انضم الأردن إلى منظمة التجارة العالمية عام 2000، حينها كانت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي وفق الأرقام الرسمية للبنك الدولي نحو 4.2 %، وارتفعت النسبة في السنوات الخمس التي تلتها إلى 8.2 %، لكنها ما لبثت أن تراجعت وتقهقرت خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل رتيب، حتى وصلت إلى 2.5 % في عام 2015، لتصبح السوق الأردنية في قبضة السلع المستوردة من الدول الكبرى الأعضاء في المنظمة، من دون معاملة بالمثل.
المخاوف، التي أطلقتها هذه المفارقة، تفرض من حيث الشكل تساؤلاً يبدو اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وذلك، بعدما ضحّت الحكومات المتعاقبة بالكثير من المكاسب، وقدمت تنازلات وإعفاءات ضريبية منحت المستثمرين مغريات على أمل أن يحقق تدفق أموالهم مردوداً تنموياً متوازناً، وحررت التجارة بانضمامها إلى ثلاث اتفاقيات دولية رئيسية، وهي: اتفاقية منظمة التجارة الدولية، اتفاقية الشراكة المتوسطية - الأوروبية، اتفاقية التجارة الحرة الأردنية - الأميركية الثنائية، بهدف أن تنفذ صناعتها إلى الأسواق العالمية... فهل أصبحت الدولة عاجزة عن حماية اقتصادها؟
يرى الخبير الاقتصادي، عبد العزيز الضلاعين، أن العمل بطريقة "تحرير كل شيء" أنهك الاقتصاد، ويقول: "إن فرض الدول الشريكة آليات حمائية صارمة، كالاشتراطات الصحية ومعايير العمل ومقاييس الجودة، قلص من حجم مبادلة المملكة التجارية مع شركائها بشكل عام".
اقــرأ أيضاً
ويشرح "إن اللجوء إلى الخصخصة، وتحرير التجارة، والاندماج في الاقتصاد العالمي، في مرحلة متقاربة في الأردن، دون وجود بيئة مؤهلة، لم يحقق خططنا التنموية"، مشيراً إلى أنه بعد مرور عقد على انضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية، كان من المفترض أن تفتح أمام الصادرات المحلية من السلع والخدمات، أسواق أكثر من 150 دولة. غير أن ضعف بنية الاقتصاد، لم تساعد الأردن على الاندماج بشكل إيجابي في النظام التجاري العالمي، وبقيت المملكة مستورداً صافياً للغذاء والتكنولوجيا، في إطار علاقة غير متكافئة مع الدول الأعضاء في المنظمة، التي تتحكم بنسبة 80 % من حجم التجارة العالمية.
وإلى جانب الضغوط التي فرضتها الاتفاقيات الآنفة، يواجه الاقتصاد الأردني ضغوطاً داخلية مماثلة، نتيجة ضياع فترات نموه المرتفع، وعدم الاستفادة منها في تعزيز خيار التنوع الإنتاجي ذي القيمة المضافة. لكن الحكومة ترى أن انضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمية رتب جملة من التغييرات في البيئة القانونية للنظام التجاري، مما شكل رزمة متكاملة من الممكن البناء على نتائجها في تحسين صورة الاقتصاد، إذا ما جرى التعامل مع التأثيرات الجانبية المتوقعة على نحو أفضل خلال الفترة الانتقالية.
"من حسن حظنا وجود هذه الفترة الانتقالية"، يقول الخبير الاقتصادي، خالد العبد، "إذ إن هذه الفترة خففت من وطأة الصدمة المفاجئة، ومنحتنا الوقت للتكيف مع الانعكاسات التي ستسببها". ويضيف: "على الرغم من التمديدات التي منحتها المنظمة، فإن إعفاء أرباح الصادرات من ضريبة الدخل، تفهماً منها للتحديات الاقتصادية، التي تمر بها المملكة والظروف التي تشهدها المنطقة، أدى إلى انحسار الصادرات الوطنية".
وبحسب بيانات الحكومة، شهدت صادرات المملكة إلى شركائها التجاريين تراجعاً في العام الماضي بلغت نسبته 7.1 % مقارنة بعام 2014. كما بلغ عجز الميزان التجاري نحو 8.877 ملايين دينار. وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الاتفاقات لم تتح للمنتج الوطني الوصول إلى الأسواق العالمية بسهولة، خاصة في ظل تدني قدرته التنافسية أمام منتجات الدول الصناعية. وتشير معلومات رسمية إلى أن عدد الشركات المتوقفة عن العمل وصل تقريباً إلى 2036 شركة متنوعة.
لكن أشد القطاعات تأثراً كان قطاع الصناعات الدوائية، نتيجة القيود التي فرضتها الاتفاقات على تداول الدواء. ويقول الخبير الصناعي، سعيد الأسود : "إن اتفاقية حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة - تريبس - فرضت معادلة غير عادلة بين طرفين، أحدهما أقوى من الآخر بكثير، إذ قلصت من قدرة الأردن على مجاراة التكنولوجيا الدوائية الحديثة، إلا بشروط صعبة للغاية، مما أدى إلى ارتفاع قيمة فاتورة مستوردات الدواء، وانخفاض صادراته".
ومع أن قطاع الخدمات شهد في السياق ذاته تحسناً ملموساً، حيث تم تكوين حصيلة مقبولة من النقد الأجنبي، قفزت من12241 مليون دينار في عام 2010 إلى 14153 مليون دينار في عام 2015 وفق مصادر البنك المركزي الأردني، إلا أن المؤسسات العاملة في هذا المجال، بقيت تعاني من ضعف، ولم تتمكن من امتلاك المزايا التكنولوجية التي تتوفر لدى نظيرتها الأجنبية.
وبقيت المعضلة الأهم، في رأي الخبير الاقتصادي، سليم كناكري، تتعلق بمعدلات البطالة، فقد حافظت على نسبة تتراوح بين 12 و13% خلال العقدين الماضيين، أي دون أن يطرأ أي تحسن. وفي الوقت الذي وفرت فيه الاستثمارات الخارجية في المدن الصناعية المؤهلة فرص عمل، إلا أن العمال الأجانب القادمين من شرق آسيا وجنوبها استفادوا منها، مما قلل من تأثيرها الإيجابي على معدل التوظيف في البلاد. ويقول لـ "العربي الجديد" إن العجز زاد مستويات البطالة مع انخفاض معدلات الأجور وارتفاع نسبة الفقر.
وعانت الأسر الفقيرة بدرجة كبرى من تقّلب وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية الأساسية، تبعاً لسعرها العالمي.
ومع أن تحرير السلع الغذائية كان بمثابة فرصة ليعاد الاعتبار إلى القطاع الزراعي وتنميته بشكل تنافسي، إلا أن افتقار القطاع إلى سياسة تأهيلية مدعومة من قبل الدولة، وضع منتجي البندورة، على سبيل المثال، في موقف صعب العام الماضي بسبب ما تكبدوه من خسائر، أدت إلى إفلاس بعض المزارعين.
وفي حضور دور الدولة الوحيد، بقيت الإعانات الحكومية إحدى الطرق المستخدمة لتلطيف انعكاسات كل هذه الظواهر، لكنها، وكما يبدو، لم تكن مؤثرة بالشكل الذي يؤدي إلى خفض أعداد الفقراء. فالذين عانوا من تحرير التجارة وأسعار السلع، أرهقتهم الضرائب والرسوم الحكومية، واستمروا في تلقي صدمات تحرير اقتصادهم، واحدة تلو الأخرى، وبمعزل عن أية حماية فاعلة.
اقــرأ أيضاً
المخاوف، التي أطلقتها هذه المفارقة، تفرض من حيث الشكل تساؤلاً يبدو اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وذلك، بعدما ضحّت الحكومات المتعاقبة بالكثير من المكاسب، وقدمت تنازلات وإعفاءات ضريبية منحت المستثمرين مغريات على أمل أن يحقق تدفق أموالهم مردوداً تنموياً متوازناً، وحررت التجارة بانضمامها إلى ثلاث اتفاقيات دولية رئيسية، وهي: اتفاقية منظمة التجارة الدولية، اتفاقية الشراكة المتوسطية - الأوروبية، اتفاقية التجارة الحرة الأردنية - الأميركية الثنائية، بهدف أن تنفذ صناعتها إلى الأسواق العالمية... فهل أصبحت الدولة عاجزة عن حماية اقتصادها؟
يرى الخبير الاقتصادي، عبد العزيز الضلاعين، أن العمل بطريقة "تحرير كل شيء" أنهك الاقتصاد، ويقول: "إن فرض الدول الشريكة آليات حمائية صارمة، كالاشتراطات الصحية ومعايير العمل ومقاييس الجودة، قلص من حجم مبادلة المملكة التجارية مع شركائها بشكل عام".
ويشرح "إن اللجوء إلى الخصخصة، وتحرير التجارة، والاندماج في الاقتصاد العالمي، في مرحلة متقاربة في الأردن، دون وجود بيئة مؤهلة، لم يحقق خططنا التنموية"، مشيراً إلى أنه بعد مرور عقد على انضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية، كان من المفترض أن تفتح أمام الصادرات المحلية من السلع والخدمات، أسواق أكثر من 150 دولة. غير أن ضعف بنية الاقتصاد، لم تساعد الأردن على الاندماج بشكل إيجابي في النظام التجاري العالمي، وبقيت المملكة مستورداً صافياً للغذاء والتكنولوجيا، في إطار علاقة غير متكافئة مع الدول الأعضاء في المنظمة، التي تتحكم بنسبة 80 % من حجم التجارة العالمية.
وإلى جانب الضغوط التي فرضتها الاتفاقيات الآنفة، يواجه الاقتصاد الأردني ضغوطاً داخلية مماثلة، نتيجة ضياع فترات نموه المرتفع، وعدم الاستفادة منها في تعزيز خيار التنوع الإنتاجي ذي القيمة المضافة. لكن الحكومة ترى أن انضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمية رتب جملة من التغييرات في البيئة القانونية للنظام التجاري، مما شكل رزمة متكاملة من الممكن البناء على نتائجها في تحسين صورة الاقتصاد، إذا ما جرى التعامل مع التأثيرات الجانبية المتوقعة على نحو أفضل خلال الفترة الانتقالية.
"من حسن حظنا وجود هذه الفترة الانتقالية"، يقول الخبير الاقتصادي، خالد العبد، "إذ إن هذه الفترة خففت من وطأة الصدمة المفاجئة، ومنحتنا الوقت للتكيف مع الانعكاسات التي ستسببها". ويضيف: "على الرغم من التمديدات التي منحتها المنظمة، فإن إعفاء أرباح الصادرات من ضريبة الدخل، تفهماً منها للتحديات الاقتصادية، التي تمر بها المملكة والظروف التي تشهدها المنطقة، أدى إلى انحسار الصادرات الوطنية".
وبحسب بيانات الحكومة، شهدت صادرات المملكة إلى شركائها التجاريين تراجعاً في العام الماضي بلغت نسبته 7.1 % مقارنة بعام 2014. كما بلغ عجز الميزان التجاري نحو 8.877 ملايين دينار. وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الاتفاقات لم تتح للمنتج الوطني الوصول إلى الأسواق العالمية بسهولة، خاصة في ظل تدني قدرته التنافسية أمام منتجات الدول الصناعية. وتشير معلومات رسمية إلى أن عدد الشركات المتوقفة عن العمل وصل تقريباً إلى 2036 شركة متنوعة.
لكن أشد القطاعات تأثراً كان قطاع الصناعات الدوائية، نتيجة القيود التي فرضتها الاتفاقات على تداول الدواء. ويقول الخبير الصناعي، سعيد الأسود : "إن اتفاقية حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة - تريبس - فرضت معادلة غير عادلة بين طرفين، أحدهما أقوى من الآخر بكثير، إذ قلصت من قدرة الأردن على مجاراة التكنولوجيا الدوائية الحديثة، إلا بشروط صعبة للغاية، مما أدى إلى ارتفاع قيمة فاتورة مستوردات الدواء، وانخفاض صادراته".
ومع أن قطاع الخدمات شهد في السياق ذاته تحسناً ملموساً، حيث تم تكوين حصيلة مقبولة من النقد الأجنبي، قفزت من12241 مليون دينار في عام 2010 إلى 14153 مليون دينار في عام 2015 وفق مصادر البنك المركزي الأردني، إلا أن المؤسسات العاملة في هذا المجال، بقيت تعاني من ضعف، ولم تتمكن من امتلاك المزايا التكنولوجية التي تتوفر لدى نظيرتها الأجنبية.
وبقيت المعضلة الأهم، في رأي الخبير الاقتصادي، سليم كناكري، تتعلق بمعدلات البطالة، فقد حافظت على نسبة تتراوح بين 12 و13% خلال العقدين الماضيين، أي دون أن يطرأ أي تحسن. وفي الوقت الذي وفرت فيه الاستثمارات الخارجية في المدن الصناعية المؤهلة فرص عمل، إلا أن العمال الأجانب القادمين من شرق آسيا وجنوبها استفادوا منها، مما قلل من تأثيرها الإيجابي على معدل التوظيف في البلاد. ويقول لـ "العربي الجديد" إن العجز زاد مستويات البطالة مع انخفاض معدلات الأجور وارتفاع نسبة الفقر.
وعانت الأسر الفقيرة بدرجة كبرى من تقّلب وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية الأساسية، تبعاً لسعرها العالمي.
ومع أن تحرير السلع الغذائية كان بمثابة فرصة ليعاد الاعتبار إلى القطاع الزراعي وتنميته بشكل تنافسي، إلا أن افتقار القطاع إلى سياسة تأهيلية مدعومة من قبل الدولة، وضع منتجي البندورة، على سبيل المثال، في موقف صعب العام الماضي بسبب ما تكبدوه من خسائر، أدت إلى إفلاس بعض المزارعين.
وفي حضور دور الدولة الوحيد، بقيت الإعانات الحكومية إحدى الطرق المستخدمة لتلطيف انعكاسات كل هذه الظواهر، لكنها، وكما يبدو، لم تكن مؤثرة بالشكل الذي يؤدي إلى خفض أعداد الفقراء. فالذين عانوا من تحرير التجارة وأسعار السلع، أرهقتهم الضرائب والرسوم الحكومية، واستمروا في تلقي صدمات تحرير اقتصادهم، واحدة تلو الأخرى، وبمعزل عن أية حماية فاعلة.