سرني موت بيريز، وقد يقول البعض "لا شماتة في الموت"، لأن الموت غيّب داهية أوهم العالم، والكثير من الفلسطينيين والعرب، بخديعة "السلام"، التي لم تكن إلا فخاً نصبه "ثعلب إسرائيل" لتقع فيه ثلة من الواهمين، لم يحصدوا بعد عشرات السنين من التفاوض والثرثرة إلا بعض الفتات. باع "أبو القنبلة النووية الإسرائيلية" الوهم للمهرولين اللاهثين وراء سراب السلام والتطبيع، واشترى الوقت حتى تتوسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وحتى يمضي الكيان الصهيوني وعصابات اليمين قُدماً في تهويد القدس المحتلة وطمس هويتها العربية الإسلامية، وحتى تشيد إسرائيل جدار الفصل العنصري، وحتى تكتمل ولادة "الدولة اليهودية" وتصبح عتيدة بقوتها، وقوية بضعف أعدائها، وأقوى بدعم أصدقائها.
ما أبكاني في موت بيريز، ليس غيابه، بل هو هذا الهوان الذي وصل إلى قعره بعض الفلسطينيين والعرب، الذين تباكوا حزناً وحسرة على فقدان "صانع السلام"، بل ومن "البواكي" من اعتبر غيابه "خسارة"، وذهب البعض أبعد في التباكي والنواح على "الفقيد الغالي"، إلى درجة التغني بإنجازات "الشريك في صنع سلام الشجعان".
وكأن بواكي بيريز من العرب والفلسطينيين تناسوا أن فقيدهم، ابن عصابات الـ"هاغاناه"، لم يُنجز في حياته إلا المجازر الغارقة في الدم العربي من دير ياسين وكفر قاسم، إلى قانا والجولان، مرورا بقطاع غزة، وصولاً إلى كل شبر من الأراضي العربية دنسته آلات القتل والدمار الصهيونية.
لا أرى في ما أرى اليوم في مراسم التشييع، إلا وجه بيريز الأصفر، يُلقي نظرة شماتة، على بواكيه العرب، مودعاً "موتهم" بابتسامة خبيثة.