لا يبدو في الأفق أن انتخابات رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة ستُجرى في القريب العاجل. تتكرر في الصالونات السياسيّة تأكيدات بأن البلد يتجه صوب الفراغ في منصب الرئاسة الأولى. في الوقت عينه، يُصر البطريرك بشارة الراعي على عدم الوصول إلى هذا الفراغ. الكلام عينه يُكرره عدد من السفراء الغربيين في بيروت. الأمر محير فعلاً. الرغبة في تجاوز الفراغ تُقابلها عدم قدرة على انتخاب رئيس، كذلك رفض حاسم للتمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان لمدة محددة.
في ظل هذا الضياع، خرج أحد المقربين من سليمان وبكركي في الوقت عينه، بمبادرة تهدف إلى تعديل المادة 62 من الدستور اللبناني. تنص هذه المادة على التالي: "في حال خلو سدة الرئاسة، لأي علّة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء". يهدف التعديل إلى ربط تسليم رئيس الجمهوريّة لصلاحياته بانتخاب رئيس جديد. ما يعني استمرار الرئيس بموقعه في حال انتهت ولايته، وفشل مجلس النواب في انتخاب رئيس. بهذا المعنى، يكون البلد قد تجنب الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، من دون تمديد ولاية الرئيس لفترة زمنيّة محددة.
لا يُعلن أي من القوى السياسيّة موقفاً حاسماً من هذا الأمر حتى اللحظة، بحسب ما يقول العاملون على هذه المبادرة. ويُضيف هؤلاء إن الجميع يُصرّ على أنه مع انتخاب رئيس جمهوريّة، وأنه يرفض الفراغ، ما عدا حزب الله الذي قال أمينه العام، حسن نصر الله، في مقابلة صحافيّة، إن الفراغ آتٍ، رغم أن الحزب لم يكن يرغب بذلك.
ويرى مؤيدو هذه المبادرة أن القوى السياسيّة المسيحيّة لن تعارضها. ويرى هؤلاء أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح، ميشال عون، لا يُعارض هذا المشروع، لأنه يُنقذه من ضغط الشارع المسيحي، الذي بات يرى جزء منه في غياب نواب عون عن جلسات انتخاب الرئيس إمعاناً في إضعاف المسيحيين؛ كون هذا الغياب يؤدي إلى الفراغ في الرئاسة الأولى. كما أن هذا الأمر يُخفف من الضغط الغربي على عون باتجاه الاتفاق على رئيس توافقي لتجنّب الفراغ. ومن الإيجابيات أيضاً بالنسبة لعون، أن هذا الطرح يُقلل من حظوظ قائد الجيش جان قهوجي.
ويقول أحد المتابعين للحوار بين عون وتيار المستقبل، إن هذا الأمر يُساهم في تمديد فترة الحوار بين الحريري وعون، ما يسمح بكسر مزيد من الجليد في العلاقة بين الطرفين، خصوصاً أن هناك من يربط مدة هذا الحوار، بفترة الانتخابات الرئاسيّة. من هذا المنطلق لن يرفض عون هذا الطرح، من دون أن يكون عرابه الأول. بدوره، يُشير أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح، النائب إبراهيم كنعان، أن موقف تيّاره غير محسوم من هذا المشروع بعد، خصوصاً أن أحداً لم ينقله للتيار بشكلٍ رسمي.
بدورها، القوات اللبنانيّة لا ترفض أو توافق على هذا الطرح بشكلٍ حاسم. تقول مصادر مقربة من رئيس هيئتها التنفيذية سمير جعجع، إن "هناك الكثير من الأفكار التي تُطرح علينا، لكن لم يصلنا طرح جدي حتى اللحظة". وتُضيف هذه المصادر أن القوات "ضد اللعب بالدستور في المبدأ"، لكن لا رفض جديا لهذا الطرح. كلام القوات، يعني أنها لن تكون عرابةً لهذا الطرح، من دون أن تُعارضه، خصوصاً أن بكركي تتبناه.
في المقابل، تنقل أوساط سياسيّة مطلعة أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أبلغ وسطاء الراعي أنه لا يمانع السير بتعديل الدستور، "لكن فلتأت بموافقة تيار المستقبل على هذا الأمر". عند وصول هذا الكلام إلى الحريري، أرسل مدير مكتبه نادر الحريري إلى بكركي ليبلغ الراعي موافقته على هذا الطرح بالكامل، مضيفاً: "فلتأت بموافقة حزب الله". حتى اللحظة لا يزال حزب الله رافضاً لتمديد ولاية رئيس الجمهورية بأي شكلٍ من الأشكال. وهنا العقبة الأساسيّة.
تراقب الأوساط بشكلٍ دقيق مجرى الانتخابات العراقيّة، ومسار الاتصالات السعوديّة ــ الإيرانية في هذا السياق. إذ تعتقد هذه الأوساط بوجود ترابط جدي بين الوضع العراقي ولبنان، "فإذا انفجر الوضع في العراق ستتشدد إيران في سورية ولبنان، وفي المقابل، لا يوجد موقف واحد في السعودية". وتُضيف هذه المصادر إلى أن من يتواصل مع السعوديّة يُصدم باختلاف المواقف بين الأجنحة في السلطة السعودية.