وأوضح الجبير، خلال مشاركته في مؤتمر حوار المنامة الأمني، أن "توقيت رحيل الرئيس السوري بشار الأسد وانسحاب المقاتلين الأجانب لا يزالان إحدى نقاط الخلاف الرئيسية للتوصل إلى حل دائم للحرب في سورية".
وفي تأكيد على صعوبة جولة فيينا الأخيرة وما ينتظر الجولة الجديدة المرتقبة، قال الجبير "لم نكن قادرين على التوصل إلى اتفاق"، مشيراً إلى أن سياسة السعودية تجاه سورية لم تتغير، وأنها ماضية في دعم "المعارضة السورية المعتدلة"، بحسب توصيفها.
وأوضح الجبير، في تصريحات نقلتها وكالة "أسوشييتد برس" أن المفاوضات لم تقدم شيئاً يذكر لتغيير موقف السعودية بأن الأسد لا بد أن يرحل، معتبراً أنه "من الناحية المثالية، يجب أن يرحل هذا المساء. كلما كان أقرب كلما كان أفضل". كما أشار إلى أن "وجود مقاتلين أجانب، إيرانيين على وجه الخصوص، عقبة أمام إنهاء القتال".
من جهته، أشار نائب وزير الخارجية الأميركي، توني بلينكن، في مؤتمر حوار المنامة أيضاً، إلى أن "التدخل العسكري الروسي في سورية، على الرغم من أنه ينظر إليه على نطاق واسع على أنه دعم للأسد، يمكن أن ينتهي بتحفيز موسكو على العمل نحو انتقال سياسي يزيحه من السلطة". وقال بلينكن "روسيا لا يمكنها أن تستمر في هجومها العسكري ضد أي شخص يعارض حكم الأسد الوحشي. الكلفة سوف تزداد كل يوم على المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني - لكنه في أفضل الأحوال سوف يمنع فقط خسارة الأسد". وتنبأ "بمستنقع" يدفع روسيا للانخراط أكثر في النزاع بجانب حلفاء سورية، إيران وحزب الله، الذي يؤدي إلى نفور المسلمين السنة في المنطقة وفي روسيا نفسها على حد سواء.
أما وزير الخارجية الإيراني، فنقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" عنه إشارته عقب عودته إلى طهران، إلى وجود خلاف جدي بين الأطراف الفاعلة على طاولة الحوار، قائلاً "إن الحاضرين طرحوا في مبادراتهم موضوع مصير الرئيس السوري بشار الأسد" قبل أن يضيف "الأمر واضح بالنسبة لإيران، فمصير الأسد يحدده السوريون أنفسهم"، حسب تعبيره.
واعتبر ظريف أن "الهدف من اجتماع فيينا هو تسريع الحل السياسي"، قائلا إن بلاده "أكدت هناك على ضرورة شن حرب حقيقية ضد التنظيمات الإرهابية ولم تأت لترسم شكل مستقبل سورية". من جهته، نفى مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان الخبر الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام والذي أشار إلى موافقة طهران على مرحلة انتقالية، فضلاً عن موافقتها على رحيل الأسد خلال فترة تصل لستة أشهر، قائلا إن هذا لا أساس له.
وكان لقاء فيينا قد خرج بتسعة بنود تمّ الاتفاق عليها بين الحاضرين، بالإضافة إلى الاتفاق على عقد اجتماعٍ آخر بعد أسبوعين، بغية تضييق الخلافات أكثر بين الأطراف الدولية والإقليمية، تحديداً الخلاف على مصير الرئيس السوري بشار الأسد.وتم الاتفاق في فيينا على البنود التالية: "وحدة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها وهويتها العلمانية أمور أساسية"، و"مؤسسات الدولة ستظلّ قائمة"، و"حقوق كل السوريين يجب حمايتها بصرف النظر عن العرق أو الانتماء الديني"، و"ضرورة تسريع كل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب"، و"ضمان وصول المنظمات الإنسانية لكل مناطق سورية، وسيعزز المشاركون الدعم للنازحين داخلياً وللاجئين وللبلدان المستضيفة"، و"الاتفاق على ضرورة هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيرها من الجماعات الإرهابية كما صنفها مجلس الأمن الدولي واتفق عليه المشاركون".
اقرأ أيضاً: ليالي الأنس في فيينا
كما تنصّ البنود على أنه و"في إطار العمل ببيان جنيف 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2118، فإن المشاركين وجّهوا الدعوة للأمم المتحدة إلى جمع ممثلي الحكومة والمعارضة في سورية، في عملية سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، على أن يعقب تشكيلها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات. وينبغي إجراء هذه الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة بموافقة الحكومة وبالتزام أعلى المعايير الدولية للشفافية والمحاسبة، وأن تكون حرة نزيهة يحق لكل السوريين، ومنهم المغتربون المشاركة فيها".
وتفيد البنود بأن "سورية هي التي تملك وتقود هذه العملية السياسية، والشعب السوري هو من يحدد مستقبل سورية"، و"المشاركون ومعهم الأمم المتحدة، سيدرسون ترتيبات وتنفيذ وقف لإطلاق النار بكل أنحاء البلاد، يبدأ في تاريخ محدد وبالتوازي مع هذه العملية السياسية الجديدة". ويخلص بيان فيينا إلى أن "المشاركين سيعكفون في الأيام المقبلة على تضييق هوّة الخلافات المتبقية والبناء على نقاط الاتفاق. ويجتمع الوزراء خلال اسبوعين لمواصلة هذه المباحثات".
وكان الاجتماع قد ضمّ كلا من الولايات المتحدة وروسيا والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيران والعراق وإيطاليا والأردن ولبنان وعُمان وقطر والسعودية وتركيا والإمارات وبريطانيا، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، ممثلة بالمبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا.
ويبدو البند الأول مؤشراً على رغبة الدول بعدم اتجاه سورية نحو التقسيم، الأمر الذي من شأنه إفشال المخطط الإيراني بالحفاظ على ما تُسمّيه طهران بـ"سورية المفيدة". كما أن بند التأكيد على علمانية الدولة عبّر بشكل واضح عن عدم سماح المجتمع الدولي بإنشاء كيان سياسي في سورية على أساس ديني، ووضع الفصائل والتنظيمات ذات التوجه الإسلامي أمام خيار من اثنين، إما الاستمرار بالحرب وتجاهل المجتمع الدولي، وإما تغيير التوجه العام لها. وهو أمر قد ينذر بصدامات مستقبلية مع تلك الفصائل والتنظيمات، في حال بوشر العمل بشكل فعلي على طريق الحل السياسي.
أما بند المحافظة على مؤسسات الدولة، فيحمل الكثير من اللبس، ويحتاج إلى الكثير من التفصيل، إذ إن الجميع متفق على المحافظة على مؤسسات الدولة (النظام والمعارضة). إلا أن النظام يرى أن مؤسسات الدولة الأساسية التي يجب الحفاظ عليها هي المؤسسة الأمنية والعسكرية، فيما ترى المعارضة أن مؤسسات الدولة هي كل المؤسسات الحكومية عدا هاتين المؤسستين اللتين تحتاجان لإعادة هيكلة، وفقاً لبيان جنيف. ويرى الطرف المعارض في هاتين المؤسستين، سبباً في سفك دم السوريين. وتكمن أهمية المباحثات باعتبارها بمثابة مجموعة اتصال دولية، كان يطمح إلى تشكيلها دي ميستورا، لتكون المظلة السياسية لخطته التي يسير فيها لإيجاد حل سياسي.
كما أن الاتفاق الذي تم من قبل جميع المشاركين بمن فيهم إيران والذي ثبّت مرجعية جنيف كأساس للحل السياسي، يعطي موافقة مبطنة لإيران على بيان جنيف. ويندرج هذا الأمر ضمن إجراءات بناء الثقة، التي أكد على ضرورتها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
وفي تصريحاتٍ لـ "العربي الجديد"، يفيد أمين سر الهيئة السياسية في "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" أنس العبدة، بأن "الائتلاف يُرحّب بأي جهد حقيقي وفعّال لتخفيف معاناة الشعب السوري ووقف القتل المستمر منذ نحو خمس سنوات على أيدي النظام السوري وحلفائه، ومن ثم البدء بعملية سياسية عادلة تستند إلى بيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة".
ويضيف أن "الائتلاف مستعدّ للانخراط في عملية سياسية مستندة إلى بيان جنيف، تبدأ من تشكيل هيئة حاكمة انتقالية، واستئناف المفاوضات الجادة لجنيف 3، عند الدعوة إليها من قبل الأمم المتحدة من النقطة التي انتهت إليها مفاوضات جنيف 2".
بدوره، يشير عضو الهيئة السياسية في "الائتلاف" موفق نيربية، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لم يخفِ تفاؤله بأن تكون المباحثات بداية لتغيير الموقف الروسي المتمترس في خندق حماية النظام السوري، تحديداً بعد تواجده العسكري على الأرض".
ويضيف أن "هذا التفاؤل هو انعكاس لرغبتنا المتزايدة في الخروج من حمام الدم والدمار، إلى مسار سياسي عقلاني وراسخ، بمساعدة العالم، الذي أساء إلينا كثيراً جداً حتى الآن، ونستحق منه وقفة ضمير يتطلّبها القانون الإنساني الدولي وشرعة الأمم المتحدة".
ويعتبر نيربية أن "النتيجة الأبرز تتجلّى في النقطة الأولى عبر التأكيد على وحدة سورية واستقلالها، غير أن الالتباس يكمن حول بند التوافق على استمرار مؤسسات الدولة". ويتوجس نيربية في هذا السياق، من أن "يؤدي هذا الأمر لدى البعض إلى تكريس المؤسسات الأمنية والعسكرية التي أسهمت في الجرائم ضد الإنسانية وبقاء جوهر النظام". وينوّه إلى أن "الائتلاف لا يريد انهيار المؤسسات وبنية الدولة التحتية بل يهتم بالحفاظ عليها، أما في ما يتعلق بحماية كافة أطياف المجتمع السوري، فهو أمر مرحّب به والائتلاف حض عليه".
ويلفت نيربية إلى أن "النقطة الأكثر أهمية والتباساً هي النقطة السابعة، التي تشير إلى بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118"، مضيفاً أن "الإشارة لا يُفهم منها تماماً درجة التزام المشاركين، تحديداً إيران، بمرجعية بيان جنيف والقرار 2118. ولم يُشر البند عينه إلى هيئة الحكم الانتقالي، وأن تشكيلها يُعدّ بداية المسار السياسي، كما نصّ قرار مجلس الأمن، بل جرى التركيز على الوصفة الروسية - الإيرانية حول الانتخابات".
اقرأ أيضاً: الائتلاف السوري: عدم دعوتنا إلى مفاوضات فيينا ليس صحياً