اطّلع أ. ر. نيكل، أثناء إقامته في روما عام 1934، على مخطوطةٍ نادرةٍ في مكتبة الفاتيكان، تبيّن له أنّها من المخطوطات العربية القليلة التي سَلِمت من محرقة كنوز الأدب العربي في الأندلس، خلال الحروب الأخيرة التي شهدتها الدولة الإسلامية. ويُعتقد أن المخطوطة نُقلت إلى فرنسا، ثم إلى روما، أيام الملك الإسباني تشارلز الخامس.
عمل نيكل على إخراج المخطوطة المتضرّرة بحالة مناسبة، وترجمها إلى الإسبانية، من دون أن يتدخّل في تصحيح الأخطاء الواردة فيها، أو ملء الفراغات الناتجة عن عدم وضوح بعض الكلمات أو فقدان بعض الأجزاء، وفي أكثر من حالة، صفحات كاملة. وقد نشرت "دار الورّاق" أخيراً هذا العمل النادر، بعدما أشرف على تحقيقه والتقديم له صباح جمال الدين، مرفقاً بصور لـ 14 منمنمة كانت تزيّن المخطوطة الأصلية.
تبدأ القصة مع ملاحظة تفيدنا بأن أول صفحة مفقودة، وبأننا مضطرون إلى الانتقال إلى الصفحة الثانية لنتعرّف إلى قصة بياض ورياض التي تروى على لسان عجوز تضطلع بدور كبير في التقريب بين البطلين. يقع بياض، وهو ابن تاجر سوري، في غرام رياض، وهي "جارية" لدى حاجب يبدو أقرب إلى أمير من أمراء الطوائف في الأندلس، وهو التوصيف المذكور في مقدمة الكتاب.
تُعتبر رياض من المفضّلات لدى الحاجب وابنته التي تُشرف على الجواري وتستمتع بمصاحبتهن والغناء وإنشاد الشعر معهن. لكن السيدة، وهذا لقب ابنة الحاجب، تغضب أخيراً حين تكتشف قصة غرام بياض ورياض، وتأمر بعزل رياض عن محيطها حتى تتوب عن حبّها وإشهارها له، ولا تعرّض كليهما لغضب الحاجب.
الرواية مليئة بالأشعار والأغاني التي تنشدها الجواري أحياناً حين يجتمعن لتمضية الوقت والسمر، أو تأتي على لسان بياض ورياض اللذين يعبّران عن غرامهما وأشواقهما من خلالها. يُجادل صباح جمال الدين الرأي القائل إن أحداث الرواية تجري في شمال أفريقيا أو الأندلس؛ فمع أنه يتّفق مع الإجماع القائل بأن تاريخ تأليف الكتاب يعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي، إلا أنه يرى أن الكاتب، مجهول الهوية، استوحى أو دوّن الحكاية في العراق، أو في مكان ما في المشرق العربي، لتعود فتُكتب ثانية في شمال أفريقيا.
ويرتكز جمال الدين في رأيه هذا على توصيف إحدى الصور التي تشير إلى أن بطل الرواية كان مرمياً من لواعج غرامه على "نهر الثرثار"، وهو موضع معروف اليوم في العراق، قرب سامرّاء، يسمّى "وادي الثرثار".
ويدعم جمال الدين رأيه بمقارنته بين الشعر في الأندلس وشمال أفريقيا، وبين الشعر المشرقي؛ مقارنة تظهر فيها الأشعار التي جاءت في الكتاب أقرب إلى الأخير منه إلى الأول. ثمة الكثير من السطور المفقودة داخل الرواية، رغم أن جمال الدين ثبّت بعض الكلمات اعتماداً على السياق ودراسته للنص. مع ذلك، يبقى الكتاب فرصة للاطلاع على نصّ من نصوص تلك المرحلة، وتوسيع معرفتنا بتطوّر الرواية العربية.