تحوّل بيترو بوروشينكو من أحد قادة الثورة الميدانيين في أوكرانيا، ضد الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، وممول أساسي لها، إلى رئيس للبلاد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو المعروف عنه تحكمه بالنخب الإقليمية في مناطق فينيتسيا وفولين وتشيرنوفيسك وزابوروجيا الأوكرانية.
بوروشينكو، الذي يُسمى بـ "ثعلب السياسة الأوكرانية الأكثر دهاء"، كان له "قرص في كل عرس"، فقد تمكن من إيجاد لغة مشتركة مع جميع السلطات التي تعاقبت على كييف، وعرف كيف يحافظ على مصالحه في ظلها جميعاً.
عرف الرجل كيف يكون من جماعة الرئيس السابق فيكتور يوشينكو، فشغل في حقبته منصب سكرتير مجلس الأمن القومي، ومع رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، فشغل في حكومتها منصب وزير الخارجية، ومع الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، فحافظ على موقعه كرئيس لمجلس الإشراف على البنك الوطني الأوكراني.
وقبل ذلك، في حقبة الرئيس السابق ليونيد كوتشما، أدرك كيف يشكل قناة ضغط خاصة به من خلال علاقته بالسيدة الأولى لودميلا كوتشما ونيكولاي آزاروف، الذي شغل لاحقاً منصب رئيس الوزراء في حكومة يانوكوفيتش، والذي لا تزال تربطه به علاقات وثيقة.
ولكن، أول ما يخطر في بال من يتحدث عن بوروشينكو هو أنه ملياردير، وأحد أكبر أثرياء الاتحاد السوفياتي السابق، وتبلغ ثروته وفق مجلة "فوربز" الأميركية، 1.6 مليار دولار.
رأس المال الأوّلي، كما يقال، جناه بوروشينكو من توريد الكاكاو إلى أوكرانيا، ومن مشاركته في خصخصة جميع مصانع الحلويات، تقريباً، في البلاد.
أسس بوروشينكو، على الأراضي الروسية، شركة "روشن"، إحدى أشهر شركات الحلويات الأوروبية المنتجة للشوكولاته وأنواع عدة من الحلويات، ولذلك بات يلقب في أوساط السياسيين ورجال الأعمال الأوكرانيين بـ "الأرنب الشوكولاتي".
أما اليوم، فإضافة إلى شركة الحلويات، يستثمر بوروشينكو في القطاع الزراعي، ولديه "مصرف الاستثمار الدولي"، والقناة التلفزيونية الأوكرانية الخامسة.
وكان لافتاً قيام النسخة الإسرائيلية من "فوريز"، في العام 2013، بإدراجه ضمن قائمة أغنى يهود العالم التي شملت حينها 165 اسماً. الأمر الذي اعترض عليه الرجل، فتم بعد انتظار ومن دون ضجيج، سحب اسمه من القائمة.
على مستوى المواصفات الشخصية، أهم ما يُعرف عن بوروشينكو مرونته وقدرته الفائقة على العمل، إذ يُقال إنه لا ينام أكثر من 6 ساعات في اليوم.
وكما يقول بطريرك السياسة الأوكرانية ميخائيل بوغريبينسكي، يتداولون في أوساط الخبراء السياسيين أن بوروشينكو "قد لا يحصل على شرعية كاملة على كل الأرض الأوكرانية، ومن غير المعروف ما إذا كان سيبقى رئيساً لفترة طويلة، فذلك سيقرره سلوكه وسياساته".
وهناك سؤال كبير عمّا إذا كان سيتمكن من إقامة حوار طبيعي، بدرجة ما، مع روسيا. فمن دون ذلك، لن تنقذ أية قروض من البنك الدولي الاقتصاد الأوكراني من الانهيار.
وكانت موسكو قد أعربت عن استعدادها للحوار مع بوروشينكو، ونشرت وكالة "إنتر فاكس" قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بهذا الخصوص: "نحن مستعدون للحوار مع ممثلي كييف، وبالتالي مستعدون للحوار مع بوروشينكو".
وفي السياق، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن رئيس أوكرانيا المخلوع فيكتور يانوكوفيتش المقيم في روسيا، أنه يحترم خيار الشعب الأوكراني في هذا الزمن الصعب.
وذلك كله، يشير إلى أن روسيا تقر بنتائج الانتخابات الأوكرانية وبشرعية مؤسسات السلطة التي سيتم تشكيلها.
وكان لافتاً ما عبّر عنه بوروشينكو على مستوى السياسة الخارجية، بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات الأوكرانية، وفقاً لـ "إيتار تاس"، برغبته في اللقاء مع القيادة الروسية في النصف الأول من يونيو/حزيران، مستنداً إلى استحالة حل الوضع في جنوب ــ شرقي البلاد من دون مشاركة موسكو.
وقال عن هذا الموضوع "لن يتغير شيء في علاقتنا مع روسيا خلال يوم واحد. روسيا جارتنا الأكبر. وأنا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين نعرف بعضنا".
إنما بالتوازي مع ذلك، نقلت وكالة "إنترفاكس" إعلان بوروشينكو، يوم الاثنين، أن الحملة العسكرية في جنوب ــ شرقي أوكرانيا يجب أن تستمر ضد الانفصاليين الموالين لموسكو.
وفي السياق، نقلت صحيفة "كوميرسانت" عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، تعليقاً على رغبة بوروشينكو لقاء بوتين في النصف الأول من يونيو، قوله إن "الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن ذلك".
وفي توجهه إلى ناخبيه، بعد تأكده من الفوز، وعد بوروشينكو الشعب الذي أنهكته المواجهات والشلل الاقتصادي الذي تعانيه البلاد والفوضى وفلتان الميليشيات، بأمر يصعب تحقيقه: إرساء الاستقرار بسرعة في البلاد.
وقال إن "هدفي، أن نشعر بأن أوكرانيا تغيّرت بعد أسبوع من الانتخابات الرئاسية، وأنها خلال عام ستتغير أكثر بكثير. فخلال فترة رئاسية واحدة سنحصل على إمكانية أن نصبح أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وخلال حقبتين أود لو أتقاعد وأصبح عضواً في البرلمان الأوروبي عن أوكرانيا".
اذاً، يبدو أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هو الهدف الذي لا يختلف فيه بوروشينكو عن تيموشينكو، لكن هل يختلف عنها في الخطوة التالية، أي الانضمام إلى "حلف شمال الأطلسي"، وهو ما تخشاه روسيا ولا تقبل بحدوثه؟