تجلّت أزمة جديدة بين الحكومة ونقابة القضاة في الجزائر، على خلفية ما اعتبرته النقابة انتقاماً من قاضٍ بسبب نشاطه والتشهير به عبر الصحافة والقنوات المحلية، دون احترام قرينة البراءة وسرية التحقيقات.
وطالبت النقابة الوطنية للقضاة، في بيان، اليوم الجمعة، الرئيس عبد المجيد تبون بالتدخل وممارسة صلاحياته الدستورية واتخاذ كافة التدابير، لوضع حد لما وصفته "بحالة الفوضى والتجاوزات التي شهدتها ساحة القضاء أخيراً، حفاظاً على ما تبقى من مصداقيته وطنياً ودولياً مع محاسبة كل المسؤولين عن ذلك".
وحمل البيان لهجة مشدّدة ضد وزير العدل بلقاسم زغماتي، مهدداً بمراسلة الاتحاد الدولي للقضاة والتبليغ عن التجاوزات التي يتعرض لها القضاة في الجزائر، على خلفية قضية وكيل الجمهورية المساعد بمحكمة تيارت غربي الجزائر، عباد قادة، والذي اعتقلته السلطات بتهمة تسريب وثائق وملفات فيها معلومات عن صحافي جزائري موجود في الخارج ويستغلها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكذب بيان نقابة القضاة ما تم نشره في وسائل الإعلام الحكومية والتلفزيون الرسمي، خاصة بشأن تورط هذا القاضي في تسريب وثائق للجزائري الموجود في الخارج.
وأكدت النقابة في بيانها أن التحقيقات الأولية التي قامت بها مصالح الضبطية القضائية، لم تسفر عن تسريبات أو اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع الشخص المذكور.
واعتبرت أن عملية التوقيف إنما "الغرض منها هو انتقامي بحت، سببه نضاله النقابي الذي عرف به لجهة عمله واستماتته في الدفاع عن حقوق القضاة".
وأضافت أن "الحملة الإعلامية الرسمية التي شنت ضده، وذكر اسمه كاملاً في القنوات المحلية هدفهما التستر على المهازل الإجرائية التي شابت متابعته"، معتبرةً أنّ "الأطراف التي تقف وراء هذا الانتقام "تستغل الظروف الاستثنائية التي يعيشها الوطن وتجنيد الجميع لمواجهة وباء كورونا".
وأشارت النقابة الوطنية للقضاة إلى أن وكيل الجمهورية المساعد الموقوف دخل في إضراب عن الطعام منذ إيداعه الحبس المؤقت الأسبوع الماضي، مُحملةً وزارة العدل المسؤولية عن أي مكروه سيطاول وكيل الجمهورية.
ويشير بيان نقابة القضاة ودعوتها الرئيس للتدخل للحد "من الفوضى في العدالة"، إلى تطور تصعيدي في الأزمة الجديدة بين القضاة ووزير العدل، خاصة أن تداعيات الأزمة السابقة لا تزال قائمة.
وكانت الجزائر قد شهدت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي حالة تمرد غير مسبوقة وأزمة حادة بين القضاة والحكومة، الأمر الذي أدى إلى شل المحاكم، بعد إضراب عام للقضاة دام عشرة أيام، على خلفية تحويل 1500 قاضٍ من مناصبهم دون احترام القانون وسلطة المجلس الأعلى للقضاء.
وتخلل تلك الأزمة حينها اعتداء على القضاة من قبل الأمن داخل قاعة محكمة وهران غربي البلاد، قبل أن تتدخل وساطات عليا لإنهاء الإضراب.
وفي التاسع من فبراير/شباط الماضي، خرج النائب العام في محكمة سيدي امحمد وسط العاصمة الجزائرية، أحمد بلهادي عن واجب التحفظ، وأطلق تصريحات مثيرة خلال جلسة محاكمة 19 ناشطاً من الحراك الشعبي كانوا قد اعتقلوا خلال التظاهرات الشعبية، قائلاً إنه يرفض "القرارات الفوقية".
وأضاف حينها أن "الجزائريين يمشون قدماً نحو الجزائر الجديدة، لهذا أنا أتحمل المسؤولية بصفتي ممثل الحق العام وأرفض التعليمات والمذكرات الفوقية التي تأتي من فوق (يقصد من السلطة)، وتجسيداً لمبدأ استقلالية القضاء، أطلب تطبيق القانون في حق هؤلاء وألتمس البراءة في حقهم".
ويشكو القضاة والمحامون في الجزائر من هيمنة السلطة السياسية والتنفيذية والأجهزة الأمنية على العدالة والضغط عليها لتوجيه القضايا وفقاً لرغبات هذه الأطراف، وعلى الرغم من تعهدات الرئيس الجديد عبد المجيد تبون بضمان استقلالية العدالة، إلا أن القضاة ما زالوا يعانون من الممارسات السابقة، إذ كان القضاة خلال الحراك الشعبي قد نظموا عدة وقفات احتجاجية للمطالبة باستقلالية العدالة وإنهاء هيمنة السلطة والأجهزة عليها.