لم يجد محمد عباس الحيالي وإخوته حلا لإدامة حياتهم ومستقبل عوائلهم سوى الهجرة إلى الريف، فبغداد التي ولدوا وكبروا فيها، ما عاد لهم فيها موطئ عمل.
يمتهن الحيالي، الذي يحمل شهادة جامعية في التربية الرياضية، تصميم برامج الكمبيوتر، وكان يدر عليه ربحاً جيداً قبل أعوام، وفرته له كثرة المطبوعات لا سيما الصحف والمجلات، التي توقف أغلبها عن الصدور لأسباب مالية.
الأحوال المعيشية لإخوته الثلاثة تردّت أيضاً، فجميعهم من حملة الشهادات الجامعية، إلا أن أياً منهم لم يجد فرصة تعيين بالمؤسسات الحكومية، فلجأوا للعمل في مهن حرة بات الاستمرار فيها أو التوقف عن مزاولتها لا يفرق كثيراً، بعد تردي الوضع الاقتصادي في العراق.
في قرية بأطراف بغداد الشمالية، وجد الأخوة فرصة جيدة للسكن والعمل، رأوا أن عليهم استثمارها ليبدأوا حياتهم بخطوة جديدة، كان عليهم بحسب حديث الحيالي لـ"العربي الجديد" التأقلم مع طبيعة الريف الذي لم يألفوا الحياة فيه سابقاً.
وقال "منذ شهر سكنا القرية، بعنا ما نملك حتى مصوغات زوجاتنا، وتشاركنا في شراء منزل صغير، واستأجرنا محلاً لبيع المواد الغذائية. نحاول جاهدين ادخار المال من عملنا. أجد هذا ممكناً في حين كنت سابقاً أستدين أحياناً لسداد أجرة طبيب أو شراء متطلبات المعيشة الضرورية".
علي صالح، الرجل الخمسيني هو الآخر اضطر أن يترك بغداد وعينه تدمع لفراق داره وجيران عمره في الشالجية، أحد الأحياء القديمة في العاصمة العراقية، ليهرب بعيداً بأولاده، متخذاً من قرية في محافظة بابل وسط العراق، مستقراً جديداً له وأسرته.
اقرأ أيضاً: موظفو الموصل ومدرسوها يتحوّلون لمهن تسدّ الرمق
وأوضح صالح لـ"العربي الجديد" أنه لولا خوفه على حياة أسرته ومستقبل أولاده، لما ترك مدينته.
كان صالح يعمل في جهاز الأمن في زمن نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وكان عضواً في حزب البعث المحظور في العراق منذ 2003، حُرم من أي راتب تقاعدي كحال باقي زملائه، الأمر الذي دعاه للعمل سائقاً بأجر يومي، وحتى قبل نحو عامين خطف مسلحون أحد أولاده، ودفع فدية مالية كبيرة لتخليصه، بحسب قوله.
وأضاف "استدنت المبلغ وأنقذت ولدي واضطررت لبيع منزلي لسداد الدين، ولجأت إلى قرية يسكنها أقاربي في محافظة بابل، الذين ساعدوني في بناء منزل بسيط لأسرتي، واليوم أجدني أفضل حالاً مما كنت عليه. صرت أعمل في تربية الماشية. أحمد الله أن ظرفي المعيشي تحسن كثيراً، كما أن قريتنا تخلو من المظاهر المسلحة التي تشكل ظاهرة في بغداد".
عدم وجود فرص العمل أو قلة الحيلة ليست الأسباب الوحيدة للانتقال إلى الريف، فكثير من ميسوري الحال بنوا منازل فخمة في أرياف بمحافظات مختلفة؛ بحثاً عن أشياء افتقدوها في مدينتهم بغداد.
ينطبق الحال على فرقد الحسيني، الذي صار يقصد إلى العاصمة عند الضرورة الملحة فقط، بعد أن بنى منزلاً رحباً في قرية هاجر إليها قبل نحو ثلاثة أعوام، في محافظة الكوت وسط العراق.
الحسيني كذلك أنهى ارتباطه المهني بالمدينة. وقال لـ"العربي الجديد" إنه حول عمله من تجاري إلى زراعي، واشترى مكائن يستثمرها في الحصاد وجني المحاصيل واستصلاح الأراضي.
وأضاف "هنا لا وجود لتهديدات المسلحين، أو خوف من الابتزازات، كما أن القرية تبعث على الطمأنينة، لا أرى التفجيرات أو أسمع أصواتها إلا في وسائل الإعلام، فما يؤسف له أن بغداد صارت مدينة غارقة بالدم والمسلحين والخوف".
اقرأ أيضاً: تزايد نزوح العراقيين من مناطق سيطرة داعش