بعد ساعات من إعلان رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي موعداً لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، الذي حدده في السادس من يونيو/ حزيران من العام المقبل، بدت بوادر أزمة سياسية تلوح بالأفق، بعد ردّ رئيس البرلمان محمد الحلبوسي على الكاظمي، بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، في رفض منه للموعد الذي حدده رئيس الحكومة ليل أمس الجمعة، داعياً إلى جلسة برلمانية طارئة.
الموعد الذي حدّده الكاظمي، وألقى من خلاله الكرة في ملعب البرلمان، داعياً إياه إلى إنجاز قانون الانتخابات وإرساله إلى رئيس الجمهورية للتصديق عليه، جاء في ظل استمرار الخلاف بين القوى السياسية بشأن القانون الذي لم يستطع البرلمان التصويت على تعديلات مفترضة عليه، إذ تسعى الكتل الكبيرة التي انفردت بالحكم على مدى السنوات الماضية، إلى أن تكون التعديلات منسجمة مع إرادتها، وبما يمنحها فرصة الفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المقبلة، وسط تقاطعات مع الكتل الأخرى المعارضة لها.
جاء قرار الكاظمي في ظل استمرار الخلاف بين القوى السياسية بشأن قانون الانتخابات الذي لم يستطع البرلمان التصويت على تعديلات مفترضة عليه
وردّ رئيس البرلمان على الكاظمي في تغريدة عبر حسابه الخاص على "تويتر"، قائلاً إن "الحكومات المتعاقبة لم تنفذ برامجها الحكومية ومناهجها الوزارية، التي لم تتعدَّ السطور التي كتبت بها، ما أدى إلى استمرار الاحتجاجات الشعبية بسبب قلة الخدمات، وانعدام مقومات الحياة الكريمة"، داعياً إلى "انتخابات أبكر، وعقد جلسة برلمانية طارئة مفتوحة علنية بحضور الرئاسات والقوى السياسية، للمضي بالإجراءات الدستورية وفقاً للمادة 64 من الدستور، فهي المسار الدستوري الوحيد لإجراء الانتخابات المبكرة، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته".
— محمد الحلبوسي (@AlHaLboosii) July 31, 2020
وتنص المادة الـ64 من الدستور على حلّ البرلمان بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حلّ البرلمان في أثناء مدة استجواب رئيس الوزراء، وأن يدعو رئيس الجمهورية عند حلّه إلى انتخابات عامة في البلاد، خلال مدة أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحلّ، ويُعدّ مجلس الوزراء في هذه المدّة مستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية.
وعدّ "تحالف الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، إجراء الانتخابات في الموعد المحدّد، أمراً غير ممكن، معتبراً أن الحكومة "عاجزة" عن توفير الظرف المناسب، واصفاً تحديد الكاظمي موعداً للانتخابات بـ"كلام غير مستند إلى الواقع".
وقال النائب عن التحالف وليد السهلاني لـ"العربي الجديد": "على الكاظمي أن يدرس طبيعة المعطيات السياسية على الساحة العراقية من دون مبالغة قبل تحديد موعد للانتخابات، وأن تكون الحكومة لديها القدرة على تهيئة الأجواء المناسبة لإجراء انتخابات نزيهة"، مؤكداً "عدم قدرة الحكومة على توفير الأجواء، ولا سيما أنها لا تستطيع أن تعيد هيبة الدولة وأن تسيطر على الأمن، وكيف لها أن تضبط صناديق الاقتراع؟".
وأشار إلى أن "هناك معوقات فنية وسياسية كثيرة تعترض إمكانية إجراء الانتخابات، منها أن المحكمة الاتحادية غير مكتملة النصاب، ولا يمكن إجراء انتخابات من دون إكمال نصابها، كما أن هناك خلافاً حاداً بين القوى السياسية بشأن قانون الانتخابات، فضلاً عن الأزمة المالية وجائحة كورونا، وغيرها"، داعياً الكاظمي إلى "الابتعاد عن اللغة الإعلامية ولغة المجاملات، وأن يستند إلى المعطيات الواقعية، وأن يتعامل بجدية مع ملف الانتخابات".
من جهتهم، رأى مراقبون أن الكاظمي أراد إحراج القوى السياسية والبرلمان من خلال تحديد الموعد، لكن تلك القوى لديها أوراق كثيرة ومصدات ستضعها بوجه الانتخابات المبكرة.
وقال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري لـ"العربي الجديد"، إن "الكاظمي أراد إرسال رسالة بأن حكومته تمضي باتجاه تطبيق ما رسم لها، بإجراء الانتخابات المبكرة، من خلال تحديد الموعد، وفيما يبدو أنه لم يذهب باتجاه التوافق السياسي بقدر ما هو يثأر من الجهات التي أعاقت عمل حكومته، وهو لا يريد أن يعطي مساحة جديدة أو حالة ابتزاز جديدة لتلك الجهات التي لا ترغب في إجراء انتخابات مبكرة، لذلك هو يذهب باتجاه إحراجها، ويلقي مسؤولية التزام الموعد على البرلمان لغرض استكمال قانون الانتخابات".
وأضاف: "يبدو أن الموعد هو محاولة لوضع تلك القوى أمام الأمر الواقع، ومن ثم عدم إعطائها مساحة لابتزاز الكاظمي"، مرجحاً أن "تتجه تلك القوى نحو مناورة سياسية يمكن من خلالها ألّا تجري الانتخابات، كأن يكون هناك خلاف تحت قبة البرلمان حول آلية التصويت أو الموعد أو التشكيك في كل شيء، كالمفوضية وقانون الانتخابات والمراقبين الدوليين وغيرها، وستكون هذه مصدات من قبل القوى بوجه موعد الكاظمي".
وشدد على أن "الموضوع بحاجة إلى إرادة سياسية، وأن رغبة الكاظمي وإرادته لا تكفي لإجراء الانتخابات المبكرة، بقدر ما أن القوى السياسية لديها أوراق كثيرة".