بنكيران... ميسّي المغرب
شبّه بنكيران، مرة، المرأة بالثريا في السقف، ودعا، تلميحاً وتصريحاً، إلى أن مكانها الطبيعي هو البيت، لتربية الأبناء والحفاظ على لحمة الزوجية. ولأنه يعلم جيدا أن الحياة الاقتصادية في المغرب صعبة، وأغلب النساء العاملات في المهن المختلفة يعانين من استغلال وتمييز اجتماعي، والشابات يتأخر بهن سن الزواج، وقد تقضم زهرة شبابهم آلة العنوسة ومستتبعاتها، فإنه على يقين، وفي مثل هذا الوضع الاجتماعي المتراكم، أنه لو طرح بديلاً مجدياً على النساء، لتركن العمل، وجلسن في البيت.
عقل بنكيران الباطني، والمشكل في زمن الدعوة وبين أجنحة الحركة الإسلامية، يفكر بمثالية من لم يجرب مهاوي السياسة. كانت بعض تلك الطروحات الساذجة ترى أن مجرد إبقاء المرأة في البيت وحجبها سيحقق أمرين: المجتمع الإسلامي المنشود، وحل معضلة البطالة وسط الشباب الذكور. ولكن، لو قدر لهذا المجتمع "النموذجي" أن يتحقق، اليوم، لأصيب بنكيران وصحبه بالرعب، مجتمع الذكور في المدرسة والمعمل وعند طبيب التوليد.
أثار وصف "الثريات" نقمة النسائيات، وخسر بنكيران جولة، لكنه لم يضع السلاح، فهو يعرف، جيداً، أن مثل هذه الموضوعات الخلافية مساحة حرة لممارسة العمل السياسوي. ثم جاء ملف الإجهاض، وهنا، وجد بنكيران الفرصة متاحة للتسديد من خلال تحريك أجنحته الحزبية، وفلك الجمعيات الدينية القريبة منه، وكاد أن يحشر النشطاء المدنيين في الزاوية، غير أن التدخل الملكي حمل الخلاف حول الإجهاض إلى مستوى آخر، قانوني في شقه الأكبر، وطبي لا يخالف الشرع، وشكل لجنة تقنية لإعداد مشروع قانون، وأقفل الموضوع.
ثم جاءت واقعة حب الوزيرين المنتميين لحزب العدالة والتنمية، لتضع بنكيران في مأزق النقاش حول ظاهرة التعدد، وما تزال ذيول القضية جارية، بسبب تحولها إلى موضوع رأي عام، مع ما رافق ذلك من تداعيات ومشاركة الأطراف الرئيسية في تأجيجها بتصريحات غامضة ومتناقضة.
لا يتورع بنكيران في هذا كله عن الضرب بقوة، يستحلي هزم خصومه، يواجه الفاعلات النسائيات المناوئات له بقسوة، كما في واقعة رئيسة فريق حزب الأصالة والمعاصرة، ميلودة حازب، أو حين اتهم الناشطات المدنيات بأنهن استقدمن نساء أميات أمام البرلمان للاحتجاج، وأنهن لا يستطعن أن يحشدن مائة امرأة. وحين يكون له مزاج رائق، تكون المرأة موضوعه الذي يمتطيه بيسر، كأن يشبّه، وهو يطلب السماح من سامعيه، شعبية حكومته بالمرأة التي تريد أن تتزوج وتلد، ولا يتغير شكلها.
هكذا، فموضوع المرأة ليس طارئا في فكر بنكيران، وفي ممارسته السياسية، إنه الأداة الصلبة لهزم الخصوم وفذلكة النقاشات الجادة والهروب إلى الأمام، ومراوغة الأزمات الاجتماعية الحادة، والعزف على المخيال الجماعي المعجون من دقيق الدين ونخالة التقاليد. ولا شك أن هذا العجين سيطعم خبزا ناضجا وأحمر، يغري بالقضم ويشد إليه الجوعى، لحلول المعضلات المزمنة.
ووسط كل هذا الاستعمال المفرط للخطابات المتناقضة حول المرأة، يعبر بنكيران عن يقين تام بأن النساء يحببن حزب العدالة والتنمية، ويحببن شخصه، وأنه لو خرج مع أي زعيم حزب سياسي آخر في مبارزة إلى أي زقاق في المغرب لنال كل أصوات نسائه. إنه ميسّي المغرب، بتخريجاته في معتركات الخصوم.
وببراغماتية لا حدود لها يصرح: المرأة المغربية تحبنا، وتحب حزب العدالة والتنمية، لقد التقيت حتى نساء من النخبة، وكن يقلن لي ممتنات: الله يعطيك الصحة.