05 مارس 2023
بمناسبة المؤتمر الكردي في موسكو
المؤكد أن الزعيمين العراقيين الكرديين، مسعود البرزاني وخصمه اللدود جلال الطالباني، كانا بين أكثر المستفيدين من غزو أميركا العراق واحتلاله عام 2003، اذ أصبح الأول رئيساً للإقليم الكردي في الشمال، بينما وصل الثاني إلى رئاسة العراق بأكمله. وفي موقع آخر، تمسك السوري الكردي، صالح مسلّم، حليف زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، بهذا الحزب، وشكل التنظيم الظل في سورية، تحت اسم حزب الاتحاد الديمقراطي، وتضعهما تركيا في مقدمة قائمة التنظيمات الإرهابية التي تحاربها. أما أكراد إيران فما زالوا خارج المشهد، ينتظرون التحولات المحلية والإقليمية والدولية.
تخلت أنقرة عن سياسة رفض المشروع الفيدرالي العراقي، بسبب التغيرات في التوازنات العراقية والإقليمية والمشهد السوري، وسياسة التصلب التي تمسكت بها لقطع الطريق على أحلام حزب العمال الكردستاني ومشروعه الانفصالي، فوطدت العلاقة مع أربيل، وتفاهمت مع البرزاني على رفض المشاريع الكردية في سورية وتركيا، فيما انصرف الطالباني وحلفاؤه في الإقليم إلى تبني مشروع معارضة يتصاعد ويتراجع، حسب البارومتر السياسي في الشمال.
يريد "العمال الكردستاني" توحيد مناطق سيطرته في شمال سورية مع إقليم شمال العراق نواة أولية لمشروعه في تركيا وإيران، لكنه يعرف جيداً أن كل ما يقوله ويريده يرتبط مباشرة بقدرته على مواجهة السياسة التركية الصارمة هنا، وكذلك المتغيرات الإقليمية والدولية، وتحديداً الموقفين الأميركي والروسي.
بدعوة من مركزي أبحاث ودراسات يتابعان الشأن الكردي في المنطقة، وبتمويل ودعم روسيين مباشرين، عقد سياسيون ومفكرون أكراد وروس مؤتمراً إقليمياً في موسكو، لبحث مستقبل
القضية الكردية في تركيا والعراق وسورية وإيران، البلدان الأربعة التي يتنازعون معها على حقوقهم السياسية والاجتماعية والثقافية، تحت عنوان "المنافسة لإعادة تقسيم النفوذ في الشرق الأوسط: الوضع الراهن والعواقب المحتملة"، بمشاركة ممثلين عن أكراد هذه البلدان. ويحمل المؤتمر في طياته دلالات عدة، منها أنه يعقد للمرة الأولى بهذا الشكل والتمثيل الواسع من الأكراد، وجاء قبيل انطلاق مفاوضات جنيف السورية بأيام، ويشكل فرصة روسية للأكراد لتنسيق مواقفهم تحت الرعاية والحماية التي توفرها لهم. ويبدو أن موسكو التي تخلت عن حليفها أوجلان، وقبلت تسليمه إلى أنقرة في 15 فبراير/ شباط 1999، تحاول أن تغفر لنفسها من خلال توقيت انعقاد المؤتمر في التاريخ نفسه الذي تخلت فيه عن أوجلان.
تقول قناعات كثيرة لمن شاركوا في المؤتمر أن الشرق الأوسط لم يعد قادراً على التعامل مع مفهوم الدولة القومية، وأن التغيير والتجديد السياسي والدستوري في إطار نظام الكونفدراليات بات ضرورة لا يمكن تجاهلها. وأنه إذا لم يكن للأكراد دور في مفاوضات جنيف، فإنهم لن يعترفوا بالقرارات التي ستنتهي إليها، وحق المشاركة في تقرير مصير بلادهم حقيقة لم يعد في الوسع إغفالها، إلى جانب ضرورة أخذ مصالحهم بالاعتبار، والتعامل معهم بمساواة، وبغض النظر عمّن سيكون في الحكم في سورية مستقبلاً.
ويرى الأكراد أنهم اليوم وسط تطورات تاريخية، تلعب دوراً بنّاءً لصالحهم، أكثر من أي وقت مضى، وأن الهدف الأكبر بالنسبة لأكراد سورية هو إنشاء دولة مستقلة خاصة بهم، أما الحد الأدنى لأهدافهم فهو حصولهم على حكم ذاتي سياسي وثقافي موسع، في إطار الدولة السورية. وهناك من يرى أن الأكراد وصلوا إلى مرتبة القبول بهم قوة تساهم في تحديد شكل مستقبل المنطقة، وأن التحولات التي أنتجتها ثورات الربيع العربي أعادت القضية الكردية إلى الواجهة، فضلاً عن نجاح الأكراد في استثمار الحرب على "داعش". ويستفيد أكراد صالح مسلم الذين يناورون على أكثر من جبهة من أجل الوصول الى هدفهم الأول في الحصول على حكم ذاتي في المنطقة الشمالية المتاخمة لتركيا، يستفيدون اليوم من الدعم الأميركي العسكري والمادي المباشر، تحت غطاء محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق. وهم يحاولون إقناع الإدارة الأميركية الجديدة أنهم، بتحالفهم مع القوى العربية في المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم، وبغطاء جوي أميركي، يمكنهم طرد "داعش" من الرقة نفسها، وأن مطلبهم الوحيد هنا هو ربط الكانتونات الكردية في شمال سورية ببعضها، من خلال تعطيل عملية درع الفرات التركية.
وقد تكون موسكو جاهزة لتفعيل ورقة بذل مزيد من الجهود، من أجل إنجاز عملية التفاهم بين نظام الأسد وصالح مسلم في سورية، وهي فعلت ذلك في ديسمبر/ كانون الأول من العام المنصرم، لكنها بشأن إمكانية الوقوف الى جانب اقتراح منح أكراد سورية الحكم الذاتي، تقول إن دستوراً فيدرالياً لسورية يحمي حصة الأكراد السياسية والدستورية ونفوذهم لا يعد اقتراحاً، بل تساؤلاً تطرحه هي لبدء المناقشة حول الموضوع، لكنها على الأرض تفعل أكثر من ذلك. سياسة أميركا الكردية كانت بين أسباب التقارب التركي الروسي، أخيراً، فهل يعقل أن تنسق روسيا مع أكراد سورية، من دون تفاهمات مسبقة مع أنقرة، أم أن موسكو تحاول سحب الورقة الكردية من يد واشنطن، للعبها هي في علاقتها بأنقرة وطهران؟
عادت موسكو التي سمحت بافتتاح ممثلية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وأصدرت
أوامرها بإغلاق الممثلية بعد تحسن علاقاتها بأنقرة، وحيث تتقاطع المصالح بين الجانبين. لكن موسكو بمقترحاتها، في إطار مشروع الدستور الذي تروجه في سورية الجديدة، تدعم قيام كيان فيدرالي هناك، وهي تدرك جيداً أنه بعد حرمانهم من حضور اجتماعات أستانة، لجأ أكرادُ سورية إليها، لبحثِ التنسيق في حماية مصالحهم. وهي لذلك تقدم تسهيلات حيال المطالب الكردية، إذا ما شعرت أن تفاهماً تركياً أميركياً، يتم من وراء ظهرها، وعلى حسابها في سورية. ورسالة تنظيم المؤتمر الكردي واحدة مما تستطيع أن تفعله موسكو، وذريعتها دائماً جاهزة هنا، الدفاع عن سورية، حليفها وشريكها الاستراتيجي. وقد تتحول إدارة ترامب نحو ترجيح التنسيق مع حليفها التركي في الملف السوري، لكن موسكو جاهزة لاستغلال علاقتها بأنصار المشروع الفيدرالي من الأكراد، وتقديم نفسها راعياً لمصالحهم، بدلاً من واشنطن، فيما تتشدد تركيا في منع إشراك مجموعات حزب الاتحاد الديمقراطي في أية مفاوضات تتعلق بسورية، تكون هي طرفاً فيها.
وفي لقائهما، قبل أيام، على هامش قمة الأمن في ميونيخ، أكد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم ومسعود البرزاني، على أهمية التعاون في سبيل مكافحة الإرهاب. وقال الزعيم الكردي إنه سيدعم مسألة عودة قوات "البيشمركة السورية" المحسوبة على الائتلاف الوطني السوري المعارض إلى مناطقهم، وأفاد بأن "لأكراد سورية الذي لا ينتمون لتنظيم الاتحاد الديمقراطي الحق أيضاً بالوجود في مناطقهم، وسندعم ذلك". وهذا تحرك تركي جديد بالتنسيق مع أربيل، لقطع الطريق على مشروع صالح مسلم في احتكار القرار والموقف والتمثيل السياسي والحزبي لأكراد سورية، لكنه أيضاً رسالة إلى واشنطن وموسكو أن أنقرة لن تتراجع عما تقوله في رفضها مشاريع الفيدراليات في المنطقة، من أجل فتح الطريق أمام كيانات كردية جديدة تساهم في تفتيت بنية دول المنطقة الاجتماعية والعرقية والدينية، غير أن حقائق أخرى تقول شيئاً آخر. المؤتمر الكردي في موسكو وتمسك واشنطن بحليفها المحلي الوحيد في سورية يكشفان عن أن روسيا وأميركا لا يمكن أن يفرطا في ورقة الأكراد بسهولة، وأن محاولات تركيا باتجاه إقناع واشنطن وموسكو في تبني ما تطرحه يتطلب تقديم تطميناتٍ، وربما تنازلاتٍ كثيرة للطرفين، أن ما تريده لن يكون على حساب مصالحهما ونفوذهما الإقليمي، فما الذي يمكن أن تقدمه أنقرة ويقتنعان به؟
في السيناريو المحتمل، لن تتخلى أنقرة عن مواقفها حيال حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وأميركا لن تتراجع عن دعمها الوحدات الكردية في سورية التي تحارب "داعش". قد يكون الحل في أن يتخلى أكراد صالح مسلم عن الذهنية التي يطرحونها، وينتظروا مسار الثورة في سورية، غير أن أكراد سورية يقولون إنهم تعلموا الدرس من اتفاق "سايكس بيكو" الأول قبل مائة عام، ولن يسمحوا بأن يكون مشروع سايكس بيكو الجديد على حسابهم مرة أخرى.
من المهم طبعاً أن نعرف بمن سيتزوج العريس الكردي المرتفعة أسهمه في هذه المرحلة، لكن المهم أيضاً أن نعرف العروس التي سيختارها من بين فتياتٍ عديدات حتى لا يقع في مطب الاكتفاء باختيار بذلة العرس التي سيرتديها لا أكثر.
تخلت أنقرة عن سياسة رفض المشروع الفيدرالي العراقي، بسبب التغيرات في التوازنات العراقية والإقليمية والمشهد السوري، وسياسة التصلب التي تمسكت بها لقطع الطريق على أحلام حزب العمال الكردستاني ومشروعه الانفصالي، فوطدت العلاقة مع أربيل، وتفاهمت مع البرزاني على رفض المشاريع الكردية في سورية وتركيا، فيما انصرف الطالباني وحلفاؤه في الإقليم إلى تبني مشروع معارضة يتصاعد ويتراجع، حسب البارومتر السياسي في الشمال.
يريد "العمال الكردستاني" توحيد مناطق سيطرته في شمال سورية مع إقليم شمال العراق نواة أولية لمشروعه في تركيا وإيران، لكنه يعرف جيداً أن كل ما يقوله ويريده يرتبط مباشرة بقدرته على مواجهة السياسة التركية الصارمة هنا، وكذلك المتغيرات الإقليمية والدولية، وتحديداً الموقفين الأميركي والروسي.
بدعوة من مركزي أبحاث ودراسات يتابعان الشأن الكردي في المنطقة، وبتمويل ودعم روسيين مباشرين، عقد سياسيون ومفكرون أكراد وروس مؤتمراً إقليمياً في موسكو، لبحث مستقبل
تقول قناعات كثيرة لمن شاركوا في المؤتمر أن الشرق الأوسط لم يعد قادراً على التعامل مع مفهوم الدولة القومية، وأن التغيير والتجديد السياسي والدستوري في إطار نظام الكونفدراليات بات ضرورة لا يمكن تجاهلها. وأنه إذا لم يكن للأكراد دور في مفاوضات جنيف، فإنهم لن يعترفوا بالقرارات التي ستنتهي إليها، وحق المشاركة في تقرير مصير بلادهم حقيقة لم يعد في الوسع إغفالها، إلى جانب ضرورة أخذ مصالحهم بالاعتبار، والتعامل معهم بمساواة، وبغض النظر عمّن سيكون في الحكم في سورية مستقبلاً.
ويرى الأكراد أنهم اليوم وسط تطورات تاريخية، تلعب دوراً بنّاءً لصالحهم، أكثر من أي وقت مضى، وأن الهدف الأكبر بالنسبة لأكراد سورية هو إنشاء دولة مستقلة خاصة بهم، أما الحد الأدنى لأهدافهم فهو حصولهم على حكم ذاتي سياسي وثقافي موسع، في إطار الدولة السورية. وهناك من يرى أن الأكراد وصلوا إلى مرتبة القبول بهم قوة تساهم في تحديد شكل مستقبل المنطقة، وأن التحولات التي أنتجتها ثورات الربيع العربي أعادت القضية الكردية إلى الواجهة، فضلاً عن نجاح الأكراد في استثمار الحرب على "داعش". ويستفيد أكراد صالح مسلم الذين يناورون على أكثر من جبهة من أجل الوصول الى هدفهم الأول في الحصول على حكم ذاتي في المنطقة الشمالية المتاخمة لتركيا، يستفيدون اليوم من الدعم الأميركي العسكري والمادي المباشر، تحت غطاء محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق. وهم يحاولون إقناع الإدارة الأميركية الجديدة أنهم، بتحالفهم مع القوى العربية في المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم، وبغطاء جوي أميركي، يمكنهم طرد "داعش" من الرقة نفسها، وأن مطلبهم الوحيد هنا هو ربط الكانتونات الكردية في شمال سورية ببعضها، من خلال تعطيل عملية درع الفرات التركية.
وقد تكون موسكو جاهزة لتفعيل ورقة بذل مزيد من الجهود، من أجل إنجاز عملية التفاهم بين نظام الأسد وصالح مسلم في سورية، وهي فعلت ذلك في ديسمبر/ كانون الأول من العام المنصرم، لكنها بشأن إمكانية الوقوف الى جانب اقتراح منح أكراد سورية الحكم الذاتي، تقول إن دستوراً فيدرالياً لسورية يحمي حصة الأكراد السياسية والدستورية ونفوذهم لا يعد اقتراحاً، بل تساؤلاً تطرحه هي لبدء المناقشة حول الموضوع، لكنها على الأرض تفعل أكثر من ذلك. سياسة أميركا الكردية كانت بين أسباب التقارب التركي الروسي، أخيراً، فهل يعقل أن تنسق روسيا مع أكراد سورية، من دون تفاهمات مسبقة مع أنقرة، أم أن موسكو تحاول سحب الورقة الكردية من يد واشنطن، للعبها هي في علاقتها بأنقرة وطهران؟
عادت موسكو التي سمحت بافتتاح ممثلية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وأصدرت
وفي لقائهما، قبل أيام، على هامش قمة الأمن في ميونيخ، أكد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم ومسعود البرزاني، على أهمية التعاون في سبيل مكافحة الإرهاب. وقال الزعيم الكردي إنه سيدعم مسألة عودة قوات "البيشمركة السورية" المحسوبة على الائتلاف الوطني السوري المعارض إلى مناطقهم، وأفاد بأن "لأكراد سورية الذي لا ينتمون لتنظيم الاتحاد الديمقراطي الحق أيضاً بالوجود في مناطقهم، وسندعم ذلك". وهذا تحرك تركي جديد بالتنسيق مع أربيل، لقطع الطريق على مشروع صالح مسلم في احتكار القرار والموقف والتمثيل السياسي والحزبي لأكراد سورية، لكنه أيضاً رسالة إلى واشنطن وموسكو أن أنقرة لن تتراجع عما تقوله في رفضها مشاريع الفيدراليات في المنطقة، من أجل فتح الطريق أمام كيانات كردية جديدة تساهم في تفتيت بنية دول المنطقة الاجتماعية والعرقية والدينية، غير أن حقائق أخرى تقول شيئاً آخر. المؤتمر الكردي في موسكو وتمسك واشنطن بحليفها المحلي الوحيد في سورية يكشفان عن أن روسيا وأميركا لا يمكن أن يفرطا في ورقة الأكراد بسهولة، وأن محاولات تركيا باتجاه إقناع واشنطن وموسكو في تبني ما تطرحه يتطلب تقديم تطميناتٍ، وربما تنازلاتٍ كثيرة للطرفين، أن ما تريده لن يكون على حساب مصالحهما ونفوذهما الإقليمي، فما الذي يمكن أن تقدمه أنقرة ويقتنعان به؟
في السيناريو المحتمل، لن تتخلى أنقرة عن مواقفها حيال حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وأميركا لن تتراجع عن دعمها الوحدات الكردية في سورية التي تحارب "داعش". قد يكون الحل في أن يتخلى أكراد صالح مسلم عن الذهنية التي يطرحونها، وينتظروا مسار الثورة في سورية، غير أن أكراد سورية يقولون إنهم تعلموا الدرس من اتفاق "سايكس بيكو" الأول قبل مائة عام، ولن يسمحوا بأن يكون مشروع سايكس بيكو الجديد على حسابهم مرة أخرى.
من المهم طبعاً أن نعرف بمن سيتزوج العريس الكردي المرتفعة أسهمه في هذه المرحلة، لكن المهم أيضاً أن نعرف العروس التي سيختارها من بين فتياتٍ عديدات حتى لا يقع في مطب الاكتفاء باختيار بذلة العرس التي سيرتديها لا أكثر.