لم يقف عامل السنّ عائقاً أمام قوة إرادتهم، فبعد السبعين صارت أحلام رجال ونساء من الجزائر أن يدرسوا، واكتشفوا أن آفاق التعلم غير محدودة، ليتسلّحوا بمقولة "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".
بعيون تتطلع إلى القرآن الكريم، ترغب الحاجة "المايسة" من منطقة الجلفة جنوب العاصمة الجزائرية، أن ترفع صوتها وهي تقرأ سورة الفاتحة، وكأنها تريد أن تبرهن للعالم أجمع قدرتها على حفظ وتلاوة آيات من كتاب الله تعلمتها من مدرسة حفظ القرآن القريبة من بيتها.
فرحتها اليوم كبيرة، وهي تفك شيفرات حروف كانت إلى عهد قريب لا تفقه منها شيئاً، ولا تتوقف عن القراءة في المصحف الشريف الذي ورثته عن جدها. تقول لـ"العربي الجديد": "اجتزت امتحان السنة الخامسة للمرور إلى المتوسط عن سن 82 سنة، وما زلت أرغب في مواصلة الدراسة والنجاح"، مشيرة إلى الفرحة التي تغمرها عندما تقرأ اسمها ضمن قائمة الناجحين، ورغم أنها أكبر المتعلمات داخل الفصل، إلا أن الأمر لا يشكل بالنسبة لها أي عقدة، فقد رفعت التحدي واختارت التعلم حتى الممات.
عزيمة قوية في التعلم والتميز تقود المرأة ذات البنية الهزيلة والوجه المجعد والأنامل الخشنة التي نسجت بها طوال السنين الماضية الزرابي (البسط والسجاد) كانت مورد رزق لها ولأسرتها، ولم تجعلها رحلة الحياة الشاقة تركن في زاوية من البيت بانتظار الموت، بل اختارت أن تبدأ حياة جديدة بروحها الشابة، وأضافت: "التعلم لا يرتبط بسنوات العمر، فقط تلزمه الإرادة التي تحول المستحيلات إلى ممكن".
كثيرون وكثيرات ممن يحلمون اليوم بالعودة إلى مقاعد الدراسة بعد العقد السابع، بعدما اجتازوا أقسام "محو الأمية" ودخلوا أقسام التعليم الأساسي، ومنهم من وصلوا إلى امتحان السنة النهائية الثانوية، واجتازوا امتحانات البكالوريا، ليس حبّاً بالشهادات فقط بل إقراراً لأنفسهم بأن بإمكانهم النجاح.
وفي هذا السياق، يقول جمال عجال من منطقة سيدي موسى بولاية البليدة (غرب الجزائر) لـ"العربي الجديد"، إنه كان يدرس رفقة أولاده، يتعلم منهم وغالباً ما كان يتفوق عليهم في حلّ بعض المسائل الرياضية، وفي دروس التاريخ، خصوصاً المتعلق منها بالثورة الجزائرية التحريرية.
ولأن حوافز التعلم تختلف من شخص إلى آخر، يبدو من الصعب إقناع امرأة في السبعين بأن تحارب الأمية، وترتاد المدرسة رفقة زميلات لها في السن وتجتاز الامتحانات. وتقول السيدة نورية (71 عاماً) لـ"العربي الجديد"، إن الحافز بالنسبة لها كان دعم جارتها التي باشرت التعلم في مدرسة محو الأمية بمنطقة "الحراش" بالعاصمة الجزائرية، وساعدتها على القيام بنفس الخطوة.
تضيف نورية "من يومها التحقت بالمدرسة وحرصت على مراجعة دروسي، وتسلحت بعزيمة قوية لمواصلة الدراسة والنجاح من سنة إلى أخرى، والأهم بالنسبة لي أن أتمكن من تحقيق حلمي بقراءة القرآن الكريم".