مع بدء العد التنازلي لجولة الإعادة بانتخابات الرئاسة الأوكرانية المقرر إجراؤها في 21 إبريل/نيسان الحالي، يجد الرئيس المنتهية ولايته، بترو بوروشنكو، نفسه في وضع لا يحسد عليه بعد تخلّفه عن منافسه الممثل فولوديمير زيلينسكي، بفارق كبير في الجولة الأولى، في 31 مارس/آذار الماضي. وبذلك، يواجه بوروشنكو الذي حصل على حوالي 16 في المائة فقط من أصوات الناخبين مقابل 30 في المائة لزيلينسكي، تحدياً كبيراً لرفع نسبة تأييده خلال الأسبوعين المقبلين من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
في هذا الإطار، رأى مدير برنامج "المؤسسات السياسية والسياسة الداخلية الروسية" بمركز "كارنيغي" في موسكو، أندريه كوليسنيكوف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تقدم زيلينسكي الذي يفتقد أي خبرة سياسية، يدل على وجود إقبال على وجوه جديدة في أوكرانيا، لا سيما بين الناخبين الشباب". وأضاف أنه "بحسب استطلاع أجرته مجموعة ريتينغ للدراسات الاجتماعية، إن 40 في المائة من ناخبي زيلينسكي هم شباب بين الـ18 والـ29 من العمر، وأكثر من نصفهم من سكان مدن جنوب شرقي البلاد، وهي منطقة تضم أكبر نسبة من السكان الناطقين بالروسية والموالين لروسيا". ورأى كوليسنيكوف أن "الشباب صوّتوا لصالح زيلينسكي، باعتباره وجهاً جديداً، فلم تعد للخبرة الإدارية أهمية قصوى، والأهم أنه شخص جديد وشاب وساخر".
وحول خيارات بوروشنكو لرفع شعبيته قبل جولة الإعادة، توقّع "أن يعتمد على الخطاب الوطني وموقفه المعادي لروسيا، والتحذيرات من خطورة تولي شخصية بلا برنامج ولا رؤية زمام الرئاسة في البلاد". وتابع كوليسنيكوف: "وعد بوروشنكو بالانضمام إلى حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وشدد خطابه القومي والموالي للغرب في آن معاً. ولكن يبدو أن السكان تشبّعوا من ذلك إلى حد أنهم انتخبوا شخصية بلا خلفية سياسية".
من جهته، رأى الصحافي المستقل المتخصص في الشؤون الأوكرانية، قسطنطين سكوركين، أن "المواجهة بين الشعبوية الجديدة المتمثلة في زيلينسكي الذي راهن على الناخبين الناطقين بالروسية، والقومية الوطنية المتمثلة في بوروشنكو، تنذر بتجدد الصدام بين (الأوكرانيتين) على غرار ما حدث بعد أحداث القرم ودونباس (لوغانسك ودونيتسك) في عام 2014".
وأضاف سكوركين الذي يتعاون مع مركز "كارنيغي" أيضاً، لـ"العربي الجديد"، أن "بوروشنكو أصبح رئيساً عام 2014، حين التفّ قسم هام من النخبة والمجتمع حول قضية الحفاظ على البلاد بعد أحداث القرم وميدان كييف، وكان عليه الجمع بين وقف عملية تفكك أوكرانيا وإجراء الإصلاحات. ولكن أوكرانيا سقطت في مصيدة (الفترة الانتقالية الدائمة)، حين لا تؤدي الإصلاحات إلى أي تغييرات نوعية، ولا تستفيد منها سوى النخبة".
وحول دور ذلك في صعود مرشح شعبوي بلا خبرة سياسية، قال: "ما كان لفشل بوروشنكو أن يمر من دون أن يتسبب في موجة من الشعوبية المناهضة للنظام، فركبها زيلينسكي. وإلى جانب تقديم نفسه على أنه مرشح (ضد الجميع)، سعى للتعبير عن مصالح سكان جنوب شرقي أوكرانيا الناطقين بالروسية الذين شبعوا من عسكرة بوروشنكو".
ومع ذلك، توقع سكوركين أن "يواصل بوروشنكو خطابه المناهض لموسكو بين جولتي الانتخابات"، قائلاً إن "ثمة مفارقة بأن بوروشنكو نجح في استنساخ نموذج الدعاية الروسية في الظروف الأوكرانية؛ فالكرملين يعتبر أنه لا يواجه أوكرانيا أو بوروشنكو، بل (دمية الغرب). كما يعمل بوروشنكو على إقناع الناخبين بأنه يواجه خصمه الحقيقي، أي فلاديمير بوتين، بينما منافسوه هم إما متعاونون مع العدو وإما الطابور الخامس".
بدورها، أشارت صحيفة "كوميرسانت" الروسية إلى أن "تقدم الممثل زيلينسكي ليس ظاهرة فريدة من نوعها"، مذكّرة بأن "الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم يكن رجل أعمال فحسب، بل مقدّم برامج أيضاً، بالإضافة إلى السجل السينمائي الحافل لكل من الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، والحاكم السابق لولاية كاليفورنيا أرنولد شوارزنيغر".
وفي مقال بعنوان "ظاهرة زيلينسكي"، أرجعت الصحيفة ذلك إلى "تلاشي الحدود الكلاسيكية بين اليمينيين واليساريين، فيجد الناخب نفسه أمام مأزق (السياسة بلا سياسات، والسياسات بلا سياسة)، بالتالي يضطر أي سياسي للاعتماد على فريق تكنوقراط يتبع السياسات نفسها تقريباً". وخلص المقال إلى أن "صعود زيلينسكي يندرج ضمن التوجه العالمي لاستبدال الأجندة الأيديولوجية بأخرى تعتمد على الإعلام ونظريات المؤامرة".