقت والذي علّق فرض عقوبات جديدة على البلاد طيلة فترة التفاوض التي انتهت مع الإعلان عن اتفاق، شبّهت بعض الصحف ظريف بأبرز الشخصيات الإيرانية، منها شخصيات سياسية غيّرت مجرى التاريخ في البلاد وبعضها الآخر شخصيات أسطورية.

تركت الصورة التي نشرتها صحيفة "أفتاب يزد" الإصلاحية على صفحتها الأولى أثراً كبيراً لدى عديدين في إيران، فشبّهت الصحيفة ظريف بالوزير أمير كبير، وهو الميرزا تقي خان أحد كبار رجال السياسة وأعظم وزراء إيران زمن ناصر الدين شاه خلال حكم القاجاريين.

اقرأ أيضاً: ظريف بطل تغريدات "الاتفاق التاريخي"

كان أمير كبير ذكياً، معروفاً بدبلوماسيته، وبقدرته على التعاطي مع السفراء الأجانب بنوع من الكبرياء والغرور، ورغم أنه كان بسيط الملبس لكن "طربوشه" الطويل نوعاً ما ميّزه وترك له مكاناً في ذاكرة الإيرانيين عبر التاريخ. فألبست الصحيفة ظريف ذات الطربوش وذكرت "أفتاب يزد" أنه بات "أمير كبير" هذا العصر في إيران، معتبرة أنه حتى لو تحقق احتمال عدم توصل الوفد المفاوض بقيادته إلى نتيجة، إلا أنه استطاع بالفعل خوض المفاوضات الصعبة مع الدول الكبرى التي اقتنعت بذات الوقت بضرورة استمرار الحوار حتى النهاية وعدم نسفه رغم الفشل عدة مرات ورغم كل العراقيل التي أخّرت التوصل لاتفاق إلى هذا الحين.

ظريف استطاع أن يكسر الصورة النمطية للعداء بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وهو عداء استمر منذ انتصار الثورة الإسلامية قبل أكثر من ثلاثة عقود ونصف ومنذ اقتحام الطلاب لمقر السفارة الأميركية في طهران واحتجاز من فيها من دبلوماسيين وإطلاق أزمة الرهائن وتجميد العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين حتى يومنا هذا.

باتت اجتماعات ظريف ونظيره الأميركي جون كيري المتكررة خلال الأشهر الأخيرة نمطية واعتيادية، فلم يعد الحوار الإيراني الأميركي مستغرباً أو ممنوعاً، رغم أن الانتقادات الحادة في بعض الأحيان من قبل بعض الأطراف في الداخل الإيراني كانت من نصيب بطل الدبلوماسية.

خلال العامين الماضيين لم يسلم ظريف من انتقادات المحافظين ولا سيما المتشددين منهم، انتقادات برزت في صحفهم ومنابرهم الإعلامية، وحتى فترة قريبة كان الكل يتذكر الصورة التي نشرتها كل الصحف الإيرانية بغضّ النظر عن توجهاتها وانتماءاتها السياسية لظريف وكيري وهما يمشيان معاً بالقرب من نهر في جنيف، وهي المدينة التي استقبلت هي الأخرى جولات تفاوض نووية عديدة.

اقرأ أيضاً: الاتفاق النووي والتنازلات المتبادلة: العقوبات مقابل القنبلة

لم ترُق صورة "الكزدورة" كما أطلق عليها في إيران والتي استمرت لربع ساعة، للمحافظين الذين اعتبروا أن ظريف بات يساير ويمشي بشكل عادي مع "الشيطان الأكبر"، تم جرّه بعدها إلى استجواب برلماني، وهو المؤسسة التي يسيطر عليها المنتمون للتيار الأصولي المحافظ، فطُلب منه تقديم توضيحات حول هذا الأمر، وحول أمور أخرى انتقدها هؤلاء واعتبروا أنها تعني تقديم تنازلات كبرى لعدو تاريخي لا يمكن الوثوق به.

ورغم العراقيل الداخلية التي واجهت الوزير في بعض الأحيان، لكن لا يمكن إنكار حقيقة أنه حظي بدعم المرشد الأعلى علي خامنئي، وهو الشخصية التي تدير زمام كل الأمور في إيران، فكان المرشد قادراً على إسكات المنتقدين عدة مرات، بغية ضرورة دعم الوفد المفاوض خلال هذه المرحلة المختلفة بالنسبة للبلاد، وهو ما حدث بالفعل.

كان من الممكن أن يُحرق ظريف في النهاية في حال عدم التوصل لاتفاق نووي، فكان بمثابة "كبش فداء"، وما قام به الرجل كان خطيراً بالفعل، وبحالة نسف الحوار النووي كان من المحتمل أن يتم تهميشه بل وحتى عزله من قبل النواب، وهذا الأمر بحد ذاته كفيل بتبرير تحويله لأسطورة اليوم، حتى أن البعض بات ينتظر ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام مناصفةً مع نظيره الأميركي جون كيري.


اقرأ أيضاً: بالصور والفيديو... هكذا احتفل الإيرانيون بالاتفاق النووي